تقرير شامل عن إميضر وقمع سكانها سنة 1996

تقع الجماعة القروية إميضر بإقليم تنغير، ويتجاوز عدد سكانها الأمازيغ خمسة آلاف نسمة حسب إحصاء 2004. وتتكون الجماعة من سبع دواوير وهي (آيت امحند، آيت براهيم، آيت ايغير، انونيزم، ايزومڭن، تابولخيرت وإيكيس)، وتعتبر الفلاحة ورعاية الماشية الأنشطة الأساسية للساكنة، كما يقع أكبر منجم لاستخراج الفضة على أراضي الجماعة السلالية التابعة لجماعة إميضر الذي بدأ استغلاله منذ 1969، وتستغله حاليا شركة معادن إميضر(SMI) التابعة لمجموعة “مناجم” التابعة للهولدينغ الملكي ” أونا(SNI) .
رغم ماتزخر به جماعة إميضر من ثروات معدنية هائلة فإنها تعاني من انعدام أبسط البنيات التحتية والمرافق العمومية الحيوية، كما تعاني من تفاقم نسبة البطالة، وهذا راجع بالأساس إلى إقصاء أبناء الجماعة من العمل بالمنجم، إضافة إلى أن الشركة تقوم باستغلال مياه المنطقة خارج إطار القانون، مما يؤثر بشكل كبير على الفلاحة النشاط الأساسي للساكنة و يتسبب في نقص حاد لمياه الشرب بدواوير الجماعة.

وهو ما جعل الساكنة رجالا ونساء وأطفالا يخرجون للتنديد بهذه الأوضاع المزرية والمفارقة الغريبة وذلك بداية من يوم 26 يناير 1996 الموافق للأسبوع الأول من شهر رمضان الأبرك للاحتجاج ضد الإقصاء والتهميش واستنزاف ثرواتهم، ليدخلوا بذلك في اعتصام سلمي مفتوح أمام مقر إدارة شركة معادن إميضر، التي تستغل مساحة تفوق المساحة المكرية بكثير، رغم أن عقد الكراء يحدد لها حق استغلال 25 هكتار فقط، وتحديا منها لجميع القوانين والأعراف الدولية تجاوزت المساحة المستغلة على حساب الأراضي الزراعية والرعوية دون أي تعويض يذكر.
منجم إميضر الذي يتوسط أراضي جماعة إميضر تتسرب من معمله مواد كيماوية سامة أهمها مادتي السيانور والميركور، والكل يعلم خطورة هذه المواد مع العلم أن الشركة غير مصنفة بيئيا، ولا تتوفر على ” دراسة التأثير “(Etude d’impact sur l’enveronnement)، مما يزيد من تأثير المواد السامة سلبا على مردودية الفلاحة و الكسب، بالإضافة لتلويثها للمياه الباطنية والسطحية، مما يشكل تهديدا مستمرا للإنسان المحلي وتربية الماشية، حيث أن عددا من قطعان الماشية ماتت عن آخرها في الحال بعد شربها للماء الملوث الذي يتسرب من المنجم.
هذا بالإضافة لكون الشركة وبمباركة من السلطات المحلية كلما أرادت الزيادة في اليد العاملة لا تعيير اهتماما للعاطلين المحليين وتستدعي غيرهم، بل أكثر من ذلك فقد سنت لنفسها وبتنسيق مع النقابتين(CDT + UMT) والسلطات المحلية وكذلك مصالح المناجم قانونا يجعل من الشغل حقا وراثيا، بحيث ينص البند السادس من الاتفاقية الجماعية المبرمة سنة 1987 بين هذه الأطراف على أنه ( في حالة وجود مناصب شغل شاغرة تعطى الأولوية لأبناء العمال)، وهذا خرق للقانون الشغل ومبدأ تكافؤ الفرص وإقصاء لليد العاملة المحلية.
أمام هذه الوضعية المزرية لم يبق للساكنة المحلية إلا أن يرفعوا أصواتهم معلنين بذلك عزمهم على المطالبة بحقوقهم في إطار القانون. وبعد إخبار السلطات المحلية قام الشباب العاطلين والمعطلين وكافة شرائح المجتمع الإميضري بتنظيم اعتصام أمام المدخل الرئيسي للمنجم المذكور يوم 29 يناير 1996. وقد عبر جميع المعتصمون عن مسؤوليتهم في السير قدما بهذا الشكل النضالي بأسلوب حضاري سلمي دون عرقلة لسير الأشغال بالمنجم، متشبثين بملف مطلبي سوسيو إقتصادي يضمن لهم الحقوق المقدسة المتعارف عليها في القوانين والأعراف الدولية.
وللتعبير عن التزامهم بالمسؤولية رفع المعتصمون شعارات مسؤولة تعبر عن همومهم وانشغالاتهم إزاء الوضعية المزرية التي يعيشونها، رغم توفر جماعتهم على أغنى منجم للفضة بإفريقيا، وقد تم نصب خيام تقليدية لوقايتهم من البرد مغطاة لتفادي تسرب مياه الأمطار و الثلوج إلى داخلها، كما رفعت لافتات مكتوب عليها شعارات مقتبسة في غالبيتها من الدستور ( الشغل حق دستوري ـ لا تراجع عن حقنا الدستوري…). ورغم الأجواء الرمضانية والظروف القاسية بفعل البرد القارس والثلوج التي تكسو الخيام وكذلك الصقيع و هطول الأمطار، فإن إيمان المعتصمين بقضيتهم و بملفهم المطلبي المقدم إلى إدارة الشركة زرع فيهم إرادة قوية وعزيمة لتحمل جميع الظروف لانتزاع حقوقهم المشروعة.
بعد مرور 15 يوما من الاعتصام أمام مقر إدارة الشركة، ووجهت مطالبهم بالتجاهل واللامبالاة واللاهتمام، سواء من إدارة الشركة التي كان همها الوحيد هو الزيادة في الإنتاج واستنزاف الخيرات، وكذا السلطات المحلية التي من المفروض أن تعلب دور الحكم و تقوم بإجبار الشركة على تطبيق القانون، ولكن تجاهلت القضية مما أبان عن تواطئها ما أثار إستياء الجميع بما في ذلك ساكنة إميضر وساكنة الدواوير المجاورة التي عبرت عن مساندتها المعنوية للمعتصمين.
وأما اللامبالاة والتجاهل قرر المعتصمون أن يعطوا نفسا جديدا لشكلهم النضالي، بأن ينقلوا خيامهم والاعتصام  إلى مقربة من الطريق الوطنية رقم عشرة بمحاذاة بئر “تارڭيط” (إيغف نولبان)، الذي تستغله الشركة بدون سند قانوني منذ 1986. بعد أن عمدت إلى حفر هذا البئر بالقرب من الضيعات الفلاحية رغم رفض الساكنة والشكايات التي أرسلها أصحاب الضيعات الى الجهات المعنية للاعتراض على حفره، وقد تسبب استغلال مياه هذا البئر في تضرر للفلاحة النشاط الأساسي للساكنة، بسبب جفاف الآبار المستعملة لري أراضيهم، وقد قامت الشركة بعملية الحفر بمؤازرة من السلطات المحلية التي قامت بتطويق المنطقة لمنع الساكنة من الوصول إليه، بل أقدمت على الزج ب ستة شبان في السجن سنة 1986عندما رفعوا أصواتهم  معلنين رفضهم لهذا العمل الغير قانوني.
قام جميع المعتصمين بنصب الخيام من جديد قرب البئر المستغل لضخ المياه على أساس أن من حقهم التصرف في أراضيهم، ولتفادي الأخطاء والثغرات التي قد تفاجئ الجميع عبر المعتصمون عن مستوى حضاري و ديمقراطي في تسيير شؤونهم الداخلية واتخاذ القرارات، وهكذا كونوا مجموعة من اللجان للسهر على السير النموذجي والطبيعي للأشكال النضالية والمسيرات الاحتجاجية، التي كانوا يقومون بها إلى دواوير الجماعة ونحو مقر إدارة الشركة بالمنجم، ومن بين هذه اللجان : لجنة الحوار التي تم فرزها بشكل ديمقراطي داخل حلقية جماهيرية عارمة مكونة من الرجال و النساء والأطفال، ولجنة الحراسة التي تسهر على ضمان الأمن داخل المحيط الذي بنيت فيه الخيم، إضافة إلى لجنة اليقظة، النظافة ، لجنة السكن ولجنة مكلفة بضمان السير العادي على الطريق الوطنية رقم عشرة، وفي مجال الاعتصام وخلال المسيرات و التظاهرات،وقد استمر الشكل النضالي بشكل عادي وسط لامبالاة وتعنت إدارة الشركة والسلطات المحلية إلى غاية يوم الأحد 10 مارس 1996 حيث تم الهجوم على المعتصم بشكل وحشي من طرف القوات العمومية.
عـملــيـة الــهـجــــوم
بعد اعتصام سلمي دام خمسة وأربعين يوما في ظروف قاسية دفاعا عن حقوقهم المشروعة، لم تجد مطالب ساكنة إميضر آذان صاغية، بل بالعكس تعاملت السلطات المحلية مع هذا الشكل الحضاري بطريقة وحشية،في صبيحة يوم الأحد 10 مارس 1996 على الساعة السابعة قامت قوات الأمن المغربية، بإنزال أزيد من ستمائة عنصر من القوات المساعدة، وبدأ الهجوم على المعتصمين الذين كانوا لازالوا نياما داخل خيامهم بدون سابق إنذار، حيث اقتحمت مجموعة من الشاحنات العسكرية وسيارات الدرك الملكي مقر الاعتصام من الجهة الشرقية والغربية وبدأ الهجوم الوحشي على خيام المعتصمين، بأمر من عامل إقليم ورزازات و بقيادة رئيس الدائرة، لتبدأ عملية هدم وإحراق الخيام ونهبها، والإعتداء على المعتصمين بالرفس والضرب بالحجارة والهروات والسكاكين وعقب البنادق. و أمام هول وكثرة العدة والعدد المسخر لهذه العملية قرر المعتصمون أن ينسحبوا من المكان بشكل سلمي تفاديا للمواجهة التي قد لا تحمد عقباها، وتم طرد الجميع من المكان، أما رجال القوات المساعدة فقد تجاوزوا الإطار المحدد للقيام بعملهم، وقاموا بمطاردة المعتصمين ورشقهم باستعمال الحجارة والمقالع.
وقد تم صد هذه القوات بعد أن حاولت اقتحام منازل المواطنين والدخول إلى الحقول لإنتهاك حرمات النساء اللواتي تعملن في الحقول لجمع بعض المحاصيل الزراعية، ولما رأى أبناء المنطقة النساء والكهول تنتهك حرماتهم بالاعتداء عليهم بشكل وحشي، ثار غضبهم وواجهوا القوات المساعدة ليس لأنها طاردتهم كمعتصمين لكن لأنها تجاوزت الحدود إلى حد لا يطاق.
وخلال عملية الهجوم تم تطويق دواوير إميضر بشكل كامل حيث قامت القوات العمومية بقطع كل الطرق والممرات المؤدية من وإلى اميضر من جهة بومالن دادس و تنغير،ولم ينتهي هجوم القوات العمومية إلا بعد زوال نفس اليوم عقب إنزال كثيف لعناصر القوات المساعدة والدرك الملكي، وقد قامت هذه القوات بالاستعانة بسيارة مدنية لتحميل الأسلحة والقنابل المسيلة للدموع.
نــتــائـج الـهـجــــوم
اعتقال ثلاثة وعشرين فردا من ساكنة الجماعة من بينهم إمرأتين ، تم إطلاق سراحهن مساء نفس اليوم بعد تعرضهن للإعتداء و التعذيب والشتم، وباقي المعتقلين تم نقلهم إلى مخفر الدرك الملكي بتنغير (ولابد من الإشارة إلى استعمال سيارات في ملكية شركة معادن إميضر  في هذا الهجوم)، قبل أن يتم تعذيب الواحد والعشرين معتقل بينهم شيوخ وشبان لم يفرق الجلادين بينهم ولازالت أثار التعذيب بادية عليهم حتى الآن، كما أن اثنين منهم كانا في حالة خطيرة بمستشفى بومالن دادس، ولم تشر وزارة الداخلية في بلاغها الموجه إلى  وسائل الإعلام، كما الضابطة القضائية في محضرها الموجه إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بورزازات، لفصول التعذيب الوحشي للمعتقلين وفض اعتصامهم بهمجية.

إصابات متفاوتة الخطورة لمجموعة من المعتصمين وإغماءَات في صفوف مجموعة من المصابين جراء إصابتهم في رؤوسهم ومناطق حساسة من أجسادهم، ولم يتمكنوا من الذهاب إلى المستشفيات بسبب تطويق القوات العمومية للقرية و خوفهم من الإعتقال.
السطو على ما لم يحرق من ممتلكات المعتصمين من أمتعة وخيم ونقود ووثائق شخصية…
إصابة بعض من رجال القوات المساعدة بجروح خفيفة أثناء المواجهة داخل الحقول وكانت تلك الإصابات نتيجة الدفاع عن النفس من قبل النساء اللواتي تم الاعتداء عليهن بالضرب والشتم، كما عانت القرية من حصار شديد ونشر الرعب والهلع بين الساكن العزل، كما أن جميع الأنشطة اليومية للسكان جمدت بفعل تواجد فيالق من القوات في جميع الممرات المؤدية إلى الحقول مصدر العيش الوحيد للساكنة.
استمرار مسلسل تحرشات القوات العمومية بالمواطنين، وشن متابعات واسعة في حق المناضلين والناشطين بما في ذلك لجنة الحوار.
 وضع واحد وعشرين شخص من أبناء المنطقة تحت الحراسة النظرية لمدة أربع وعشرين ساعة بمخفر الدرك الملكي دون إخبار عائلاتهم، وتم تحرير محضر مفبرك في حقهم تضمن تهم جنائية خطيرة كالعصيان المدني والتحريض عليه، وتكوين تجمع ثوري، واستعمال العنف ضد القوات العمومية، وإلحاق خسائر مادية في الملك الخاص، ليتم الزج بهم في السجن المحلي  بورزازات رغم إنكارهم التهم المنسوبة إليهم، وعدم إمضائهم لمحاضر الضابطة القضائية.
 الشهيد لحســــن أورحما (أوسبضـــان)
ولد الشهيد اورحما لحسن بدوار آيتابراهيم بجماعة إميضر بتاريخ 26 دجنبر 1958 وكان يعمل سائقا، ومتزوج وله خمسة أولاد، وكان ناشطا ومناضلا فاعلا من بين مؤطري اعتصام ساكنة الجماعة القروية إميضر عام 1996، واختير كعضو في اللجنة الحوارية الممثلة لساكنة الجماعة، كما أنه كان مرشحا للانتخابات الجماعية آنذاك.
بعد هجوم القوات العمومية على المعتصم يوم 10 مارس 1996 تم اعتقاله مباشرة بعد مداهمة الخيمة التي كان نائما فيها، ليتم الاعتداء عليه وتعذيبه بوحشية داخل سيارة، قبل اعتقاله داخل مخفر الدرك بمدينة تنغير، ولأنه لم يكن يقبل أن يرى النساء والشيوخ يعذبون من طرف القوات المساعدة وكان يندد بهذه الأعمال اللاإنسانية، خضع لعقاب إستثنائي،إذ أنهالوحيد من المجموعة المعتقلة الذي حكم عليه بالسجن سنتين حبسا نافذا وغرامة 1000 درهم ظلما وعدوانا، واعتبرته السلطات زعيم المتمردين بإميضر واتهم بالعصيان المدني والتحريض عليه، واستعمال العنف ضد القوات العمومية والتحريض على ذلك، إضافة إلى تكوين تجمع ثوري وتخريب أملاك خاصة.
خلال الفترة التي قضاها في السجن المحلي بورزازات كان يتم تعذيبه، وحبسه في زنزانات انفرادية، وكذا حقنه وباستمرار بمواد مخدرة و سامة، مما تسبب في إصابته بمرض خطير في الرأس والجهاز العصبي، أدى لوفاته بعد فترة قصيرة عن خروجه من السجن.
وحكت زوجته أنه بعد خروجه من المنزل كان كامل جسده مورما ومليئا بآثار الإبر والجروح ، فكان في البداية عاجزا على المشي قبل أن يفقد بصره في آخر أيام حياته.وتوفيت زوجته بأزمة قلبية في شهر نونبر 2012، بعد معانات مع مرض السكري، وكان المعيل الوحيد للعائلة هو الإبن الوحيد المتبقي عبد الكريم.

حركة على درب 96

شاهد أيضاً

“صدى وتأثير معركة أنوال في الأوساط المحلية والعالمية” محور ندوة بالحسيمة

تخليدا للذكرى 25 لعيد العرش والذكرى 103 لمعركة أنوال الخالدة، تنظم النيابة الإقليمية للمندوبية السامية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *