تخليدا للذكرى 52 للشهيد الأمير مولاي موحند بن عبد الكريم الخطابي، نظمت جمعية ثيموزغا الثقافية والإجتماعية يوم الأحد 8 فبراير 2015 مساءً ندوة فكرية في موضوع تحت عنوان: “الفكر التحرري للمقاومة المسلحة وجيش التحرير، أساس النضال الأمازيغي الجاد“، احتضنتها قاعة الندوات بالمركب الثقافي والرياضي بالحسيمة، وعرفت نقاشا جديا علميا من قبل الحضور النوعي الذي حج بكثافة للمشاركة والمساهمة في أشغال هذه الندوة الفكرية.
وقد ترأس هذه الندوة رئيس الجمعية الأستاذ سليمان المسعودي حيث قام في البداية بتقديم الشكر للحضور الكريم من فعاليات، باحثين، مهمتمين وإعلاميين، وكذا للأساتذة الذين قبلوا دعوة الجمعية للمشاركة في أشغال هذه الندوة الفكرية، بعد ذلك فسح المجال للمتدخل الأول الأستاذ فكري الزناكي الذي كانت مداخلته تحت عنوان “النضال الأمازيغي والوعي التحرري” طرح في بدايتها تساؤلا حول مدى امكانية اعتبار الخطاب الأمازيغي أن يكون مرتبطا بالفكرر التحرري للمقاومة المسلحة وجيش التحرير واستمرار ية موضوعية له؟
وفي حديثه عن المقاومة المسلحة التي اتخذت مجموعة من الأشكال والمظاهر، اعتبر أن الفكر التحرري لهذه المقاومة يعد منطلقا ومرجعية للحركة الأمازيغية وبالخصوص الحركة الثقافية الأمازيغية، كون أنه يؤثر بشكل كلي في خطابها، وأن هدف المقاومة المسلحة وجيش التحرير كان هو تحرير الوطن المغربي والدفاع عن الثروات، حيث جاء ذلك بالخصوص بعد تأسيس الجمهورية.
المتدخل بين الفينة والأخرى كان يدعم مداخلته بمجموعة من أقوال الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي، التي اعتبرها ذات دلالة وحمولة كبيرة.
هذا وقد اعتبر الأستاذ فكري الزناكي أن هناك استمرارية تتجلى في خطاب النضال الأمازيغي الذي ظهر كتحد للنظام المخزني، و كذا أن الفعل الجماعي لإيمازيغن يعمل على التحرر ومحاربة عملية استئصال الذات الأمازيغية.
بعد ذلك انتقل الباحث فكري الزناكي لتفكيك وتحليل عبارة “النضال الأمازيغي الجاد”التي وردت في العنوان الرئيسي للندوة، وذلك من خلال تطرقه لمفهوم المرجعية الفكرية لإيمازيغن، وبالخصوص لدى الحركة الثقافية الأمازيغية التي تعتمد على عصارة الفكر البشري، وتتميز بالدينامية، وهي مرجعية غير مقدسة بحكم تبنيها للنسبية في التفكير، كما أن للحركة خصائص تمتثل إلى خطاب المقاومة المسلحة وجيش التحرير.
واعتبر الباحث فكر الزناكي أن النضال الجاد يعبر عن سلوك مخطط ينبع من وجود تصور قائم على المنطلق وتحديد الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، والنضال الجاد هو علاقة جدلية بين القيادة القوية مستشهدا بذلك بنموذجين الأول هو القائد مولاي موحند/المقاومة المسلحة، والثاني هو عباس لمساعدي/جيش التحرير.
المداخلة الثانية كانت لأستاذ مادة الإجتماعيات والباحث في التاريخ الأستاذ فريد ولاد امحند تحت عنوان: “الجانب التربوي والتعليمي في الفكر التحرري لمولاي موحند: الحق في بناء المعرفة التاريخية لحفظ الذاكرة الوطنية” وذلك من خلال تقديمه لقراءة في المقررات الدراسية لمادة التاريخ والجغرافيا، وقد قسم الأستاذ فريد مداخلته إلى قسمين، الأول تناول من خلاله الجانب التربوي التعليمي في فكر مولاي موحند، استنادا إلى المؤلفات والدراسات المنجزة حول المقاومة الريفية، خاصة كتاب “التربية والتعليم في برنامج محمد بن عبد الكريم الخطابي، تقديم وتحليل مخطوط، عبدالرحمان الطيبي و المرحوم الحسين الادريسي، كتاب “عبد الكريم الخطابي من أجل الاستقلال”، لماريا روسا دي مادرياكا، كتاب “عبد الكريم : ملحمة الذهب والدم”لزكية داود، وكتاب ” محمد الرايس : شهادات عن المقاومة في عهد الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي”من إعداد وتقديم الأستاذ عبد الحميد الرايس، وكتاب “عبد الكريم الخطابي التاريخ المحاصر” للأستاذ علي الادريسي..، ومجموعة من المؤلفات الأخرى.
وقد تحدث الأستاذ الباحث فريد ولاد امحند عن شخصية الأمير الخطابي وأبعادها التكوينية، باعتباره منظرا للدولة الحديثة وصانع وحدة القبيلة، والذي كان لديه تطلعا لبناء وطن مستقل تسوده الحقوق والحريات المبنية على احترامهللمبادئ الإنسانية في أرقى مستواياتها، حيث أنه ذلك الانسان المجد في عمله الذي لا يعرف الكلل، يقظ ومتنبه لما يجري حوله، يتمتع بذكاء كبير وبحس ودهاء دبلوماسي حاد، وقد مارس مهنة الصحافة في جريدة “تلغرام الريف” خلال إقامته بمليلية لمدة 13 سنة، وكان مدرسا للعربية والأمازيغية، وقاضيا..
هذا وقد تحدث الأستاذ فريد عن الحركة العلمية بالريف قبيل المقاومة وإبان الثورة، حيث تم إنشاء المدرسة العصرية بأجدير، وكذا مدرسة أدوز بقيلة بقيوة، كما تم تدريس الملاحة، وتمت الإستفادة من تجربة الأسرى في تدريس قطاع الهندسة الحربية، وقد دعم الأستاذ مداخلته بمجموعة من الوثائق من أجل فهم وعي مولاي موحند بقضية التعليم.
أما القسم الثاني فقذ كان عبارة عن قراءة في المقررات الدراسية لمادة التاريخ والجغرافيا بالثانوي الإعدادي، من خلال رصده للعديد من جوانب التقصير والمغالطات التي تضمنتها المقررات والكتب الدراسية لمادتي التاريخ والجغرافية، حيث تم بتر مجموعة من القضايا التاريخية والاحداث المهمة من تاريخنا الوطني والمحلي، بالإضافة إلى القفز على مراحل مهمة من حضارتنا وإقصاء جوانب أساسية من التاريخ القديم الذي يهم مرتكزات الحضارة الأمازيغية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، واعتماد مؤلفي الكتب المدرسية على أن تاريخ الدولة المغربية يبدأ مع مجيء ادريس الأول وتأسيس دولة الأدارسة..، وهي مغالطات وضعت المتعلم في تناقض صارخ مع ذاته ومع ما يدرس في هذه المقررات خاصة في الدروس المتعلقة بدول شمال افريقيا وأصول سكانها، وقد تم استعمال خرائط تحمل عناوين أقل ما يمكنعنها أنها مفاهيم عنصرية و جريمة في حق التلميذ المغربي والمغاربي بصفة عامة .
وقبل ختمه للمداخلة تساءل الأستاذ فريد ولاد امحند “لماذا الذاكرة التاريخية وتدريس الحقيقة”..، بعد ذلك أشار إلى أنه مهما حاولت بعض الأقلام وصانعي أشباه الأقلام السكوت عن الحقيقة وطمسها، فإنه من المؤكد أن جيش من الطلبة الجامعيين والباحثين عازم للتصدي بالوثيقة والقلم لكشف المحاصر.
هذا وقد تميزت هذه الندوة بالحضور النوعي الذي غصت به جنبات القاعة، وساهم في إغناء النقاش المطروح بمجموعة من الإضافات القيمة، كما تم توزيع شواهد تقديرية على الأستاذة المساهمين في تأطير أشغال هذه الندوة الفكرية.