بعد ألم فقدان المصورين الصحفيين الذي نقله أمين بوخريص كان اللقاء مع ألم آخر هو ألم الاغتراب داخل الوطن والشعور بالانتماء داخل القوم، هي الصورة الأولى التي نقلها فيلم «أزول» للمخرج وسيم القربي. أزول وثائقي صور في مدن تمزرط والزراوة والزراوة القديمة وهي مدن خالية بعضها اليوم من السكان، مدن كاملة البنيان والهندسة أجبرت الظروف أبناءها على الرحيل.
أبناء تمزرط غادروا ديارهم الجبلية لعدة أسباب ولكنهم حافظوا على لغتهم الأمازيغية وحافظوا على عاداتهم، لأنهم يرغبون في أن يقع الاعتراف بهم، فهم أبناء المكان وأصحاب الأرض وليسوا غرباء، همهم وطنهم الصغير تمزرط وانتماؤهم أمازيغي ولكنهم تونسيون بامتياز كما يقولون.
الأمازيغيون يبحثون عن الاعتراف بهم
ظهرت بعد الثورة التونسية مجموعة من الجمعيات التي تطالب بإعادة دراسة تاريخ البلاد، لإعطاء الأمازيغ حقهم، فهم السكان الأصليون لهذه الأرض، وهم وجدوا فيها قبل العرب، ولسبب أو لآخر ظلموا، وأصبحت كلمة أمازيغي غير متداولة، فكل التونسيون عرب مسلمون كما جاء في شهادات البعض، وبالعودة إلى المخيلة الشعبية إو الذاكرة الجماعية نجد أن الأمازيغ سكنوا الجنوب التونسي وهم أول من استوطن تلك الأراضي وعارضوا جميع المستعمرين انطلاقا من الروماني فالبيزنطي وغيرهم، وكان الأمازيغ حسب كتب التاريخ «عصيين على الخنوع»، وقد أجبر الغزو العربي (الفتح الإسلامي) بعض القبائل الأمازيغية مثل “رفجومة” و”لواته” و”مطغرة” و”رتاتة” و”هوارة” على الاحتماء بالحصون في أعالي الجبال وترك السهل للغزاة ونتج عن ذلك تشييد قرى جبلية وقلاع في قمم الجبال.
فالعادات والتقاليد الموجودة اليوم في أغلب مناطق الجمهورية التونسية هي عادات أمازيغية بالأساس وليست عربية، ومن فيلم “أزول” اكتشفنا أن المرأة الأمازيغية لم تكن مجبرة على الزواج كما عند عرب الجزيرة العربية، فالفتى عند اختياره للعروس يقابلها صحبة وزيريه ويكلمها وسط الملأ، فإن رفضت الزواج به تضع غطاء رأسها على وجهها، وتلك علامة الرفض حينها، لينسحب لاختيار أخرى. أما نساء الجزيرة العربية فيزوجن دون رضائهنّ، وما نقله الشعراء دليل على ذلك. الأراء مختلفة فالأمازيغ يريدون أن يقع الاعتراف بهم ويريدون من الدولة أن تحافظ على لغتهم، فالأمازيغية تكاد تنقرض تقريبا وهي لغة الأمازيغ في الجنوب التونسي، وهم موجودون وكانوا في القديم أسيادا وينتظرون أن يعترف بوجودهم “فلسنا عربا ولغتنا الأمازيغية، ولكننا تونسيون”.
اللباس والوشم ينقل الحكايات
تلبس المرأة الأمازيغية إبان زواجها رداء أحمر اللون مصنوع يدويا، الرداء حسب أحد الشهود يحتوي على تصميم لقصر الجم وهو رمز للمرأة التي حوصرت هناك قبل استشهادها فهي الملكة ديهيا المحاصرة بلباسها، والرداء في جانبيه يتزين بمجموعة من أنصاف الدوائر توجد على الكتفين وكأنها أقواس قصر الجم، أما قبة القصر فهي موضوعة على الرأس في شكل التاج، وبالنسبة للأعمدة، فيتدلى من طرفي اللباس «التخليلة» ، وبذلك تكون المرأة محاصرة في لباسها كما حوصرت الكاهنة، وهي حكايات من الموروث الشعبي الامازيغي التونسي وليست مؤكدة وموثقة.
وإضافة إلى اللباس هناك «الوشم» وهو ينقل قصصا وحكايات عن عادات الأمازيغ وله عدة معاني، فأحيانا يحمل رمز الدين أو القبيلة التي تنتمي إليها المرأة، أوعلامات أخرىتدل على نضج الفتاة واستعدادها للزواج، وكثيرة هي الدلالات التي ينقلها الوشم ولوحده يمثل مخزونا ينتظر الدراسة والتحليل.
كثيرة هي الرسائل التي وجدت في فيلم (أزول) ولكن أولها الهوية والبحث عن الجذور فالأمازيغ موجودون وهم أصحاب الأرض فلم الاعتراض على هويتهم أو نكران وجودهم، يبقى السؤال مطروحا ينتظر دراسات تاريخية وبحث سوسيولوجي وأونثروبولوجي وسياسي للإجابة عنه؟.
عن يومية المغرب بتصرف من أمدال بريس