المغرب المتأرجح

 

قراءة في تقرير منظمة أمنستي حول التعذيب في المغرب

“اتسم حكم الملك الحسن الثاني ما بين 1956 و 1999، والمعروف ب “سنوات الرصاص”، بالقمع والمعارضة السياسية، وبالاختفاء القسري لمئات الأفراد، والاعتقال التعسفي لألاف غيرهم، وبالاستخدام المنهجي للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. ومع أن حالة حقوق الانسان قد تحسنت إلى حد كبير منذ تولي الملك محمد السادس الحكم، إلا أن منظمة العفو الدولية ما برحت تتلقى تقارير عن وقوع التعذيب…”. كان هذا مقتطف من تصدير لاٌخر تقرير أصدرته منظمة أمنستي حول التعذيب في المغرب، وهو التقرير الذي جاء في سياق انطلاق الحملة العالمية لمناهضة كل أصناف المعاملة القاسية أو سوء المعاملة، تحت شعار: أوقفوا التعذيب. تقرير يضع وضعية حقوق الانسان بالمغرب أمام محك حقيقي، ويساءل التحديات المطروحة أمامه بحدة.

1/ التعذيب بين الحظر القانوني وواقع الممارسة

رغم حظر القانون المغربي للتعذيب وغيره من أصناف وضروب سوء المعاملة أو المعاملة القاسية واللانسانية، فإن الواقع المعاش والفعلي يشهد استمرار وجود حالات التعذيب في المغرب، لاسيما الحالات المتعلقة بالتحقيق أثناء فترات الحبس الاحتياطي أو داخل السجون أو في أماكن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، أو حتى داخل مراكز الاحتجاز السرية، وهي الحالات التي تتعزز في غياب أية متابعة أو مساءلة للجناة وأيضا في ظل وجود “مناخ الافلات من العقاب”، وهو مضمون ما تضمنه التقرير القطري لمنظمة العفو الدولية “حول التعذيب في المغرب والصحراء الغربية”.

من جهة أخرى، يؤكد التقرير المذكور أن وجود “قصور في نظام العدالة” هو ما يسمح بخلق الشروط والمناخ والظروف التي تفضي إلى التعذيب، في مقابل امتناع السلطات عن التحقيق في ادعاءات التعرض للتعذيب، وهو ما يستدعي تعزيز الترسانة القانونية والمؤسساتية لخلق مزيد من التشريعات التي تساهم مكافحة التعذيب بالمغرب.

ورغم إقرار تقرير أمنستي بتحسن حالة حقوق الانسان بالمغرب منذ سنوات التسعينيات من القرن الماضي، عبر اتخاذ عدة تدابير وقرارات، منها تصديق المغرب على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وكذا إنشاء المجلس الوطني لحقوق الانسان والاشتغال على ألية لرصد أماكن الاحتجاز، ثم تجريم القانون المغربي للتعذيب، فإن كل هذه القرارات التي تم اتخاذها والخطوات التي تم نهجها لم تعكس تلبية مقتضيات ومقومات العدالة الانتقالية. إضافة إلى “حديث الحكومة بشكل روتيني عن العدالة التصالحية وليس العدالة الاتهامية، الأمر الذي يُترجم إلى إفلات مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان من العقاب”، وهو ما يسجله التقرير بشكل سلبي، الأمر الذي يطرح سؤال حقيقة واقع حقوق الانسان بالمغرب، لاسيما في ظل توارد عدة تقارير وطنية ودولية حول وضعية حقوق الانسان وحرية التعبير والصحافة ببلادنا، رغم تأكيد وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، خلال لقاء سابق عقده مع الجمعيات والمنظمات الحقوقية على أن مجموعة من الممارسات التي تسجل كخروقات لحقوق الانسان لا ترتبط بأجهزة الدولة، وبالتالي فالسؤال المطروح: من يتحمل مسؤولية هذه الممارسات التي تتناقض وشعار “دولة الحق والقانون”.

2/ نظام قانوني متداع وتقاعس قضائي

من أبرز ما يسجله التقرير المذكور حول وضعية التعذيب بالمغرب، إخفاق السلطات القضائية في حالات وثقتها منظمة العفو الدولية في أن تتعرف عند مواجهتها بتقارير تتعلق بالتعذيب وبغيره من أصناف سوء المعاملة على يد قوات الأمن والعاملين في السجون، وهو ما سبق أن تم التطرق إليه من طرف المقرر الأممي الخاص بالتعذيب، خوان مانديز، خلال زيارته للمغرب، حيث أشار إلى “الغياب الواضح لاجراء تحقيقات سريعة وشاملة في جميع حالات التعذيب وسوء المعاملة ومقاضاة مرتكبيها، وتوفير سبل الانتصاف الفعالة وجبر الضرر”.

وإذا كان تناول التعذيب في المغرب من خلال واقع الممارسة يعكس حقيقة وضع حقوق الانسان، فإن تناول ما يسميه تقرير أمنستي ب “نظام قانوني متداع وتقاعس قضائي” يساءل في واقع الأمر حقيقة ووضع العدالة بالمغرب، في ظل الحديث عن ورش ومشروع إصلاح العدالة واستقلالية القضاء.. الأمر الذي جعل منظمة أمنيستي تؤكد على كون أن الفرصة لتجاوز هذا الواقع تتجلى في ما مدى قدرة مخطط إصلاح النظام القضائي، من خلال “ميثاق إصلاح منظومة العدالة بالمغرب”، قدرته على استئصال شأفة التعذيب وكل أشكال سوء المعاملة في المغرب، وهو ما سبق أن أورد بخصوصه التقرير حالات فردية وجماعية كدراسة لحالات متعددة من أصناف التعذيب أو سوء المعاملة، التي تتغذى في ظل وجود “أوجه القصور في نظام العدالة”، ومن أهمها مناخ الافلات من العقاب.

3/ توصيات من أجل وقف التعذيب

يقر تقرير منظمة العفو الدولية بأن الخطط الراهنة لإعادة هيكلة نظام العدالة في المغرب تشكل فرصة غير مسبوقة للتغيير ولتجاوز الاختلالات المرتبطة بوجود “نظام قانوني متداع”. ومن جملة المداخل والشروط التي تشكل أرضية صلبة تؤسس لخيارات ومقومات “العدالة الانتقالية” ودولة “الحق والقانون”، تطرح أمنستي عدة توصيات تساهم في وقف واستئصال التعذيب.

ويعد توفير الضمانات للمحتجزين أثناء التحقيق معهم، ووضع حد للاعتقال السري، وكذا ضمان فتح تحقيق سريع ومحايد ومستقل في جميع بلاغات التعذيب وضروب سوء المعاملة، من أبرز هذه التوصيات التي تطرحها منظمة العفو الدولية. إضافة إلى ضمان السلطات مقاضاة جميع الأشخاص الذين تتوفر ضدهم أدلة كافية على المسؤولية في التعذيب. مع الاشارة إلى ضرورة إصلاح القانون الجنائي المغربي وتعزيز أليات حماية حقوق الانسان ورصد أماكن الاعتقال والاحتجاز مع استبعاد الافادات التي تشوبها شبهات التعذيب من إجراءات المحاكمة وعدم القبول بهذه “الاعترافات”…

شاهد أيضاً

سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الخامس والأخير)

– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *