أمازيغ ليبيا بعد التحرير.. حقوق مرفوضة وحرب مفروضة

خلد الليبيون الذكرى الثالثة لإعلان تحرير ليبيا من قوات النظام السابق، في ظل استمرار الأزمة السياسية والحرب الأهلية التي وجد الأمازيغ أنفسهم في عمقها كطرف سياسي وعسكري، ما جعل موقعهم داخل المعادلة الليبية يتغير في الأشهر الأخيرة عما كان عليها منذ إعلان تحرير ليبيا يوم الأحد 23 أكتوبر 2011، الذي قضوا السنوات التي تلته وهم ينظمون احتجاجات واعتصامات وملتقيات من اجل حقوقهم اللغوية والثقافية، كما قاطعوا كل الإنتخابات النيابية وانتخابات هيأة هيأة الدستور لذات الهدف، غير أن المؤتمر الوطني الليبي ومختلف الحكومات التي تعاقلبت على ليبيا ما بعد الثورة رفضت كليا الإستجابة لمطالب الأمازيغ وتمسكت بعروبة ليبيا، غير أن ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ 16 ماي 2014 على الساحة الليبية بقوة معلنا عملية عسكرية سماها بكرامة ليبيا، وإعلان أطراف ليبية أخرى ضمنها الأمازيغ عن انضمامها لعملية مقابلة لحفتر سميت فجر ليبيا” بتاريخ 13 يوليوز 2014، غير من موقع الأمازيغ وأعاد كثيرا من المعادلات السياسية التي كانت سائدة طوال حوالي ثلاث سنوات منذ إسقاط نظام القذافي إلى الصفر.

مطالب أمازيغ ليبيا بعد التحرير:

منذ نهاية سنة 2011 وإلى حدود بداية الحرب الأهلية ظل الأمازيغ في ليبيا يحتجون وينظمون ملتقيات ولقاءات من أجل حقوقهم اللغوية والثقافية، سواء بالمدن والمناطق الأمازيغية، أو في العاصمة الليبية طرابلس نفسها، وقد لخص بيان ملتقى الاستحقاق الدستوري لأمازيغ ليبيا الذي عقد بداية في رأس السنة الأمازيغية شهر يناير 2013 أهم مطالبهم.

ملتقى الاستحقاق الدستوري بالعاصمة طرابلس، نظمته المجالس المحلية لمدن أمازيغ ليبيا يوم 12 يناير 2013، وأعلنوا في ختامه عن تأسيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا كجسم يعنى بالشؤون السياسية للأمازيغ كما طالبوا بما يلي:

أولا: أن تتضمن ديباجة الدستور، النص على أن الدستور يستجيب لروح الثورة الليبية، وأنه يهدف إلى نقل البلاد من دولة الإقصاء والتهميش، إلى دولة المساواة بين المواطنين، في كافة الحقوق والواجبات، دولة الديمقراطية الحقة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي يجسدها شعار “من أجل دستور ديمقراطي شكلاً ومضمونا في ليبيا”.

ثانيا: النص على أن الهوية الليبية هي هوية دولة ليبيا، بعمقها الأمازيغي العريق، وكل روافدها الحضارية والثقافية المتعاقبة، مع الالتزام بإبراز معالم هذه الهوية، في كل شعارات الدولة ورموزها السيادية : كالعلم ، والنشيد الوطني، العملة، وثائق ثبوت الهوية، طوابع البريد، مناهج التعليم، الإعلام ، الخ…

ثالثا: النص على أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية لليبيا، وأنها متساوية مع غيرها من اللغات الرسمية في قيمتها لدى جميع الليبيين.

رابعا: النص على ضرورة وضع قانون تنظيمي، يحدد كيفية إدراج اللغة الامازيغية في مجالات الحياة العامة بالدولة الليبية، لضمان الحماية القانونية، لتفعيل اللغة الأمازيغية كلغة رسمية.

خامسا: رد الاعتبار للمذهب الإباضي، بإقرار الحق في ممارسته تشريعا وإفتاء، وشعائراً وعلمياً وإعلامياً.

وأكدت المجالس المحلية للمدن الأمازيغية المنظمة لملتقى الاستحقاق الدستوري، أنهم جهاراً وبدون مواربة أو محاباة يعلنون بأن الدستور الذي سيكون محل اعتراف وتقدير من قبلهم هو الدستور الذي يعترف بهم وكل الليبيين على قدم المساواة، يحمونه ويحميهم، ويذودون عنه بأرواحهم، وأن الدستور الذي يكون خلاف ذلك لن يكون محل اعتراف من قبل الأمازيغ، ولن تكون له شرعية عليهم، ولن تمثلهم أي مؤسسات سيادية تبنى عليه، ولن يمتثلوا لأي سلطات تستند إليه.

 أمازيغ ليبيا في مواجهة محاولات الإقصاء ورفض إقرار حقوقهم اللغوية والثقافية:

مطالب أمازيغ ليبيا قوبلت بالرفض عمليا من قبل مختلف الأطراف الليبية التي قاسموها الثورة ضد نظام القذافي، والتي ظهر أنها تملك تصورا خاصا بها لدولة ليبيا ما بعد القذافي سعت لفرضه بكل الوسائل السياسية الممكنة، ولعل فشل تلك الأطراف في فرض تصورها ذاك سياسيا هو ما جعلها تنتقل للوسائل العسكرية التي أدت إلى حرب أهلية لا زالت مستمرة.

أمازيغ ليبيا الذين صدموا برفض حقوقهم بعد كل الآمال التي حملتها الثورة ردوا على عدم الاستجابة لمطالبهم والتنكر لحقوقهم بالدخول في خطوات تصعيدية سلمية، بدأت بالاحتجاج الذي شمل تنظيم مظاهرات ومسيرات ووقفات إلى جانب توقيف أنابيب وآبار النفط والغاز وموانئ التصدير التي تتواجد بالمناطق والمدن الأمازيغية التي يسيطر عليها الأمازيغ سياسيا وعسكريا منذ تحرير ليبيا، كما قام الأمازيغ لنفس الأسباب بسحب أعضائهم في المؤتمر الوطني، وأعلنوا مقاطعة انتخابات الهيأة التأسيسة لصياغة الدستور والانسحاب منها، وفي هذا الإطار أصدر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، والتجمع الوطني التباوي، والمجلس الأعلى للطوارق في ليبيا، بيانا مشتركا في شهر يوليوز 2013، أعلنوا فيه أنه بسبب إصرار المؤتمر الوطني الليبي بدون مبرر مقنع على رفض صيغة التوافق، فيما يتعلق بالمواد التي تمس المكونات اللغوية والثقافية، وحدد خمس مواد في الدستور وهي (اسم الدولة، نشيد الدولة، وهوية، ولغة الدولة)، وصوت بنظام الأغلبية، دون مراعاة خصوصيات المكونات اللغوية والثقافية بليبيا، والتي تنص كل المواثيق والعهود الدولية عن عدم خضوعها للتصويت بنظام الأغلبية، كما أن إجراءات صياغة الدساتير الناجحة والمعبرة عن إرادة الشعوب اليوم في العالم، تتخذ من نهج التوافق أساس صياغتها، بينما فشلت كل الدساتير التي صيغت بنظام الأغلبية في المجتمعات المتعددة الأطياف.
وإزاء سلوك هذا النهج الذي يظهر بشكل واضح بأن صياغة الدستور الليبي التي ستتم على أساس الأغلبية، وليس على أساس التوافق، ما سينتج عنه حرمان المكونات اللغوية والثقافية بليبيا من حقوقها، وتمثيلها في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بشكل شكلي وليس حقيقي أو فعلي، ونزولا عند رغبة مكونات الشعب الليبي والمتمثلة في المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، التجمع الوطني التباوي، والمجلس الأعلى للطوارق عليه، أعلن الأمازيغ وحلفائهم حينها عن مقاطعة الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي ترشحا وانتخابا، وتعليق عضوية أعضاء المؤتمر الوطني من الأمازيغ والتبو والطوارق، مع دعوة المؤتمر الوطني إلى تطبيق النصوص المنصوص عليها في المواثيق الدولية بخصوص الأقليات، ولم يكتفي الأمازيغ حينها بذلك بل أعطوا مع حلفائهم من الطوارق والتبو الذي لاقوا نفس التنكر ما بعد الثورة، مهلة  للمؤتمر الوطني العام إلى مساء الثلاثاء الموافق 23 يوليوز 2013، لتعديل الإعلان الدستوري، وإن رفض فسيدخل الأمازيغ والتبو والطوارق في عصيان مدني وعلى المؤتمر الوطني تحمل النتائج التي تؤول إليه الأوضاع بعد ذلك.

وبالفعل رفض المؤتمر الوطني الليبي مطالب الأمازيغ والتبو والطوارق حينها ما جعلهم يدخلون في عصيان مدني توزع بين المسيرات والوقفات الإحتجاجية، بالإضافة للاعتصامات وإغلاق حقول وأنابيب النفط والغاز جنوب وغرب ليبيا، وكذا إغلاق ميناء مجمع مليتة للنفط والغاز الواقع بالقرب من مدينة زوارة الساحلية، وتوقيف صادرات ليبيا نحو الخارج خاصة إيطاليا، واستمر التصعيد الأمازيغي لأشهر من دون أي استجابة من طرف المؤتمر الوطني الليبي والحكومة المؤقتة حينها لمطالبهم.

وحرصا على ما اعتبروه بعد ذلك المصلحة العليا لليبيا قرر الأمازيغ في منتصف نونبر من سنة 2013 توقيف عصيانهم المدني، وذلك عقب مواجهات دامية في طرابلس أسفرت عن عشرات القتلى ومئات الجرحى، بعد خروج مظاهرة يوم 15 نونبر 2013، طالبت بإخراج المليشيات المسلحة من العاصمة، لكن الأمور تطورت لإطلاق نار من قبل إحدى الميليشيات في اتجاه المتظاهرين.

الأمازيغ في (أس نتكركاس).. مشروع برلمان وتنسيقية للثوار ردا على المكون العربي

عقب تجاهل مطالب أمازيغ ليبيا لأشهر طويلة، وبعد أن تم تحديد تاريخ عشرين فبراير 2014 كموعد لانطلاق انتخابات الهيأة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، رغم مقاطعة الأمازيغ والطوارق والتبو، قام المؤتمر الليبي يوم الأحد 16 فبراير2014، بالإعلان عن اتفاقه بمائة وخمسين عضوا على تعديل الإعلان الدستوري، بما يضمن حسبه  حقوق المكونات اللغوية والثقافية الليبية، لكن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا رفض مبادرة المؤتمر الوطني العام المتمثلة في تعديل المادة ثلاثين من الإعلان الدستوري، وأكد أن النص موضوع التصويت ليس لديه علاقة بمطالب الأمازيغ ولا يعدو كونه مناورة مرفوضة من قبله، كما أعلن عن اجتماع لثوار المدن الأمازيغية، في مدينة زوارة في اليوم المحدد لإنتخاب هيأة صياغة الدستور، التي قاطعها الأمازيغ ترشحا وانتخابا وأصدروا بيانا اعتبروا فيه موعد إجرائها يوما أسودا في تاريخ ليبيا، ويوم حداد رسمي في المناطق الناطقة بالأمازيغية تنكس فيه الأعلام وتعلن فيه شعارات الحداد، وسموه بــ (آس ن تكركاس) أو يوم الأكاذيب.

إلى جانب ذلك وبناءً على إعلانهم السابق في ملتقى الإستحقاق الدستوري لأمازيغ ليبيا، أكد الأمازيغ مجددا على عدم اعترافهم بالدستور الليبي الذي سينتج عن الهيئة التأسيسية وأنهم ملتزمون بشعار (لن نعترف بمن لا يعترف بنا)، ووجهوا الدعوة للمواطنين الأمازيغ للخروج والتظاهر السلمي ضد انتخابات هيأة صياغة الدستور التي تجاهلت وجودهم في الوطن، في يوم أسود سيكون بداية صدع سياسي وإجتماعي ونقطة تحول في آليات العمل السياسي الأمازيغي، إذ أن إعلان الرفض الواضح للأمازيغ كشريك حقيقي أو جزء أساسي من أجزاء الوطن، سيفرض عليهم حسب بيان رسمي للأمازيغ البدأ في معاملة الآخر بالمثل، وفي هذا الإطار أعلنوا عن اعتماد المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا لمشروع برلمان أمازيغي للمناطق الناطقة بالأمازيغية، سيكون وريثاً شرعيا ومنتخباً للمجلس الأعلى في المرحلة القادمة، كما أعلن أمازيغ ليبيا عن تشكيل تنسيقية لثوار المدن الناطقة بالأمازيغية للتواصل فيما بينهم، و أكدوا على أن مطلب الأمازيغ في ترسيم لغتهم، لا تنازل عنه، كما أن حق تقرير المصير يعتبر من الخيارات المطروحة في حال ما استمر مسلسل التهميش والتجاهل لحقوق الأمازيغ من قبل المكون العربي.

وفي محاولة منه لتجاوز المقاطعة الأمازيغية الشاملة لانتخابات هيأة صياغة الدستور أعلن المؤتمر الوطني الليبي العام عن فتح الباب مرة أخرى أمام الأمازيغ للانضمام للجنة الدستور، عبر اتخاذ قرار بإجراء انتخابات تكميلية في مناطقهم شهر أبريل 2014، لكن الأمازيغ قاطعوا مجددا الانتخابات التكميلية لهيأة صياغة الدستور في غياب أي ضمانات حول إقرار حقوقهم اللغوية والثقافية كما وردت في بيان ملتقى الإستحقاق الدستوري لأمازيغ ليبيا.

مقترح رسمي لدستور ما بعد الثورة يقصي الأمازيغية

نظرة بقية الأطراف الليبية الرافضة لحقوق الأمازيغ يمكن فهمها باستحضار المقترح الدستوري الاسترشادي الذي نشره المؤتمر الوطني الليبي تزامنا مع انتخاب هيأة صياغة الدستور، وأنجزه فريق عمل استشاري شكل لذلك الغرض، ويقصي في مضمونه جملة وتفصيلا التعدد الثقافي واللغوي بليبيا، كما لم يذكر بأي شكل الأمازيغية، إذ ورد في “الباب الأول”، “المادة الأولى”، أن ليبيا دولة عربية، وحدتها لا تتجزأ، ديمقراطية لا مركزية، ذات سيادة وتسمى الجمهورية العربية الليبية.

وفي المادة الثانية جاء أن “اللغة العربية لغة الدولة الرسمية، وتعمل الدولة على حماية وتطوير الحقوق اللغوية لمكونات المجتمع الليبي كافة”. أما في المادة الرابعة فقد ورد أن “الجمهورية العربية الليبية، جزء لا يتجزأ من العالم العربي والإسلامي، والقارة الإفريقية وحوض البحر الأبيض المتوسط“.

وتتجلى قيمة وخطورة ما قامت لجنة المؤتمر الوطني بصياغته في كون فريق العمل الذي أعد مشروع المقترح سالف الذكر والذي يضم ستة وعشرين عضوا، هو نفسه فريق العمل الذي أوكلت إليه مهمة إعداد قانون انتخاب الهيأة التأسيسية التي ستضع مشروع الدستور الليبي، كما كلف نفس الفريق باقتراح المعايير التي ينبغي توفرها في المرشحين لعضوية ذات الهيأة. مع استحضار كون لجنة صياغة الدستور الليبي ستستند في إعدادها لمشروع الدستور الليبي الذي سيعرض على الاستفتاء على المقترح السالف الذكر.

 أمازيغ ليبيا يقاطعون انتخابات مجلس النواب

بعد مقاطعة إنتخابات هياة صياغة الدستور الليبي وفي ظل عدم الإستجابة لمطالبهم قرر الأمازيغ مواصلة التصعيد من أجل مطالبهم وذلك بإعلانهم عن مقاطعة إنتخابات مجلس النواب الليبي.

وفي بيان صادر عن الملتقى الثاني للفعاليات الأمازيغية بزوارة في ليبيا  بتاريخ العاشر من شهر ماي 2014، حمل توقيع تنسيقية توماست لمؤسسات المجتمع المدني ونشطاء ومهتمين بالشأن الأمازيغي، أعلن هؤلاء عن مقاطعتهم لإنتخابات مجلس النواب الليبي في حالة لم تتم الإستجابة لمطالبهم، ودعوا المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا إلى تبني قرارهم وطالبوه توجيه الدعوة لتشكيل برلمان أمازيغي.

 أمازيغ ليبيا أكدوا من زوارة أنه وفي إطار المراحل الانتقالية التي تمر بها البلاد والتي شهدوا فيها إقصاء معلنا للاستحقاق الأمازيغي بداية بالمجلس الانتقالي والإعلان الدستوري الصادر عنه، ومرورا بالمؤتمر العام الذي بارك وعمل على استمرار هذا الإقصاء برفضه لتأسيس دستور توافقي يقوم على أساس التعددية، ونهاية بانعقاد الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في ظل تجاهل تام للمكون الأمازيغي.

وبعد إقرار المرحلة التكميلية للسلطة التشريعية الثالثة تحت مسمى (مجلس النواب) من قبل المؤتمر العام، وتواصلا مع مشوار الحراك السلمي المدني المتحضر. عملت تنسيقية توماست على الإعداد لملتقيات استثنائية للنقاش حول هذا انتخابات مجلس النواب الليبي في ظل التجاهل الذي يطال الاستحقاق الأمازيغي.

وبناء على النتائج التي خلص إليها الملتقى الأول للفعاليات الأمازيغية بمدينة نالوت بتاريخ 03 ماي 2014، والذي أكد من خلاله الحاضرين على عدم المشاركة في (مجلس النواب) إلا في حال تحقيق التعديل الذي طالب به الأمازيغ فيما يخص المادة “ثلاثين” من الإعلان الدستوري والذي يتمثل في ضرورة اعتماد آلية التوافق لعمل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بدل التصويت حسب النص المقدم من قبل المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا.

وفي نظرا لما سبق أعلن أمازيغ ليبيا عن قرارهم بمقاطعة انتخابات مجلس النواب الليبي مادامت لم تتحقق مطالبهم، التي تتمثل بالإضافة لتعديل المادة 30 من الإعلان الدستوري، في مضاعفة عدد أعضاء المناطق الناطقة بالأمازيغية في مجلس النواب وتخصيص أعضاء للمناطق التي لم تتحصل على عضوية، على أن يكون لكل دائرة انتخابية من الدوائر التي تضم المناطق الناطقة بالأمازيغية عضو خاص بالمكون الأمازيغي وعضو للتنافس العام كحد أدنى.

ودعا أمازيغ ليبيا المجتمعين بزوارة، المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا إلى تبني وإعلان هذا القرار، وأن يعمل على الدعوى لتأسيس برلمان أمازيغي.

بدوره أعلن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة الليبية طرابلس يوم الأحد 18 ماي 2014، أنه مع استمرار إصرار المؤتمر الوطني الليبي العام على إتباع سياسة التهميش والإقصاء لمطالب وحقوق الأمازيغ، ومضيه نحو تأسيس وصياغة الدستور الليبي الجديد عبر ما يسمى بلجنة الستين اعتمادا على منطق الأغلبية والمغالبة، بعيدا عن أسس التوافق الديمقراطي والتعددية والمشاركة الفعلية لكل مكونات الشعب الليبي في تأسيس دولة ليبيا الحديثة، دون الاستجابة والالتفاف على مطالب الأمازيغ من ضمنها تعديل المادة ثلاثين من الإعلان الدستوري المؤقت.

وحيث أن مجلس النواب الليبي المرتقب هو من مفرجات المؤتمر الوطني العام بذات منهجية الإقصاء والتهميش واستجابة لرغبة وإلحاح الشارع الأمازيغي وإصراره على استمرار المقاطعة السياسية للأجسام التي لا تمثله حقيقة، وتأسيا على البيان الختامي لملتقى الاستحقاق الدستوري بتاريخ 12 يناير 2012، واستنادا إلى ما توصلت إليه ملتقيات الفعاليات والحراك الأمازيغي بمختلف المناطق الأمازيغية والتي دعت إليها تنسيقية توماست لمؤسسات المجتمع الأمازيغي وضمنها الملتقى الأول للفعاليات الأمازيغية بنالوت، والملتقى الثاني لذات الفعاليات بزوارة، واستنادا إلى بيان مؤسسات المجتمع المدني بمدينة كاباو، وما خلصت إليه اجتماعات أهالي ومؤسسات المجتمع المدني الأمازيغي بكل من زوارة والقلعة ويفرن وكاباو وجادو، وهي لقاءات عقدت كلها في شهر ماي 2014.

بناء ما سلف ذكره أعلن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا مقاطعة الأمازيغ لانتخابات مجلس النواب ترشيحا وانتخابا، مع استمرار المقاطعة إلى حين تلبية مطالبهم،وحمل المؤتمر الوطني العام المسؤولية التاريخية أمام الشعب الليبي جراء تعنته وإصراره على تهميش وإقصاء مطالب وحقوق الأمازيغ.

 وهكذا أجريت يوم الأربعاء 25 يونيو 2014 انتخابات مجلس النواب الليبي في ظل مقاطعة أمازيغ ليبيا لها، ورغم مشاركة أمازيغ نالوت في ذات الانتخابات بقي البرلمان الجديد فاقدا للشرعية لدى الأمازيغ عامة، قبل أن يفقدها كليا لدى أطراف واسعة في ليبيا على خلفية عدم احترامه للإعلان الدستوري الليبي فيما يتعلق بمكان وكيفية تسليم وتسلم السلطات بينه وين المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته.

الأمازيغ في عمق السياسية والحرب الأهلية

عقب انتخاب مجلس النواب  ومسارعة عدد من النواب لعقد أولى جلساتهم في مدينة طبرق بدل مدينة بنغازي، مخالفين ما جاء في الإعلان الدستوري الليبي الذي منح رئاسة المؤتمر الوطني المنتهية ولايته صلاحيات تحديد مكان وزمان انعقاد جلسة تسليم السلطات للبرلمان الجديد، عاد المؤتمر الوطني الليبي بسبب رفضه لما ما اعتبره مخالفة أعضاء مجلس النواب المنتخبين حديثا للإعلان الدستوري الليبي إلى عقد جلساته بالعاصمة طرابلس، كما عين لاحقا عمر الحاسي رئيسا لحكومة إنقاذ وطني، ورفض الاعتراف بشرعية مجلس النواب الليبي وهو الرفض الذي تتبناه كذلك الكتائب والتشكيلات المسلحة التي تقاتل تحت لواء فجر ليبيا التي تضم الأمازيغ.

وردا على ذلك اعتبر مجلس النواب الليبي المنتخب حديثا الذي يعقد جلساته بمدينة طبرق في غياب العديد من أعضائه، المؤتمر الوطني المنتهية ولايته وحكومته غير شرعيين ودعا المجتمع الدولي إلى عدم التعامل معهما بأي حال من الأحوال، كما كلف يوم الأحد 28 شتنبر عبد الله الثني بتشكيل الحكومة ما زاد من حدة الانقسام داخل ليبيا، التي صارت تدار بواسطة برلمانيين وحكومتين تتنازعان الشرعية، وتدعم إحداهما عملية فجر ليبيا بينما الأخرى تدعم عملية الكرامة.

وبذلك دخلت ليبيا نفق أزمة سياسية مستعصية إلى جانب الحرب العسكرية الأهلية التي وصلت إلى أقصى مداها بعد حوالي شهرين من إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر الحرب ضد ما وصفه بالإرهاب، إذ أعلنت أطراف ليبية عن عملية “فجر ليبيا” بتاريخ 13 يوليوز 2014 في مواجهته، معلنة الحرب ضد ما وصفته بالإنقلاب على الشرعية ومن أجل حماية ثورة السابع عشر من فبراير، وضمت فجر ليبيا ثوار المدن الأمازيغية وكتائب عسكرية من غرب ليبيا وشرقها.

وهكذا صار الوضع في ليبيا منقسم سياسيا وعسكريا بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر المساند رسميا من قبل مجلس النواب الليبي الذي يجتمع في طبرق وحكومته من جهة، ومن جهة ثانية المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته وحكومته المساندين لعملية فجر ليبيا التي تضم الثوار الأمازيغ وتلقى مساندة سياسية من قبلهم، كما استطاعت تحقيق تقدم عسكري على القوات المساندة لحفتر بعد تمكنها من تحرير مطار طرابلس من قبضتها، قبل أن تنتقل المعارك إلى مشارف جبل نفوسة حيث تتواجد غالبية المدن الأمازيغية.

ومنذ أزيد من شهر تستمر المواجهات على مشارف مدينة ككلة بين ثوار المدن الأمازيغية المساندين من كتائب فجر ليبيا، وقوات الصواعق والقعقاع التابعة للمجلس العسكري الزنتان وجيش القبائل المساندين للواء حفتر بعد محاولة هذه الأخيرة اقتحام مدن جبل نفوسة عقب خسارتها لمعركة مطار طرابلس.

نصر سياسي صغير للأمازيغ وحل دولي مؤجل

وفي ظل غياب أي حسم عسكري حاسم سواء في غرب ليبيا أو شرقها استطاع الأمازيغ وحلفائهم انتزاع نصر سياسي كبير بعد أن قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية يوم الخميس 06 نونبر 2014، بقبول الطعن المتعلق بعدم شرعية دستورية الانتخابات التي انبثق عنها مجلس النواب الليبي الذي يعقد جلساته في طبرق، وبعدم دستورية مقترحات (لجنة فبراير) التي شكلها المؤتمر الوطني العام والتي أعدت القانون المنظم للانتخابات البرلمانية الأخيرة في ليبيا، وبالتالي ووفق المحكمة الليبية العليا فمجلس النواب الحالي يصبح منحلا، وكل ما اتخذه من قرارات تشمل تشكيل الحكومة والإعلان عن انتخابات رئاسية.

وفي ظل رفض مجلس النواب الليبي وحكومته قرار حله يبقى الأمل معلقا من أجل وضع حد للحرب العسكرية والأزمة السياسية على مبادرات الأمم المتحدة وبقية الأطراف الدولية، من أجل إطلاق حوار شامل بين كافة الفرقاء الليبين لإعادة إطلاق العملية السياسية وفق مسار صحيح ووضع حد للحرب الأهلية التي تهدد ليبيا خاصة مع التدخل السلبي لبعض الدول في الشأن الليبي ودعمها لطرف ضد آخر.

 جريدة العالم الأمازيغي (العدد 168).

 

اقرأ أيضا

تم الاتفاق على تجاوز حالة “الجمود السياسي”.. بوزنيقة تحتضن أشغال الحوار الليبي – الليبي

انطلقت الأربعاء، ببوزنيقة، أشغال الحوار الليبي – الليبي بين أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *