الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
فرع الحسيمة
تقرير حول الوفاة الغامضة لكريم لشقر
كرونولوجيا الأحداث :
حوالي الساعة الثالثة فجرا من يوم 27 ماي 2014 أوقف رجال الأمن في سد أمني دائم بمنطقة بوجيبار (مدخل مدينة الحسيمة ) سيارة خفيفة من نوع داسيا على متنها أربعة أشخاص..، وبينما كان رجال الأمن بصدد مطالبة وثائق السيارة والأوراق الثبوتية للأشخاص المرافقين نزل شخص من المقعد الخلفي ودخل في مشاداة مع رجال الأمن ولم يكن هذا المواطن سوى الهالك كريم لشقر الذي يظهر أنه لم يستسغ، على ما يبدو، هذا النوع من السلوكات الروتينية المتبعة في التعامل حتى مع الأشخاص المعروفين لدى الأمن بالحسيمة.
إبان ذلك نودي على عناصر المداومة الذين انتقلوا على الفور إلى عين المكان ، بمجرد ما لمحهم الضحية وهم ينزلون من سيارة الأمن في حالة تأهب صاح أحدهم في وجهه بكلام مسموع “والله ما تفلت دين موك “ حسب رواية أحد الشهود التي أدلى للجمعية بشهادته ثم عممها فيما بعد على عدد من المواقع الالكترونية..وفي دقائق معدودة اقتيد الضحية راجعا بعد أن تعقبه رجال الأمن وهو يقول لأحد أصدقاءه ” أنظر إلي لقد ضربوني ..” ثم أدخل إلى سيارة الأمن مصحوبا بعناصر أمنية في اتجاه مفوضية الشرطة بالحسيمة فيما توجه الباقي : صاحب السيارة والمرافقين الآخرين على متن السيارة من نوع داسيا إلى نفس الوجهة .
في البداية أدخل الضحية لوحده إلى مقر الشرطة وبعد ذلك نودي على صاحب السيارة فيما الآخرون لم يلجوا البتة إلى مكان المفوضية .
هناك بياضات لم تستطع الشهادات المدلى بها ملئها بالنظر لتضاربها وصعوبة تقرير شيء موثوق به حول ما حدث بين فترة دخول الضحية إلى مركز الشرطة ونقله بعد ذلك إلى مستشفى محمد الخامس بالحسيمة .
حوالي الساعة الرابعة والربع نقل الضحية على متن سيارة الوقاية المدنية نحو مستشفى محمد الخامس وأدخل إلى المستعجلات ، عاينته على الفور الطبيبة المداومة التي أكدت أن الضحية جثة هامدة..ورفضت تسليمهم شهادة تثبت أنه فارق الحياة داخل المستشفى ..واستعملت مختلف الطرق للحصول على هذه الشهادة ، وفي لحظة مفاجئة تدخل غسال الأموات بدوره لكي “يناشد” العائلة بالإسراع في غسل الضحية إكراما للميت !
الأفراد الثلاثة المرافقين كانوا في هذه اللحظة في منزل مملوك لسائق السيارة ولم يعاينوا ما وقع بعد أن غادروا مكان مفوضية الشرطة . رغم أن السائق حسب رواية الأمن كان في حالة سكر بين ومع ذلك تم تسريحه دون اعتقاله مما يطرح علامات استفهام حول أسباب إطلاق سراحه بتلك السرعة .
ولما بلغ الأمر إلى أفراد العائلة، انتقل بعض أخوته إلى المستشفى للتأكد من الخبر الذي نزل عليهم كالصاعقة لكون الضحية غادر المنزل ، حسب العائلة ، على الساعة 11 ليلا وهو في حالة صحية عادية ، انتقل بعضهم إلى قسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس ولما هموا بالولوج إليه ،بعد الإدلاء بهويتهم، منعوا من ذلك لأسباب غريبة وغير مفهومة. ليثار السؤال حول نوايا منع العائلة من معاينة أحد أبناءها و هو قد فارق الحياة ، الشيء الذي يبين أن وراء ذلك نية لإخفاء شيء ما عن هذه العائلة المكلومة ، هذا في الوقت الذي يتطلب قانونا في مثل هذه الحالات المناداة على أفراد العائلة بكل استعجال لإشعارها بالواقعة ..وبعد أخذ ورد وتصميم العائلة على الإطلاع عن جثة الضحية استجيب للطلب ودخلوا للمستشفى حيث وجدوا الضحية في مستودع الأموات. وبمجرد إلقاءهم لنظرة على جسده اندهشوا لوجود آثار لجرح غائر على وجهه وكذا عدة رضوض فيما كانت ملابسه ممزقة ..مما دفعهم إلى التقاط صور لمختلف أنحاء جسده وهي شاهدة على كل ما يذهب إليه هذا التقرير .
وكان الفرع قد تابع القضية منذ الصباح الباكر وحاول استطلاع الأمر بالاتصال بعدة جهات لمعرفة تفاصيل القضية ، ولما حصلت القناعة لديه بأن الوفاة تمت في ظروف غامضة سارع لإعلان النبأ وطالب بإجراء تحقيق وتشريح لجثة الضحية لإقرار حقيقة ما حدث .
وحوالي الساعة العاشرة صباحا من يوم 27 ماي 2014 أصدر الفرع بلاغا في الموضوع عمم على عدد من المواقع الإلكترونية بالحسيمة وخارجها وبدأت القضية تشد أنظار الرأي العام ، شيئا فشيئا حامت شكوك قوية حول احتمال تعرض الضحية للضرب كانت سببا مباشرا أو غير مباشر في وفاته .
مساء نفس اليوم تم تسريب تصريحات منسوبة لأمنيين بالحسيمة ينفون أن تكون مفوضية الشرطة قد استقدم إليها الهالك !.
يوم 28 /05/2014 تم تسريب بلاغ ثاني منسوب إلى الأمن يحمل عنوان وزارة الداخلية وغير موقع ، نشرته بسرعة فائقة بعض المواقع الالكترونية بنوايا ضامرة للأشياء ويؤكد ذات البيان : أن الضحية نقل فعلا إلى مفوضية الشرطة ( وهو تراجع واضح عن معطيات البيان الأول ) غير أنه توفي بالمستشفى بينما كانت تقدم له الإسعافات الأولية حسب زعمه ، ما تفنده بالمطلق الطبيبة المداومة التي رفضت الإدلاء بشهادة تثبت حصول الوفاة داخل المستشفى نظرا لكون الضحية لقي حتفه خارجها دون تقدير الوقت الفعلي الذي فارق فيه الحياة .
رغم وجود تضارب في بيانات منسوبة لجهاز حساس وصي على حماية أمن وسلامة المواطنين ، لم تبادر أي جهة لتأكيد أو نفي مضمونه مما يطرح علامات استفهام كبرى حول هذه الواقعة التي تزيد في تعميق الشكوك !
في نفس اليوم زار مكتب فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة عائلة الضحية لتقديم التعازي وفي نفس الوقت للاستماع لشهادتها وشهادة أحد الشهود الذي كان رفقة الضحية والذي أكد أنه أخبره في لحظة القبض عليه من طرف الأمن أنه تعرض للضرب، حدث ذلك بحضور عدد كبير من أفراد عائلة الضحية وكذا محاميها .
وقد قامت الطبيبة بتحرير محضر في الموضوع أبلغته لمندوب الصحة الذي قدمه بدوره للسيد الوكيل العام للملك . وطلبت رخصة إدارية للاستراحة متوجهة نحو مكان إقامة عائلتها خارج إقليم الحسيمة للهروب على ما يبدو من الضغوطات مما جعلها تقفل هاتفها في وجه الجميع ، حيث حاول فرع الجمعية الاتصال بها دون جدوى .
ففي الوقت الذي كانت تتوالى التصريحات المتعاقبة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة وكذا محامي العائلة وأفراد من الشهود ، اتخذ النبأ طابعا وطنيا وبدأت تثار من جديد مدى جدية الدولة في القطع مع التعذيب في أقبيتها ،حدث ذلك في سياق التزامن مع زيارة المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، الشيء الذي أعطى للخبر معنى آخر يعطي الانطباع بأن الدولة تراوغ المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان حول زعم انتفاء حالات التعذيب الممنهج في المراكز الأمنية وأثناء استجواب الموقوفين من طرف الشرطة القضائية .
رغم وجود تقرير طبي وإداري صادر عن مستشفى محمد الخامس بالحسيمة ، سارع الوكيل العام للملك إلى إصدار بلاغ يؤكد فيه أن الوفاة حصلت بالمستشفى ، حدث ذلك مباشرة بعد تلقيه لشكاية من طرف محامي العائلة يطلب منه إجراء تحقيق حول البلاغات المنسوبة للأمن والتي تنفي جملة وتفصيلة أن تكون الوفاة قد حصلت للضحية داخل مفوضية الشرطة . وقرأ ذات البلاغ بأنه رد ضمني على شكاية محامي العائلة ورفضه إجراء أي تحقيق ، علما أن ما يصدر عن الوكيل العام ليس حكما قضائيا وهو لا يعدو أن يكون بيان يترجم قناعة النيابة العامة بناء على تتوفر عليها من معطيات .
من جهتها أصدرت قيادة الوقاية المدنية مذكرة موجهة لمسؤوليها بالحسيمة تحثهم على عدم الإدلاء بمعلومات نقل الضحايا الذين يتكفلون بهم ، وكان رد مباشر على تسريب معلومات حول ظروف نقل الضحية إلى مستشفى محمد الخامس ، فيما رفضت ذات الإدارة إعطاء أي معلومات رسمية للعائلة بعد الطلب الذي تقدمت به بواسطة محاميها .
يوم الخميس 29 ماي 2014 نظمت جنازة مهيبة للضحية مشيا على الأقدام من مسجد غينيا بالحسيمة في اتجاه المقبرة بحي تيغامين التابع للنفود الترابي للجماعة الحضرية للحسيمة على بعد 02 كيلوكترات ونصف تقريبا، وقد رفعت خلالها شعارات تندد “بمقتل” الضحية و”اتهام” صريح للأمن من قبيل : قتلوهم عدموهم ولاد الشعب اخلفوهم ..وكذا شعارات بالريفية تشير إلى مسؤولية ما لرجال الأمن في وفاة الضحية ..
في سياق ذلك كان الوكيل العام قد أصدر أمر لتشريح جثة الضحية في المختبر الشرعي بالدار البيضاء وتوصل بتقرير أولي في الوقت الذي حلت بالمدينة عناصر من الفرقة الوطنية لإجراء تحقيق قضائي في الموضوع .
يوم 01/06/2014 عقدت الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بالحسيمة ندوة صحفية لتسليط الضوء على حيثيات ملف الضحية ، دخل هذا الأخير للمساهمة في الكشف عن حقيقة ملابسات وفاته، وإحساسه بالمسؤولية في الدفاع عن أحد أعضاءه .
يوم 02/06/2014 أنهت عناصر الفرقة الوطنية بحثها وسلم المحضر للسيد الوكيل العام.
يوم 03/06/2014 تقدم محامي العائلة علي جابة وهو أيضا عضو المكتب المسير لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة بطلب الحصول على نسخ من التشريح الطبي وتقرير الفرقة الوطنية .
بعد ساعتين من الانتظار سلم له محضر بالفرنسية للتشريح الطبي فقط كتب على غلافه سري للغاية نظرا لكون الأبحاث ما تزال جارية ، فيما لم يتسلم أي نسخة من محضر الفرقة الوطنية ، مما جعل المحامي يرفض الإدلاء بأي شيء حول مضمون التقرير .
وتسلم نفس المحامي بعد ذلك ملخصا للتشريح الطبي بالنسخة العربية لم يتسنى للفرع الإطلاع على مضمونه ، لكن يبدو أن هناك رغبة في إشاعة أخبار تسبق القرار الذي سيتخذه السيد الوكيل العام في إطار سياسة رجع الصدى .
وقد مر الآن أسبوع كامل على الحادثة دون أن تكشف التحقيقات الجارية عن أي نتيجة معلنة بشكل رسمي .
وقد صرح فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة بأن تشهير سرية ملف التشريح الطبي في وجه المحامي يسعى إلى التضييق على حق الدفاع وخنق تحركاته واستعمال هذا الأسلوب في البحث كسيف ديموقليس مسلط على رقاب كل من حاول النبش في تفاصيله تحت طائلة المتابعة على ما يبدو .
هكذا يستخلص الفرع أنه من غير المعقول أن يستمر البحث في وفاة الضحية كل هذه المدة ، مع العلم أن الوكيل العام يتوفر على معطيات هامة لإعلان النتائج واتخاذ القرار المناسب في شأن مصير الملف ، الشيء الذي يجعله “أي الفرع ” تخامره شكوك قوية أن تكون هناك نية لطي الملف بشكل من الأشكال وحفظه لانعدام أي دليل يقام ضد أي طرف ، واعتبار كل ما يوحي بأنها علامات للضرب تبدو على جسد الضحية لا علاقة له بأي فعل جرمي ، وهو أسلوب اعتدناه في قضايا أخرى كان ضحيتها 05 جثث متفحمة عثر عليها في وكالة بنكية يومي 20 و21 فبراير 2011 وطوي الملف دون أن يعرف الرأي العام والهيئات الحقوقية تفاصيل أخرى . وفي انتظار الكشف عن النتائج النهائية للتحقيقات ونوع القرار الذي سيتخذه السيد الوكيل العام فإن فرع الجمعية سيستمر في المطالبة بالحقيقة إذا لم يقتنع بالنتائج المعلنة .
في 03 يونيو 2014
مكتب الفرع