زارت المغرب خلال الأسبوع الأخير من مايو 2014 السيدة بيلي Navanthem Pillay المندوبة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وكان برنامج زيارتها متزامنا مع وجود أمير السعودية بالمغرب، ومشمولا بما يسميه المخزن “الحفاوة” و”حسن الضيافة” شبيها بزيارة رؤساء الدول الذين يوصفون بأنهم أصدقاء وصديقات المغرب، لكي لا نقول أصدقاء المخزن بالخارج، وحظيت باستقبالات و”شهيوات” وحفاوة، ربما لم تجدها من قبل في بلد تزوره، وكان مأمولا أن لا تلتبس هذه الأمور على فريق السيدة التي تنتمي إلى جنوب افريقيا، وبنت الأحياء الفقيرة، وهي تعرف أساليب حكام هذه القارة المصابة بشرور انتهاكات حقوق الإنسان مقربة لأحد، فردا كان أو دولة من باب التحفظ المطلوب.
وكان عليها أن تسأل علماء الدارجة المغربية ماهي”الحفاوة”؟ وما هي “شهيوات” وما هو “حسن الضيافة”؟ لأن مهمتها تقتضي أن تكون محايدة تجاه الحاكمين والمحكومين على حد سواء في المغرب، مادامت مهمتها ترتبط بالحق، أو الحقوق، وتشبه مهمة القاضية التي تسمع الخصم والحكم، وعذرها في ذلك هي وفريقها هو إشكالية اللغة والكلام، وليس بتاتا مشكلة النزاهة حسب هذا المقال.
السيدة بيلي كانت قاضية بالمحكمة العليا لجنوب افريقيا سنة 1995، وتفصل بين الضحايا والمجرمين بالحق، ومهنتها الأصلية هي المحاماة، لأنها ستقدم تقريرا محايدا عن حقوق الناس المغاربة، وليس عن أقوال الحاكمين فقط، وتعرف معنى “حفات ليهم” بالدارجة المغربية، وهنا كان عليها أن تسأل مرافقيها عن لغة السياسة والحقوق بالمغرب المخزني، لأن لها دلالات يجب الحذر منها، لأن لغة السياسة بالمغرب لا تنطبق على معناها في الواقع، والسيدة بيلي حسب ما يظهر ناطقة بالانجليزية فقط، ومعها مترجمون فرنسيون ومتفرنسون، وهم يعرفون ماهي “الحفاوة” بالمغرب بسبب مشاركتهم في لعبة حقوق الإنسان بكثرة الكلام؟.. ومعها من يفسرون الحفاوة بالعربية الفصحى وهي مرتبطة ب”الدوران” وكلمة “المضايفة” بالدارجة لا نحتاج إلى شرحها…
وقد عادت إلى حيث تشاء، بعد أن نوهت في ندوتها الصحفية بأشياء غير مقبولة، وهي تحمل معها وساما بدرجة ضابط كبير من المغرب، وربما هو أول وسام تحمله في حياتها، وسيكون مسجلا في سيرتها الذاتية الطويلة المكتوبة في مواقع الانترنيت، ولم يحمله ربما أي مسؤول في الأمم المتحدة منذ نشوء هذه المنظمة، بما في ذلك الأمناء العامون للأمم المتحدة الذين زاروا المغرب، وتحمل معها ذكريات “الحفاوة” البالغة التي قد تتمنى أن تعود إليها مرة أخرى مثل ما يحدث لغيرها، وقد تحلو لها العودة إلى المغرب لقضاء عطلة في مراكش، وستكون على كل حال خاضعة بمجملها لدراسات من طرف نزهاء الأمم المتحدة.
وأما عن الحفاوة التي لها مفهوم خاص في دارجة أهل فاس، قريب من مفهوم “الحلاق- الحفاف” (بتشديد الفاء الأولى)، يصعب على الرأي العام العالمي أن يفهمه، ولا أن يشرحه، ويا ترى ماذا سيكون مستقبلها بعد هذه الزيارة؟
يظهر أن السيدة على مقربة من ختام نهائي لمنصبها الحالي في الأمم المتحدة الذي سينتهي منه انتدابها في فاتح شتنبر 2014 وهو ما شجعها على أن تنفتح على “الحفاوة”، وسيظهر تقريرها ربما مع مغادرتها للأمم المتحدة بعد قضاء العطلة الصيفية لهذا العام المشئوم على الأمم المتحدة التي فشلت في سوريا وأوكرانيا وكثير من مناطق الحروب الداخلية والحدودية في العالم..
إن النموذج الذي أدركته بوضوح وعبرت عنه في الندوة الصحفية التي نظمتها بالمغرب، هو أن من يهرولون حاوليها و”يدورون” طيلة مراسيم زيارتها من دعاة حقوق الإنسان بالمغرب يعملون مع المخزن الذي صنع لهم كثيرا من المؤسسات “القوية”، والذي سمته بالانجليزية Governement، وترجمه الصحافيون بالحكومة، وهو مخزن وليس حكومة، بأية لغة استعملت، ولم تنوه في ندوتها الصحفية بضحايا حقوق الإنسان، ولا بأية جمعية حقوقية ولا الذين قدموا لها الرسائل والملفات المصحوبة بالصور والحجج والوثائق.. ولم تخفف آلامهم ولم تشجعهم، ولو بكلمة شكر ومجاملة، وترحم على القتلى والمختفين، بل نوهت بإدارات الدولة “القوية” والمخيفة مثل المجلس الوطني، والمندوبية الوزارية والوسيط… الذين تمكنوا من احتواء رحلتها بسبب النفوذ الذي يحظون به والميزانية التي يصرفونها بلا رقابة، ونوهت ببرامج تعليم حقوق الإنسان التي تسمى مادة “التربية على المواطنة” وهي لا تتوفر على تقرير محايد حول هذا التعليم الذي هو تربية على الحقوق المخزنية ودين الدولة ومذهبها بمفهومه الخاص، إذ لا يشعر به الطلبة والتلاميذ الذين يتعرضون للعنف داخل المدارس والمعاهد والجامعات وحاملي الشهادات المعطلين الذين يجلدون في الشوارع.. وقد صادفت زيارتها مناسبة صدور المذكرة المشتركة بين وزير الداخلية الذي يمثل مصالح العمال والولاة بالجهات ووزير التعليم العالي والتي تسمح بتدخل قوات العمال والولاة داخل تلك المؤسسات الجامعية.. وهي مذكرة لم تصدر حتى في ما يسمى سنوات الرصاص بالمغرب، وقعها وزير التعليم العالي لينتقم لوفاة طالب ضحية، يبكي عليها، ويدعي أنها تنتمي إلى حزبه، ولم تقارن الكلام الذي يقوله الحكام بالواقع المعاش.
وغلب على تصريحاتها الإشادة بموظفي الإدارات الحقوقية الثقيلة والكثيرة بالمغرب الحالي، والتي تجمع بين الولاء المطلق للسلطة التي تعينهم في وظائفهم، وتمولهم من المال العام، ومهمة حماية حقوق الإنسان التي يدافع عنها الشعب بتضحياته ودمائه في الشوارع، وهو ما أدى بها إلى حرج بين الضحايا وأجهزة الحكم، وعدم جدوى الزيارة التي لم تغير شيئا من الواقع الحقوقي.
ولكي تدافع عن خطتها ذكرت أنها اتصلت بالمجتمع المدني حتى تخفف صبغة تركيز زيارتها على مؤسسات الحكم التي تشمل رئيس الحكومة الذي يقبل عقوبة الإعدام، وتعدد الزوجات، ورفض المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة… وشيئا قليلا من البرلمان يقتصر على جلسة إطراء ومدح سطحي مع رئيس مجلس المستشارين الذي يمثل قدماء ولاة وزارة الداخلية، وحزب رئيسهم السابق،وقليلا من الوزارات التي تتولاها أحزاب صورية،وهذه نقطة مهمة تتطلب طرح تساؤلات من قبيل: ما هي جمعيات المجتمع المدني التي اتصلت بها؟ لا أحد يعرفها، ولم تنشر لائحتها الرسمية، وكيف هيأت اتصالاتها دون علم آلاف الجمعيات التي يتجاوز80000 بطريقة الاتصال؟ ولماذا ضيعت فرصة الاتصال على الكثيرين من ممثلي المجتمع المغربي مثل جمعيات الأراضي السلالية والقبائل..؟ وكيف اختير برلمانيون دون آخرين، ووزراء محظوظين دون غيرهم… ويظهر أنها لم تختر أي فرد ممن استقبلتهم، بل اختيروا لها…
لاشك أن آلاف الجمعيات التي يتكون منها المجتمع المدني المغربي لم يقع أي اتصال بها من طرف المندوبة السامية، ولا إدارات حقوق الإنسان المخزنية”القوية” بتعبيرها، ومن وقع الاتصال ببعضهم فعلا هم بعض المقربين من إدارات حقوق الإنسان التي تشغل الموظفين باسم حقوق الإنسان التي شرحنا وضعها، فلم تتصل مثلا بجمعيات الجهات خارج الرباط والدار البيضاء،ولا حاملي الشهادات المعطلين،ولا جمعيات أسر ضحايا التعذيب والسجن والاعتقال التعسفي،ولم تتصل بالجمعيات التي حرمت من حق التنظيم،ومن وصولات إيداع ملفات تأسيسها لدى الإدارات المختصة ،ولا الأحزاب والجمعيات التي منعت بواسطة تعسف السلطة ،ولم تتصل بنادي القضاة وجمعياتهم، ولا بجمعية هيأت المحامين ،ولا بالنقابات العمالية التي انتهكت حقوقها، ولا بالجمعيات الحقوقية للصحراويين بمختلف توجهاتهم،ولا بممثلي جمعيات المغاربة المقيمن بالخارج ،وكأن المغرب يتكون بالنسبة إليها ممن قدموا لها في مسرحية من تأليف وإخراج إدارات حقوق الإنسان المخزنية،ونتج عن ذلك استغلال السلطات المختلفة للزيارة وتحويلها الى حملة للدعاية السياسية للحكومة ولهوامشها الحزبية التي قررت تحديد موعد الانتخابات الجماعية في سنة 2015 أثناء زيارة المغرب من طرف هذه السيدة التي افتتحت زيارتها لدى البعض موسم الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، في جانب خطير هو مظاهر التعذيب وقمع الحريات سيؤثر على نتائج الانتخابات الجماعية هذه المرة بقوة، وعلى جهاز السلطة الحقوقية ككل، وقد تودي إلى تشجيع الإفلات من العقاب بالنسبة لمجرمي حقوق الإنسان، وسيكون من نتائجها ترسيخ ضعف الأمل في دور الأمم المتحدة بداخل الدول الكثيرة التي تنتهك فيها حقوق الإنسان إن لم تعد الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى إصلاح برامج مثل هذه الزيارات التي تستعمل سياسيا ضد الشعب، والتي يجب على كل مخلص ومخلصة لحقوق الإنسان المغربي أن يدرسها ويتابعها باهتمام.