التغيرات الكبرى في نسخة 2014 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة

ورد في تقرير منظمة صحافيين بلا حدود المعنون بالتغيرات الكبرى في نسخة 2014، من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، بخصوص المغرب أنه أظهرت قضية علي أنوزلا أن السلطات المغربية باتت تخلط بين “الصحافة” و”الإرهاب”، مما حكم على هذا البلد بالبقاء في المرتبة 136.

هذا وتُبرز نسخة عام 2014 من “التصنيف العالمي لحرية الصحافة” ما تحمله الصراعات في طياتها من آثار سلبية على حرية الإعلام والفاعلين في هذا القطاع. كما تراجعت بعض البلدان في سلم الترتيب بسبب تأويل سلطاتها بشكل مفرط وفضفاض لمفهوم حماية الأمن القومي على حساب الحق في الإخبار وتلقي المعلومات، نظراً لما ينطوي عليه هذا الاتجاه من خطر متزايد بشكل عام، وتهديد لحرية الإعلام حتى في قلب “دول الحق والقانون”.

– النزاعات المسلحة، عامل حاسم في التراجع:

يسلط ترتيب 2014 الضوء على الترابط السلبي بين حرية الإعلام والصراعات – جارية كانت أو غير معلنة. ففي سياق يطغى عليه عدم الاستقرار، تصبح وسائل الإعلام مستهدفة على نحو استراتيجي من قبل الجماعات أو الأفراد الذين يحاولون فرض رقابة على كل من يسعى إلى نشر المعلومات، وذلك في انتهاك فاضح للضمانات التي تقدمها المواثيق الدولية، ولاسيما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لعام 1977.

– تقويض الإعلام تحت ذريعة حماية الأمن الوطني وضرورة المراقبة:

لا يمكن اعتبار دول “سيادة القانون” مثالاً يقتدى به في هذا الباب… بل على العكس من ذلك تماماً. ففي كثير من الأحيان تُضحي السلطات بحرية الإعلام لتبقي الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام كل تأويل فضفاض لمفهوم الأمن القومي، مما يمهد الطريق نحو تراجع مثير للقلق فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية، حيث تواجه الصحافة الاستقصائية صعوبات جمة في بعض الأحيان كما هو الحال في الولايات المتحدة (46)، التي فقدت 13 مرتبة في التصنيف العالمي، مسجلة بذلك أحد أكبر التراجعات وأكثرها إثارة للانتباه في سياق يتميز بملاحقة شرسة لمصادر المعلومات ومتابعة أشرس لكاشفي الفساد. فإدانة الجندي برادلي مانينغ أو مطاردة موظف وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن تشكلان تحذيراً شديد اللهجة لكل من ينوي تسريب ونشر معلومات حساسة حتى وإن كانت تستأثر باهتمام واسع في أوساط الرأي العام.

كما لا تتردد بعض الحكومات في اللجوء إلى ورقة “مكافحة الإرهاب” لاتهام الصحفيين بـ”تهديد الأمن القومي”. ففي تركيا (154 +1) يقبع عشرات الفاعلين الإعلاميين في السجون تحت هذه الذريعة، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بتغطية القضية الكردية، بينما أظهرت قضية علي أنوزلا أن السلطات المغربية باتت تخلط بين “الصحافة” و”الإرهاب”، مما حكم على هذا البلد بالبقاء في المرتبة 136.

– خصخصة العنف:

في عدد من البلدان، تكون الجماعات الأهلية غير الحكومية هي مصدر التهديد الرئيسي لأمن الصحفيين. فالميليشيات التي تعمل على استتباب الفوضى في ليبيا الجديدة (137، -5) أو الجماعات اليمنية المسلحة ذات الصلة بتنظيم القاعدة هي المرآة التي تعكس خصخصة العنف على هذا النحو. ويؤكد المؤشر السنوي لحرية الصحافة، الذي أُطلق عام 2013، تراجعاً مهولاً في حق الإبلاغ والحصول على الأخبار، على المستوى العالمي، حيث ارتفع المؤشر من 3395 إلى 3456 نقطة (+61)، أي بزيادة قدرها 1.8% مما يعكس تدهوراً طفيفاً على صعيد حرية الإعلام بين نسختي 2013 و2014 من التصنيف العالمي.

المؤشرات المستخدمة في إعداد هذا التصنيف:

– التعددية، أي مدى تمثيل مختلف وجهات النظر في وسائل الإعلام؛
– استقلالية وسائل الإعلام هذه عن مختلف السلطات السياسية والاقتصادية والدينية والعسكرية؛
– نوعية الإطار القانوني الذي يحكم الأنشطة الإعلامية؛
– شفافية المؤسسات التي تحكم هذه الأنشطة؛
– البنى التحتية التي تستند إليها؛
– المناخ العام الذي تمارَس فيه حرية الإعلام.

يُعتبر هذا المؤشر أداة تحليلية للأداء العام في كل بلد من البلدان التي يشملها الاستقصاء، الذي كانت نتيجته واضحة بشكل لا غبار عليه: ففي المنحنى البياني الخاص بالمناطق، يُظهر المؤشر أن الوضع متدهور في كل القارات باستثناء آسيا حيث يميل إلى الاستقرار. وعلى غرار العام الماضي، حقق الاتحاد الأوروبي ومنطقة البلقان أعلى درجة (17.6)، متبوعين بالأمريكتين (30.3) وأفريقيا (35.6) ثم آسيا والمحيط الهادئ (42.2) وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى (45.5)، في حين تتذيل منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط هذا الترتيب بمؤشر يبلغ 48.7.

– أبرز التراجعات

على الصعيد الأفريقي، سجلت مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى أكبر تراجع بسبب حالات الصراع المذكورة أعلاه. وفي بوروندي، سنَّ مجلس الشيوخ قانوناً مقيداً لحريات الصحفيين بينما بدأت الحملة الانتخابية الرئاسية تلوح في الأفق. ومن جهتها، شهدت كينيا (90، -18)، موجة انتقادات عارمة ضد السلطات التي تعاملت بقمع شديد مع التغطية الإعلامية لهجوم ويست جيت، علاوة على الخطوات الخطيرة التي اتخذها البرلمان في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها اعتماد قانون – في أواخر 2013 – يتيح تشكيل محكمة خاصة للبت في القضايا المتعلقة بالقطاع السمعي البصري.

تحسنات ملحوظة في تصنيف 2014

لوحظ تراجع في حالات العنف والرقابة المباشرة والاعتداءات في كل من بنما (87، +25) وجمهورية الدومينيكان (68، +13) وبوليفيا (94، +16) والإكوادور (94، +25)، ولو أن مستويات الاستقطاب في هذا الأخير لا تزال مرتفعة للغاية وعلى نحو غالباً ما يُضعف النقاش العام.

نماذج إقليمية على حافة الانحراف؟

إن تطور بعض البلدان في الترتيب، على إثر مقاربتها لحرية الإعلام، يحمل في طياته تأثيرات تمس شعوبها بالدرجة الأولى، وإن كانت تشمل أيضاً شعوب البلدان المجاورة بسبب نفوذها الإقليمي وتأثيرها على بقية الدول التي تعتبرها – صواباً أو خطأً – نماذج يُقتدى بها أو أمثلة جديرة بالمتابعة.

شاهد أيضاً

الجزائر.. فتح باب الترشح لجائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية

أعلنت المحافظة السامية للأمازيغية بالجزائر، عن فتح باب الترشّح لجائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *