راهنات تفعيل ترسيم الأمازيغية على المستوى السياسي والهوياتي

المهدي مالك

مقدمة مطولة

منذ سنة 2000 شعر الفاعل الامازيغي بشعور الأمل والجرأة بحكم انتقال العرش إلى الملك محمد السادس حيث لعل حدث إصدار الأستاذ محمد شفيق لبيانه الشهير من اجل الاعتراف الرسمي بامازيغية المغرب بتاريخ فاتح مارس 2000 قد شكل اعلانا صريحا من امازيغي المغرب عن نيتهم الانخراط الايجابي في العهد الجديد وإنصاف هويتهم الأصيلة داخل مؤسسات الدولة.

غير أنني كنت في ذلك التاريخ بالضبط مجرد مراهق معاق بعيد عن الشأن الامازيغي وبل عن قراءة الكتب مهما كانت بحكم أنني كنت أعيش في متاهات لا نهاية لها مع ايديولوجية التخلف القروي لكنني بالمقابل كنت أحب قراءة الجرائد و مشاهدة الأخبار على تلفزيوننا الوطني لكن بخلفية أي إنسان عادي إلا أن أبي انقدني من متاهات إيديولوجية التخلف القروي التي كادت تقتلني آنذاك وأجبرني على قراءة الكتب مهما كانت حيث أخذت شيئا فشيئا افهم عمق المسالة الامازيغية تاريخيا وسياسيا

وعندما صدر البيان الامازيغي في مارس 2000 حسب ما أتذكره جيدا كان إعلامنا الوطني عموما غارقا في بحور التعريب و التغريب على حد السواء حيث لا احد يذكر الامازيغية إلا من اجل تقديمها على شكل مؤامرة أجنبية أو على شكل فلكلور شعبي حقير في البوادي البعيدة عن مراكز الحضارة العربية الإسلامية كمصطلح إيديولوجي خطير يضع الامازيغيين كلغة و كثقافة و كعلمانية أصيلة خارج شرعيتنا الدينية منذ الاستقلال الشكلي إلى يومنا هذا بسبب إيديولوجية الظهير البربري ….

يمكن القول بكل المسؤولية التاريخية أن الامازيغية لم تحقق أي شيئا ذي قيمة كبرى منذ ترسيمها في دستور 2011 المعطل إلى اجل غير مسمى بحكم أن هذا الدستور ينص على إخراج قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية كما هو معلوم لدى الحركة الامازيغية ببعدها الثقافي وببعدها السياسي حيث من الأحسن حسب اعتقادي المتواضع أن يدبر ملف تفعيل ترسيم الامازيغية من طرف الملكية حسب ما صرح به رئيس الحكومة حيث قال أن ملف الامازيغية في يد جهات عليا ومعه كامل الحق في هذه المرة لان الملكية هي الضامن الوحيد لاستقرار البلاد في محيط يسود فيه مخاطر تنظيمات الإرهاب الوهابي مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام الخ ..

وهي الضامن الوحيد للخيار الديمقراطي في المغرب حيث لسنا بالأصوات التي ترى كل شيء بالسواد في بلادنا منذ 15 سنة الاخيرة حيث أن المغرب حقق مجموعة من التراكمات الايجابية في حقوق الإنسان و في ملف الشأن الامازيغي من خلال تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و ترسيم حرف تيفيناغ كحرف رسمي لتدريس الامازيغية في المدرسة المغربية منذ سنة 2003 وتطوير الإذاعة الامازيغية من خلال زيادة عدد ساعات البث من 12 ساعة قديما الى 16 ساعة حاليا وتطوير برامجها المختلفة باستثناء برامجها الدينية من طبيعة الحال وإنشاء قناة تامزيغت سنة 2010 الخ من هذه التراكمات الايجابية ..

الدخول إلى صلب الموضوع

لكن بالمقابل هناك تراجعات خطيرة سجلت منذ سنوات من قبيل حل الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي من طرف وزارة الداخلية واستمرار الإعلام الوطني في استعمال بعض المصطلحات العنصرية حتى بعد الدستور الحالي من قبيل المغرب العربي والظهير البربري والحصان البربري واستمرار معانات الفنان الامازيغي مع المرض حيث فقدنا هذه السنة الفنان الكبير عبد العزيز الشامخ ومصارعة الفنان الكبير عموري امبارك مع مرض السرطان بصمت رهيب الآن حيث أتساءل أين هي وزارة الثقافة الوصية على القطاع الفني ببلادنا من معانات الفنان الامازيغي؟

ومن جهة أخرى هناك حقل ظل خارج سياق مسلسل إنصاف الامازيغية منذ سنة 2001 إلى الآن إلا و هو الحقل الديني الذي مازال يدبر وقف إيديولوجية الظهير البربري المعادية أصلا لكل ما هو امازيغي حيث قلت في مقدمة كتابي الجديد انني اهدف من خلال هذا الكتاب إلى إظهار أن الامازيغية تتوفر على الشرعية الدينية بحكم أن أغلبية امازيغي المغرب هم مسلمون و الثقافة الامازيغية في مضامينها هي ثقافة إسلامية لكن في طابعها العلماني المغربي من طبيعة الحال غير أن منذ استقلال المغرب قامت السلطة بمحو أية علاقة بين الامازيغية و الإسلام خدمة لإيديولوجية الظهير البربري و خدمة لمشروع الحركة الوطنية القاضي بربطنا دينيا و إيديولوجيا إلى الأبد بالمشرق العربي و بالتالي تحويلنا إلى عرب باستغلال الدين الإسلامي الذي امن به الكثير من الشعوب العجمية مثلنا كالشعب التركي و الشعب الإيراني الخ من هذه الشعوب المسلمة دون الحاجة إلى التعريب أو إلى القراءة السلفية للإسلام

وشرحت طويلا في كتابي هذا الموضوع بشكل صريح حيث قلت أنني ابن هذه الأرض المباركة بناسها و مساجدها التي تركها أجدادنا الامازيغيين شاهدة على تجذر الدين الاسلامي في هذه البلاد بفضل ثقافتها الأصيلة بالدرجة الأولى حيث اعرف مكانة علماء الدين و فقهاءه العظيمة في مجتمعنا المغربي منذ ما يسمى بالفتح الإسلامي إلى يومنا هذا.

غير أن العامة من الناس لا يهتم كثيرا بتوجهات هؤلاء العلماء أو الفقهاء السياسية والإيديولوجية منذ الاستقلال بحكم انتشار الأمية بكل أشكالها وأنواعها تفعيلا لسياسة دولة الاستقلال الهادفة إلى احتكار السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية الخ من هذه السلطات بين أيادي عائلات المدن المعروفة مثل فاس والرباط وسلا فقط..

وأن الخطير في الأمر حيث قد غاب عن ذهن الكثير من الناس سواء العامة منهم أو الخاصة هو احتكار الشرعية الدينية من طرف السلطة و حركتها الوطنية المزعومة عبر القول أن أول دولة أسست في المغرب هي دولة الأدراسة بفاس منذ 12 قرن مما يعني حسب هذه الأكذوبة الأخرى أن المغرب قبل هذا التاريخ ليس له أي ذكر أو حضارة حتى مجيء أحد الهاربين من الدولة العباسية بالمشرق ليؤسس أول دولة إسلامية لم تحقق أي شيء يذكر للإسلام كما حققت دولنا الامازيغية مثل الدولة المرابطية و الدولة الموحدية و الدولة المرينية الخ.

والقول أن الاستعمار الفرنسي قد اصدر ظهيرا بربريا لتنصير الامازيغيين وجعلهم يتحاكمون إلى أعراف جاهلية ما انزل الله من سلطان وبالتالي فالامازيغيين هم دعاة الجاهلية والتنصير بينما عائلات المدن المذكورة هم دعاة الصلاح والتقوى والوطنية الصادقة.

إذن إن الشرعية الدينية تم احتكارها كذلك من طرف السلطة وحركتها الوطنية حيث نحن نعيش في فترة ما بعد حركة 20 فبراير المباركة بفتحها للعديد من الملفات الساخنة ظلت لعقود من الزمان تعتبر في خانة الممنوع من التداول العمومي.

غير أن هذه الملفات طرحت في أيام النقاش العمومي حول الوثيقة الدستورية الحالية حيث لا ينبغي لنا التراجع عن روح النقاش الصريح و المفتوح بدون أية ممنوعات مهما كانت لضمان التقدم و إعادة تأهيل الحقل الديني على أساس هوية هذه الأرض الامازيغية الإسلامية كضرورة جوهرية لان منذ الاستقلال تم صياغة هويتنا الإسلامية وفق حاجات السلطة و حركتها الوطنية عبر مؤشرات عديدة مثل عندما يحل عيد الفطر أو الأضحى يصلي الملك صلاة العيد في مسجد يحمل اسم أهل فاس دائما حيث لا أتذكر قط أن الملك صلى صلاة العيدين في مسجد آخر داخل العاصمة نفسها غير مسجد أهل فاس مما يعني أن الحركة الوطنية خططت جيدا لما بعد الاستقلال بفضل أكذوبتها الظهير البربري التي أصبحت أرضية للحقل الديني الرسمي منذ الاستقلال إلى هذه الساعة..

ومثل تهميش البعد الديني لدى الامازيغيين بشكل فضيع منذ الاستقلال إلى حدود السنوات الأخيرة من اجل إحلال العروبة مكانة التقديس في الشأن الديني الرسمي تحقيقا لمقولة أن المغرب بلد عربي خالص بدون أي منازع.

وبالتالي فالعروبة كما تدعي الحركة الوطنية والحركة الإسلامية فيما بعد هي ضرورية لبقاء و استمرار الإسلام في المغرب بعد الاستقلال لان الاستعمار الفرنسي أراد إحداث فتنة بين الامازيغيين و العرب بسبب ما يسمى بالظهير البربري غير أن الحقيقة ظاهرة للعيان حيث بعد سنة 1956 كان المغرب يطبق القانون الوضعي الفرنسي على كل مناحي الحياة العامة باستثناء الشأن الديني الرسمي و قانون الأحوال الشخصية فأين هي إذن الشرعية التاريخية للحركة الوطنية التي ظهرت فجأة في سياق تاريخي يتميز بمقاومة الامازيغيين الشديدة الاستعمار الفرنسي والاسباني لتطالب بخلع العرف الامازيغي الأصيل في مجموع التراب الوطني بينما بعد الاستقلال أصبحنا نطبق القانون الوضعي الفرنسي.

إذن اعتقد إن راهنات تفعيل ترسيم الامازيغية هي كبرى على المستوى السياسي وعلى المستوى الهوياتي خصوصا إننا نعيش في محيط دولي مصر إصرار تام على محاربة التنظيمات الإرهابية من الجذور حيث أن المغرب قد استقل عن المشرق قرون عديدة حتى استطاع أجدادنا الامازيغيين بناء حضارتهم الامازيغية الإسلامية على أساس احترام التعدد الديني و الاحتكام إلى سلطة العقل الاجتهادي و احترام كرامة المرأة حيث لم يسبق لأجدادنا الكرام أن احتقروا المرأة من خلال بيعها في أسواق النخاسة كما هو الحال بالنسبة للمشرق العربي تحت نظام الخلافة الإسلامية الاستبدادي والبعيد عن نظام الامازيغيين الديمقراطي و العلماني من طبيعة الحال

إذن إن تفعيل ترسيم الامازيغية لن يكون ذو جدوى إلا بمحو إيديولوجية الظهير البربري نهائيا من مقرراتنا الدراسية و من الحقل الديني ثم اعادة تاهيله كما شرحته في كتابي حيث قلت على الحركة الامازيغية أن تدرك جوهرية و حتمية إعادة تأهيل الحقل الديني كمشروع له أهميته الكبرى بعد ترسيم الامازيغية حيث يجب على هويتنا الإسلامية أن تتصالح مع هوية الأرض الامازيغية بحكم أن السلطة إبان الاستقلال قامت بتأطير نخبتنا الدينية و جعلها تعيش في جزيرة بعيدة للغاية عن مفهوم التقدم و عن مفهوم الحضارة الإنسانية بعلومها المفيدة مثل علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم الفن الخ بمعنى أن نخبتنا الدينية لا تخرج عن إطارها السلفي الدخيل علينا.

إن النخبة الدينية لم تستطع استيعاب أهداف خطة إعادة تأهيل الحقل الديني التي حدثت بعد أحداث 16 ماي 2003 مباشرة حيث أنها لم تستطع أن تضيف التغيير المنشود من طرف الحركة الامازيغية وغيرها من الحركات الحقوقية والمدنية .

إن هذا التغيير المنشود لا يهدف أبدا إلى إبعاد الدين الإسلامي عن الحياة العامة أو إلى إلغاءه بصفة نهائية لان المغرب هو بلد مسلم منذ 14 قرن من الاجتهاد ومراعاة الخصوصية الامازيغية بكل أبعادها الثقافية والعلمانية والمؤسساتية حيث يحكم هذه البلاد الملك باعتباره أمير المؤمنين حسب الوثيقة الدستورية الحالية وهو الضامن لوحدتها الثرابية

وإنما يهدف هذا التغيير المنشود إلى إعادة تأهيل الحقل الديني بشكل شمولي على ضوء خطاب 9 مارس التاريخي خصوصا وعلى ضوء الوثيقة الدستورية الحالية عموما لأن الفاعل الامازيغي لا يريد إطلاقا أن يسمع أن إمام أو عالم دين أو أمين عام لحزب إسلامي معين يعتبر أن الامازيغية هي مشروع استعماري تنصيري أو أن يمارس سياسة التحريم ضد كل ما هو امازيغي باسم الدين الحنيف.

إذن على الدولة الآن أكثر من وقت مضى أن تعي مسؤوليتها التاريخية تجاه إعادة تأهيل الحقل الديني من خلال المقترحات التالية.

أولا: تكوين جيل جديد وواعي من العلماء وأئمة المساجد على الاعتزاز بحضارة بلادهم العريقة لمئات القرون و الاعتزاز بحضارتهم الإسلامية التي تركها أجدادنا الأفاضل لنا من أجل أن نتركها بدورنا لأبنائنا و أحفادنا بعد عمر طويل إن شاء الله ..
إن هذا التكوين حسب رأيي المتواضع عليه أن يأخذ بعين الاعتبار ما وصلت إليه الإنسانية جمعاء من التقدم و التطور عوض أن نبقى سجناء للقراءة السلفية للدين الإسلامي
ثانيا: على هذا التأهيل أن يأخذ بعين الاعتبار أن الامازيغية أصبحت لغة رسمية بمعنى أنها تدخل ضمن ثوابت الدولة المغربية و ضمن شرعيتها الدينية حيث من المفروض أن تدرج مادة اللغة الامازيغية في التعليم الأصيل بحروفها العريقة تيفيناغ ليعرف الجيل الجديد من الفقهاء و العلماء الامازيغية لغة و ثقافة و انتماء إلى هذه الأرض العزيزة ..
ثالثا: إدماج موضوع العرف الامازيغي ضمن مقرر التربية الإسلامية و ضمن سياسات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التكوينية والإعلامية والخارجية لتعلم الدول الإسلامية أن العرف الامازيغي لا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية ..
رابعا: إعطاء الأهمية للتراث الامازيغي الإسلامي المادي مثل المعمار الديني المنتشر في بلادنا طولا وعرضا وحذف مصطلحات من قبيل الحضارة العربية الإسلامية أو الحضارة الأندلسية الإسلامية و وضع في مكانها مصطلحات مثل الحضارة الامازيغية الإسلامية باعتبارها صلب الهوية الوطنية.
خامسا: إعطاء الأهمية للفنون الامازيغية الإسلامية مثل فن أحواش و فن الروايس الخ من هذه الفنون عبر إدماج شعرها الديني الغزير في مقرر التربية الإسلامية و التعريف بهذه الفنون عبر وسائل الإعلام السمعية و البصرية
سادسا: تجريم أي تداول لخرافة الظهير البربري في الفضاء الديني او العمومي..
سابعا: تحديث الخطاب الديني..

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *