يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 12 والأخيرة)

هل كان المهدي بنبركة جاسوسا للمعسكر الشرقي؟

نشرت مجلة “لكسبريس” الفرنسية، في عددها الصادر ما بين 5 و11 يوليوز 2007، مقالة رئيسية، عبارة عن قراءة في كتاب صدر السنة الماضية للصحافي والمؤرخ “بيتر زيديك”، حيث عبأ، من خلال خبراته ومهاراته التحليلية، ترسانة وثائقية هامة، تضم نصوصا تاريخية وأرشيف مخابرات براغ ووثائق وصورا مختلفة، نظمتها المجلة الفرنسية في أربعة عناوين رئيسية. الأول سردت فيها قصة أصول جاسوسية الشيخ، وهو الإسم الإستخباراتي للمهدي بنبركة، لصالح  الإستخبارات التشيكية الممهدة بلقاء باريس عام 1960، والثاني حول الترتيبات الأولية التي كانت تتم في بعض الأندية الفرنسية، بين الشيخ والعميل زيدينك ميك المتخفى خلف ستار ديبلوماسي، أما العنوان الرابع الذي اختارته المجاة لمقالتها، فقد تطرق للأجواء التي قام بها العميل المهدي بنبركة لبراغ يوم 1 شتنبر 1961، في حين تناول العنوان الرابع محتوى المعلومات والتقارير التي كان يقدمها الشيخ لجهاز سري تشيكي. هذا ويعود الخبير في الشؤون السياسية التشيكية، بالبوادر الأولى لعمالة بنبركة لصالح براغ، التي حددها زيديك في منتصف شهر مارس عام 1960 في مقهى ومطعم لوفوكيتس في الشارع الشون زيليزي الشهير بباريس، حيث كان يجلس الضابط زيدينك ميك، عميل استخبارات تشيكوسلوفاكي، بتخفى خلف ستار ديبلوماسي، من خلال عمله كسكرتير ثان لسفارة براغ، مع أحد عملائه الفرنسيين الذي كان اسمه “كوكول”، هذا الأخير الذي كانت لديه عدة اتصالات مع مغاربة. في هذه الجلسة، قدم هذا الرجل شخصا يدعى الكنفاوي، مكلف بمهمة في سفارة المغرب في فرنسا، إلى الديبلوماسي التشيكي المزيف. الكنفاوي لم يكن يدري أن زدينيك ميك، واسمه الحركي «موتل»، هو عميل للمعسكر الشرقي. وفي الطاولة المجاورة للرجال الثلاثة، كان يجلس هناك مغربي آخر يدعى المهدي بنبركة، 40 عاما، الزعيم المنفي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أسس عام 1959. استغل الديبلوماسي التشيكوسلوفاكي الفرصة للتعرف على بنبركة ودعاه برفقة الكنفاوي إلى عشاء تنظمه السفارة التشيكية. وفي مساء 28 مارس 1960، اضطر الكنفاوي إلى التأخر عن الموعد بسبب حفل أقيم على شرف وفد مالي ووصل متأخرا إلى دعوة العشاء بعد ساعة ونصف عن الموعد المحدد. بنبركة، المعروف بمواعيده الدقيقة، وصل في الموعد، وأثناء انتظاره لمواطنه تبادل حديثا مطولا وخاصا مع زدينيك ميك بدون في أن يشك بأن هذا الرجل ذا التاسعة والعشرين عاما هو ضابط في الـSTB، جهاز أمن الدولة التشيكوسلوفاكي. بعد هذا الموعد على العشاء، فتحت المصالح الاستخباراتية التشيكوسلوفاكية في قسم الاستخبارات الخارجية ملفا تحت رقم 43-802 باسم بنبركة بناء على تقرير كتبه الضابط زدينيك ميك عما جرى بينه وبين بنبركة: «لقد استطعنا تحليل الوضع الحالي في المغرب. إن مؤسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لا يستطيع العودة إلى المغرب مخافة اعتقاله. بنبركة يرى أن الحل الوحيد أمام بلاده هو الانضمام إلى مصاف البلدان الاشتراكية. ولتحقيق هذا الانضمام يجب استيفاء الشرط الأول الذي يتمثل في تحقيق اتحاد بين جميع القوى الحية في البلاد في تنظيم سياسي موحد. لهذا يجب مناقشة الأمر مع علي يعتة، الأمين العام للحزب الشيوعي المغربي، من أجل الحصول على موافقة الحزب».

علاوة على ذلك، أثار زدينيك ميك نقطة اعتبرت إشارة إيجابية في عيون مسؤولي الاستخبارات التشيكوسلوفاكية وتتعلق ببحث بنبركة عن ربط اتصالات دولية بالمسؤولين السوفيات ولاسيما المقربين من كوروتشيف.

وخلال محادثات العشاء بين بنبركة وزدينيك ميك تمت دعوة بنبركة إلى زيارة تشيكوسلوفاكيا.

أما فيما يتعلق، بأجواء الترتيبات الأولية، فكان العميلان المهدي بنبركة وزدينيك يلتقيان في أندية بالعاصمة الفرنسية باريس، وهي الترتيبات التي أثمرت، بعد حضور المهدي بنبركة في أبريل من نفس السنة، أشغال مؤتمر منظمة وحدة شعوب إفريقيا وآسيا في كوناكري في غينيا، حيث التقى بالشيخ السفير التشيكي، فلاديمير كناب، الذي أخبره بأن عليه التوجه إلى يوغسلافيا وفرنسا ثم تشيكوسلوفاكيا. هذه الأخبار، أثارت تخوف الرئيس التشيكوسلوفاكي، أنطونين نوفوتني. فدعوة بنبركة، بشكل رسمي، ستتسبب في مشاكل مع المغرب، الذي يعد الشريك الاقتصادي الثاني لتشيكوسلوفاكيا بعد مصر.

وكما أنه لا يجب أيضا التقليل من شأن بنبركة، النجم الصاعد في صفوف اليسار على المستوى الدولي، ستتم دعوته بشكل غير مباشر، عن طريق توجيه دعوة، له من طرف وسيط من النقابات المركزية. بعد ذلك، توطدت علاقة بنبركة بزدينيك ميك وأصبح دائما يحادثه ويدعوه إلى السينما أو المسرح. وكانا يلتقيان غالبا في مقهى ليب، وذات مرة شاهدا معا الفيلم السوفياتي «نزهة الجندي» للمخرج كريكوري تشوكراي. زدينيك ميك كتب في تقاريره قائلا: «كان جزء كبير من أحاديثنا يدور حول المسائل النظرية للفلسفة الماركسية والاشتراكية العلمية»، حسب ما جاء في ملف رقم 43-802. في أواخر سنة 1960، أعلن بنبركة عن رغبته في زيارة تشيكوسلوفاكيا معبرا عن أمله في مقابلة مسؤولين سوفيات وازنين. وفي 12 مارس 1961، طلب بنبركة من صديقه التشيكوسلوفاكي مبلغ 10000 فرنك من أجل تأمين الدعم لـ«فرونس أوبسرفاتور». لقد أراد بنبركة أن تستمر هذه الأسبوعية اليسارية، المعروفة بمواقفها الانتقادية، في انتقاد الحسن الثاني، خليفة محمد الخامس الذي توفي يوم 26 فبراير 1961. لقد كان يؤمن بأن مثل هذه الأساليب قد يكون لديها بعض التأثير. لكن هل استمر بنبركة في دعم هذه الجريدة؟ ليس هناك من دليل على ذلك في أرشيف الاستخبارات التشيكوسلوفاكية، ولكن الحقيقة الأكيدة هي أن هذا المعارض عرف، منذ ذلك الحين، الوظيفة الحقيقة لزدينيك ميك. وأوضح الخبير في الشؤون التاريخية والسياسية التشكية، على إثر الزيارة الأولى التي قام بها الشيخ إلى براغ في يوم 12 شتنبر 1961، أن زدينيك ميك كتب إلى رؤسائه أنه لا يؤيد توظيف «الشيخ»، الاسم الحركي الذي أطلقه زدينيك على بنبركة، بشكل رسمي ضمن مصالح الاستخبارات التشيكوسلوفاكية.يقول زدينيك: «الشيخ لديه طموحات كبيرة. إنه يريد أن يلعب الدور الأول في مستقبل الدولة المغربية. ولهذا السبب، يجدر التعامل معه فقط على أساس تعاون سياسي“، حيث وصل بنبركة إلى دولني دفوريست على الحدود النمساوية التشيكوسلوفاكية على متن سيارة في اليوم المذكور. واستقبله زدينيك ميك بنفسه. وهنا ابتدأت رحلة الإغراء. فقد حاول منظمو الرحلة أن يعطوا لبنبركة صورة عن النجاح الذي حققته الاشتراكية والإرث الثقافي للبلاد. إلى جانب ذلك، تم اصطحابه في زيارة لبلدة أورليك بسدها الكبير وقصرها الشهير. وفي المساء، دعي إلى ملهى ليلي في براغ ثم اختتم سهرته في بار عصري. وفي الأيام الموالية، قام بزيارات متعددة شملت تعاونية فلاحية، مصنعا، لقاءات مع طلبة ونقابيين ومسؤولين…

ومما جاء في مذكرات زدينيك، يقول بيتر، أنه: «خلال عشاء في مطعم ميسين، تعرف الشيخ على امرأة مجهولة ذات توجه ثوري ونشأت بينهما علاقة حميمية. وقال لنا الشيخ إنها امرأة مطلقة ولديها طفل في الخامسة من عمره، وهي من أصل روسي». بنبركة أسر لصديقه بأنه في فرنسا يستخدم الإغراء كـ«وسيلة فعالة للحصول على المعلومات».

وهناك قصة في هذا الصدد تضمنها هذا الأرشيف. يقول زدينيك ميك: «قام أخ بنبركة بتعريفه بإحدى عشيقاته التي تعمل ككاتبة في ديوان وزير الدفاع، بيرر ميسمر، في باريس. وقام الشيخ بدعوتها إلى جنيف وأعطاها بعض الأموال وكرس نفسه لها -ولو أنها لم تكن جميلة- من أجل كسب رضاها ومقابل أن تمده بمعلومات أو وثائق تخص الوزارة». ويضيف زدينيك ميك أن علاقته توطدت ببنبركة إلى درجة أنه كان يتحدث معه بشكل صريح حول المسائل الاستخباراتية.

في خريف 1961، قام جهاز الـSTB بخطوة مهمة تمثلت في تقديم تعويض مادي لبنبركة. وكان بنبركة يتلقى 1500 فرنك شهريا مقابل تقديم وثائق هي عبارة عن بيانات من داخل مصلحة التوثيق ومكافحة التجسس الفرنسية والتي قال إنه تسلمها من عميل فرنسي التقاه عن طريق المؤرخ والصحافي روجيه باري المتخصص في شؤون المغرب في أسبوعية «فرونس أوبسرفاتور».

وفي نونبر، قام جهاز الـSTB كذلك بتمويل سفره إلى غينيا (3500 فرنك).

وكانت كل المعلومات التي يرسلها الشيخ تقيم من طرف مسؤولي الاستخبارات التشيكوسلوفاك على أنها مهمة ويتم تحويلها إلى جهاز الاستخبارات السوفياتي الـ”كي.جي.بي”.

في 15 ماي 1962، توجه بنبركة إلى المغرب، حيث أصبحت السلطة مهادنة بشكل مفاجئ تجاهه. وخلال هذه الفترة، أوقف تعاونه مع الـSTB كإجراء احتياطي. وفي فبراير 1963، رجع الشيخ إلى تشيكوسلوفاكيا. ورغم أنه لم يُمض سوى يومين في براغ فإنه تم توظيفه خلال هذه المدة القصيرة بشكل رسمي كعميل للمعسكر الشرقي بعد تقييم لمساره من طرف مسؤولي الـSTB.

في هذه الفترة، تم تغيير الوسيط من زدينيك إلى ضابط آخر يدعى كارل سيرماك واسمه الحركي سيربينكا وينتمي للمكتب المركزي الاستخباراتي في براغ. وبعد عودته للمغرب، لاحظ بنبركة أنه مراقب وكان يخشى على حياته، خاصة بعد حادث سيارة اشتبه في أنه كان مدبرا، وكان مقتنعا باستحالة التوصل إلى اتفاق مع الدولة المغربية، لذلك عاد إلى منفاه من جديد يوم 23 يونيو 1963، ولكن بصفة نهائية هذه المرة.

وعن محتوى المعلومات التي كان الشيخ يمد بها الجهاز الإستخباراتي، فقد كتب زيديك، يقول أن الرحالة بنبركة، جاب تقريبا جميع بلدان الكرة الأرضية، وتركزت رحلاته بشكل رئيسي على تشيكوسلوفاكيا في ثلاث زيارات مهمة إلى براغ؛ كانت الأولى في يوليوز (لمدة يومين)، والثانية في أواخر يوليوز وبداية غشت (لمدة أربعة أيام)، والثالثة في أواخر نونبر وبداية دجنبر (لمدة أربعة أيام).

وكانت براغ في غالب الأحيان، تمثل محطة عبوره للدول الشيوعية. وعندما كان يحط الرحال في براغ، كان من عادته أن يحجز في فنادق العاصمة الراقية: كيالطا، أنترناسيونال، باريس. وكانت الـ STB تستغل هذه العادة بالاستعداد مسبقا لتركيب أجهزة للتصنت على مكالماته الهاتفية…

وفي يوم 17 دجنبر 1963، رفع رئيس الاستخبارات الخارجية جوزيف هوسكا مذكرة إلى وزير الداخلية، ليبومير ستروكال، امتدح فيها التعاون مع الشيخ ووصفه بالعنصر الجدي وأنه كان يمدهم بمعلومات ووثائق مهمة. كما أطلع هوسكا وزير الداخلية من خلال هذه المذكرة على أنه سيتم إشراك ضابط يدعى الرفيق لينسكي، عميل الـ STB في الجزائر، في التعامل مع الشيخ.

وخلال المدة التي تعامل فيها الشيخ مع الاستخبارات التشيكوسلوفاكية، تلقى دروسا في حل الشفرات وتلقي التعليمات بدون إيقاظ شكوك أولئك الذين يتنصتون على مكالماته. فمثلا عندما يطلب منه أن «يقابل صحافيا في زيوريخ» فإن ذلك يعني أن عليه التوجه بسرعة إلى براغ، وإذا كانت الجملة تقول إن «صحافيا يريد مقابلتك في جنيف» فهذا يعني أنه يجب عليه التوجه إلى الجزائر!

في يوم 19 غشت 1964، عاد بنبركة إلى تشيكوسلوفاكيا، ولكن هذه المرة بجواز سفر جزائري خاص يحمل رقم 798 وباسم الزايدي عبد الكريم. بنبركة لم يكن هذه المرة وحده، بل كان برفقة زوجته وأطفاله الأربعة! هذه الزيارة العائلية أثارت غضب قيادة الـ STB بسبب عدم إشعارها بذلك! ومع ذلك قبلت الـ STB بتحمل مصاريف إقامته الطويلة مع عائلته (حوالي ثلاثة أسابيع). وهنا، أخبره مسؤولون من الـ STB بأنه لم يعد جديا في تعامله معهم بسبب عدم انتظامه في الاتصال بهم إلى جانب إمدادهم بمعلومات ليست ذات أهمية، والنتيجة هي قرار بتحديد تعويضه المادي بناء على تقييم عمله.

وفي نفس الفترة وتحديدا يوم 25 غشت 1964، كتب ضابط من الـ STB يدعى «دوبيك» تقريرا مطولا عن بنبركة من ثلاث عشرة صفحة شكك في بمصداقية بنبركة بسبب تقديمه لمعلومات متضاربة الصحة وثرثرته حول تعامله مع الـ STB. يقول دوبيك في تقريره: «من الأكيد أن الشيخ أصبح «ثوريا» في التعامل معنا، ومساندا للأمريكيين عند التعامل معهم، ومنتهزا للفرص عند التعامل مع بورقيبة وعبد الناصر والبعثيين في العراق وسوريا»، لكن التقرير حمل ما هو أفظع: «إن الأصدقاء -السوفيات- يعتقدون بأنه يتعامل مع الصينيين!».

في خريف 1964، أشعر عملاء الـSTB، المرابطون في الرباط، براغ بأن السلطات في المغرب مقتنعة بأن الحكومة التشيكوسلوفاكية تدرب منتمين لأحزاب مغربية بطلب من الشيخ. كان هذا الاتهام يحمل شيئا من الحقيقة المتعلقة بتقديم مساعدات وتداريب لأعضاء من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولكن ملف 43-802 لا يحمل أي أثر لأية معلومات عن هذه المساعدات.

تكشف هذه الوثائق أيضا أن بنبركة تلقى، نزولا عند طلبه، تكوينا في تقنيات «التآمر»: اللغات المشفرة، الاتصال عن طريق الراديو، فن التحايل… واحتضنت العاصمة براغ مدة التكوين التي استمرت من 9 إلى 17 مارس 1965 في شقة «عادية» تابعة لـ STB.

وكانت آخر زيارة له إلى تشيكوسلوفاكيا في أواخر شهر شتنبر 1965 حين كان عائدا من كوبا. وكانت الزيارة هذه المرة بشكل رسمي تقريبا، حيث عقد ندوة صحفية. وخلال نفس الزيارة طلب من سيربينكا إمداده بمسدس من عيار 7.65 ملمتر لأنه كان يشعر بتهديد كبير محدق بحياته، وتعهد سيربينكا بمنحه المسدس في زيارته القادمة، لكن القدر لم يمهل المعارض المغربي القيام بزيارة أخرى، ففي يوم 29 أكتوبر من نفس السنة، تم اختطافه في الحي اللاتيني في باريس أمام مقهى ليب، وهو نفس المقهى الذي التقى فيه لأول مرة مع ميك زدينيك! بعد «حادث» الاختطاف، فتحت الـ STB ملفا فرعيا تحت رقم 43-802-100، وكان الهدف من ذلك هو تحقيق ربح سياسي على الساحة الدولية.

ولهذا السبب، أطلقت الـ STB حملة تضليلية أطلق عليها «انطلاق». وقد حددت مذكرة صادرة في 12 نونبر 1965 الأهداف المتوخاة من هذه الحملة، التي وظف فيها العديد من المراسلين والصحافيين، في:

  • توجيه الأنظار باتجاه الحكومة الأمريكية والسي.آي.إيه للاعتقاد بأنهم وراء هذا الاختطاف؛
  • التشهير بالملك الحسن الثاني، ووزير الداخلية الجنرال أوفقير، ومدير الأمن المغربي الكولونيل الدليمي وكوادر النظام، وترك الانطباع بأن هؤلاء الأشخاص هم ناشطين إمبرياليون أو عملاء وجواسيس أمريكيون ضد زعماء البلدان الإفريقية والعربية:
  • إقحام الشرطة والحكومة الفرنسيتين ولاسيما شارل دوكول شخصيا.طبعا، هناك بعض الحقيقة في هذه التصريحات، وخاصة تورط بعض المغاربة ورجال شرطة فرنسيين، لكن هدف الـ STB كان هو استغلال هذه الفضيحة بأكبر قدر ممكن على الساحة الدولية.

وتم إقفال هذا الملف الفرعي بدون أن يعرف أصدقاء بنبركة التشيك ماذا حصل له، ودفن سر بنبركة مع الاستخبارات التشيكوسلوفاكية ولم يتم الاطلاع على هذا الملف سوى عامي 1972 و1983.

أما عن جوزيف أوريل، فهو، حسب ما أورده زيديك، أنه جاسوس سابق ومتقاعد يعيش حاليا في إحدى البوادي التشيكية. منزل جوزيف أوريل مزين بتذكارات من إفريقيا تعود إلى تلك الفترة حيث كان يعمل تحت غطاء ديبلوماسي على مستوى القارة الإفريقية. في سن الـ74، مازالت تعلق بذاكرة هذا الرجل الكثير من الذكريات. فجوزيف أوريل كان يخدم لمدة طويلة في عالم الاستخبارات قبل أن يتم التخلي عنه سنة 1970، لكنه رجع إلى تشيكوسلوفاكيا سنة 1990 بعد الإطاحة بالنظام الشيوعي.

جوزيف أوريل يتذكر أنه التقى المهدي بنبركة سنة 1960 خلال رحلة إلى غينيا من أجل حضور مؤتمر إفريقي-آسيوي، ومرة أخرى بعد ذلك سنة 1961 في غزة بمناسبة مؤتمر دولي آخر. ويتذكر جوزيف عن بنبركة أنه كان رجلا ذكيا ولطيفا ومنفتحا ومقربا جدا من إدارته… «قبل تلقي الأوامر بالذهاب إلى غزة وبحكم موقعي، تم إشعاري بأنه (بنبركة) على علاقة برؤسائي، ولكنه لم يسمح لي بالكشف عن ذلك». وهذا الملف الذي أزاح عنه الستار بيتر زيديك هو «صحيح وموثوق».

ورغم أن هذا الرجل لا يعرف الكثير عن رحلات المعارض المغربي، فإنه لا يمكن، في نظره، التحدث بدقة عن «عميل»، ولكن فقط عن شخص كان يمدنا بالمعلومات من الطراز الأول وشخصية مقربة من النظام الشيوعي تعاملت معه براغ وقدمت له الدعم. «لقد كان الهدف هو مساعدة رفقائه في أنشطتهم السياسية بل العسكرية. ونحن نطلق على مثل هؤلاء الأشخاص «مصدر سري». لست متفاجئا بكون بنبركة قدم معلومات وتلقى مقابل ذلك أموالا وتكوينا». لكن المؤرخ بيتر زيديك ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال، مدعما أقواله بالوثائق التي في حوزته، إن المغربي واسمه الحركي «الشيخ» كان عميلا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وسواء كان «مصدرا سريا» أو «عميلا»، فإن هذا التعامل مع المصالح الاستخباراتية التشيكوسلوفاكية غاب عن عيون الاستخبارات الأمريكية والفرنسية. ويخلص أوريل قائلا: “المهدي بنبركة كان محظوظا؛ لكن يجب القول أيضا إننا، في تلك الفترة، كنا محترفين وممسكين بزمام الأمور في إفريقيا“.

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 1): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 2): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 3): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 4): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 5): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 6): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 7): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 8): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 9): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 10): من هنا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 11): من هنا

اقرأ أيضا

مكاسب تمغربيت وسمعة المغرب سنة 2022

رغم كل ما لحق المغاربة من معاناة جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية على الصعيد العالمي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *