غياب الأمازيغية في الإنجازات المرحلية للحكومـــــة

 الصافي مومن علي*

الآن بعدما قدم رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران أمام البرلمان بمجلسه، الحصيلة المرحلية لإنجازات حكومته، يمكن القول ان حق الأولوية المقرر للقانون التنظيمي المتعلق  بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وقع انتهاكه، وبالتالي أصبح غير وارد، لأنه حينما خلا عمل الحكومة في النصف الأول من الدورة التشريعية الحالية من إصدار هذا القانون، فإن هذا الحق يكون قد فقد جوهره وامتيازه الإيجابي على اعتبار أن حق الأولوية كما هو معلوم مرتبط أساسا بالبدايات، وليس بالنهايات وأنه بغياب الأمازيغية في الإنجازات الحكومية المرتبة في خانة البدايات ،يستنتج من ذلك ضمنيا، أن الحكومة نقلت تدبير الحقوق والحريات المرتبطة بالأمازيغية، الى النصف الأخير من ولايتها.

بيد أن هذا الأمر يطرح التساؤل القانوني التالي:

هل تملك الحكومة حق نقل الأمازيغية من مستوى البعد الاستراتيجي المرتبط بها دستوريا، والذي فرض تخصيصها بحق الأولوية، وما يترتب عنه من السرعة والاستعجال، الى المستوى العادي البسيط الذي لا يتطلب هذه العناية الخاصة؟

الجواب في اعتقادي هو أن الحكومة لا تملك هذا الحق، من منطلق ان الدول عامة عندما تقوم بترتيب بعض القضايا الحساسة في خانة البعد الاستراتيجي، فذلك معناه أن تلك القضايا تشكل بؤرة توتر خطيرة، من شان إهمالها أو عدم التعامل معها بالحكمة والتبصر اللازمين ، أن يؤدي الى الإخلال بالاستقرار وبالأمن الاجتماعي.

ولعل هذا الامر هو ما ادى بالحكومة في بداية عهدها الى ادراك حساسية القضية الأمازيغية وبعدها الاستراتيجي، مما جعلها في تصريحها الأول الذي أعلنت فيه عن برنامج عملها، تصنف قوانين الأمازيغية ضمن القوانين ذات الطبيعة المهيكلة، متعهدة بإعطائها الأولوية في الإصدار.

غير أن الجواب الحاسم على ذلك التساؤل نجده متضمنا في الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في أكتوبر 2012، مذكرا فيه باعتبار الأمازيغية من ضمن الأوراش التشريعية ذات الأولوية، نظرا لبعدها الاستراتيجي العميق.

إذن إذا كانت هذه المعطيات القانونية والواقعية تفرض أن تكون قوانين الأمازيغية من بين الإنجازات المرحلية للحكومة، فما هو السر في إبعادها عنها، أو بالأحرى ما هو السر في حرمانها من حق الأولوية المكتسب، المخول لها؟

الراجح  في تقديري، أمام مبدأ حسن النية المفترض دوما في الأعمال والتصرفات، أن الحكومة تعاني حتما من صعوبة قانونية، أو مادية، أو هما معا، جعلتها عاجزة عن تنفيد تعهدها السابق رغم أولويته.

 وبالفعل فإن ما يؤكد وجود هذه الصعوبة، عجزها عن الاستجابة للنداءات الكثيفة والمتكررة للحركة الأمازيغية، وللأحزاب السياسية، ولبعض المؤسسات العمومية، كالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وغير ذلك من الجمعيات والفعاليات التي لم يكتف بعضها برفع مطالبها في الندوات وفي البيانات والوقفات الاحتجاجية، وكذا الدعوة الى الحوار المباشر معها ، بل قامت ببلورة هذه المطالب في شكل مشاريع قوانين عملية، ومذكرات اقتراحية.

هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن الدستور تصور قبليا حدوث مثل هذه الصعوبة، ففتح إمكانية تجاوزها، بمقتضى الفصل 78، الذي يخول لكل من رئيس الحكومة، ولأعضاء البرلمان على السواء، حق التقدم باقتراح القوانين، غير أنه مع الأسف الشديد لم يبادر اعضاء البرلمان بدورهم الى تقديم مقترح قانون بشأن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وذلك على الرغم من التوصية الملكية السامية الموجهة اليهم في الخطاب السامي الآنف الذكر، بجعلهم الأمازيغية من ضمن الأوراش التشريعية ذات الأولوية نظرا الى بعدها الاستراتيجي العميق.

وبعد.

لما كانت أبواب كل من البرلمان والحكومة والحالة هذه، موصدة في وجه الأمازيغية فإلى أية جهة دستورية ستتوجه لإنصافها وأخذ حقها؟

هذا السؤال استحضر في ذهني فكرة التحكيم الملكي التي طرحتها الأستاذة أمينة بن الشيخ في مقالتها المنشورة في جريدة أماضال أمازيغ، مقترحة فيها تأسيس لجنة ملكية خاصة لإعداد القانونين التنظيميين الواردين في الفصل الخامس من الدستور المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبتنميتها، وذلك قبل عرضهما على البرلمان لمناقشتهما والمصادقة عليهما.

فهذه الفكرة نظرا لنجاعتها تبنتها الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في البيان الصادر لها في شهر ماي المنصرم، غير أن السيد المحجوبي أحرضان، بحنكته السياسية طورها، محولا إياها من مجرد رأي فرد مستقل، ومن مطلب جمعوي محدود، الى عمل سياسي واسع، وذلك بواسطة رسالته الموجهة الى مؤتمر حزب الحركة الشعبية المنعقد في شهر يونيو الأخير.

والحق أن المؤسسة الملكية تشكل فعلا الجهة الدستورية التي يمكنها أن تملأ الفراغ السياسي الحاصل في معالجة حقوق الأمازيغية وحرياتها، وذلك بعدما ثبت عجز الحكومة والبرلمان عن إيجاد هذا العلاج، غير إن كل الأسباب المؤسس عليها التحكيم الملكي المقترح من طرف الشخصيات والجمعية السابقة، ان كنت اراها معقولة ومقنعة، فإن انتهاك حق الأولوية المقرر للأمازيغية المطروح في هذه المداخلة، يعد سببا خطيرا ينضاف الى تلك الأسباب، التي تبرر التدخل الملكي لإعادة الأمور الى نصابها.

وبالفعل فإن مشروعية هذا التدخل الملكي يؤكدها الفصل 42 من الدستور الذي ينص على ما يلــــــي:

(( …..يسهر الملك على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات …….))

وهكذا طالما كانت الحكومة والبرلمان مؤسستين دستوريتين، وطالما ثبت مساسهما بحق الأولوية المخول للأمازيغية باعتبارها قضية ذات بعد استراتيجي عميق، فإنه بمقتضى الفصل المذكور، يحق للملك باعتباره الساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية ، أن يتدخل لإصلاح خلل سير هاتين المؤسسـتين في الشأن الامازيغي.

ومن جهة أخرى لما كان نفس الفصل ينص كذلك على صيانة الملك لحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وكان المساس بحق الأولوية المقرر لقوانين الأمازيغية يضر حتما بحقوقها وحرياتها، فإنه يحق للملك أن يمارس سلطاته الدستورية لضمان حماية هذه الحقوق.

* محامي بالدار البيضــــــاء

 

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *