تأليف: محمد الغيداني
تؤكد مجموعة من الدراسات مركزية وسائل الإعلام الحديثة في صناعة الهوية الوطنية ؛ فملايين الناس اكتسبوا شعورهم الوطني، وما يتبعه من أحاسيس بالهوية والمواطنة، عندما وضعتهم الصحف في اهتمام مشترك مع بعضهم الآخر، بينما فتحت الإذاعة النافذة السحرية للخيال في دغدغة مشاعر الانتماء للجماعة، والإحساس بالهوية وتحفيزها، وقام التلفزيون بصياغة القيم التي حددت الهوية الوطنية وجسدتها.
إن إشكال الهوية الأمازيغية بالمغرب يطرح سيناريوهات عدة حول مستقبل اللغة والثقافة الأمازيغية، أمام التحولات الكبرى التي تشهدها البنية الديمغرافية والثقافية في علاقتها مع الآخر، وهي سيرورة متسارعة لا تستطيع التأثير فيها، و هذا ما يزيد من التخوف الكبير من الإجابة على السؤال: هل سيأخذ الجيل الأول الثرات الأمازيغي معه إلى مثواه الأخير؟ إنه سؤال التحدي الذي يضع مختلف الفعاليات أمام المسؤولية المدنية والحضارية لصيانة تاريخهم و ذواتهم ووجودهم.
يطرح العديد من المواطنين الأمازيغيين وخاصة القرويين منهم أسئلة٬ وهم يشاهدون البرامج التلفزيونية٬ على القنوات التلفزية المغربية، قبل ظهور القناة الثامنة، ما ذا يقدم على شاشات هذه القنوات، ما دام أغلبهم لا يجيدون إلا اللغة الأمازيغية٬ لغة الأم. فاللغة هي الوسيلة الأكثر فعالية في تأكيد الأحاسيس٬ وترجمتها إلى سلوك يضبط العلاقات بين أفراد المجتمع.لم تعد الثقافة كما كانت في الماضي خاضعة لوسائل تقليدية في النشر، وإنّما أضحت اليوم متأثرة إلى حد كبير بالتكنولوجيا عامة وتكنولوجيا الاتصال خاصة، ونظرا للمحتوى الذي تحمله وسائل الاتصال الحديثة والذي لا يتماشى عادة والخصوصيات الثقافية المحلية لهذه الدول، أدى إلى بروز موضوع مهم يتعلق بالثقافة والتراث الثقافي في ظل العولمة وظهور مفهوم جديد للثقافة،والثقافة الدخيلة عن مجتمعنا، وهنا تتداخل الجدليات الفكرية حول هوية الشعوب وكيفية المحافظة على موروثاتها الثقافية، وفي هذا السياق تحاول هذه الدراسة، مقاربة دوروسائل الاعلام وخاصة السمعية البصرية منها في المحافظة على الهوية الثقافية الأمازيغية، مع التركيز على اللغة باعتبارها أبلغ تجليات الهوية الأمازيغية من غير منازع.وهكذا يتطرق الكتاب لدور وسائل الإعلام السمعية البصرية في تشكل وحفظ الهوية الثقافية، فإذا كانت الإذاعة الأمازيغية قد قامت وبكفاءة بدور كبير منذ إنشائها سنة 1938 في الحفاظ على اللغة لكون كل برامجها وأخبارها كانت ولا زالت تقدم بالأمازيغية، فإن مكانتها في التلفزيون العمومي قبل إحداث قناة تمازيغت، يطرح أكثر من تساؤل، فكما هو معروف فإن الهيئات المعنية بالقطاع السمعي البصري في المغرب لم تول اهتماما كبيرا للأمازيغية منذ الإستقلال.
الدراسة تبرز دور الإعلام في تشكيل الهوية والحفاظ عليها، وإنجازات وسائل الإعلام السمعية البصرية الوطنية ودورها الريادي في التشكيلات الثقافية، فداخل كل عملية إعلام تشكل اللغة المستخدمة و طريقة توظيفها الركيزة الأساسية لنجاح أو فشل السياق الاتصالي، وذلك باعتبارها الوسيلة الأكثر تأهيلا لتبليغ الأفكار والانفعالات والرغبات والتصورات والقيم. من أجل كل ذلك، تكتسي مسألة النهوض باللغة الأمازيغية وتأكيد وجودها في حياة الناس أهمية قصوى، ويمكن أن يتم ذلك عبرالمؤسسات التعليمية والمجامع اللغوية، بيد أن المؤسسات الإعلامية تعتلي الريادة في هذا المجال، لأنها بكل بساطة الأكثر اتصالا بالناس والأكثر ملازمة لهم.
كتاب الإعلام السمعي البصري ومسألة الهوية يتناول بالدرس إشكالية الثقافة الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري، خصص لها أربعة فصول: يتناول الأول موقع الثقافة واللغة الأمازيغيتين في الهوية الوطنية، والثاني واقع الأمازيغية في الإذاعة، أما الثالث فقد خصص لواقع الأمازيغية في التلفزيون، أما الرابع فيِرخ لنشأة قناة تمازيغت. يقول الباحث والمفكرالجامعي المغربي الدكتور موحى الناجي في تقديمه لهذا الكتاب، أن المؤلف يسعى للجواب على عدد من التساؤلات المتعلقة بتاريخ وواقع ومستقبل اللغة والثقافة الأمازيغيتين في وسائل الإعلام الوطنية، معبرا عن طموحه لغد أفضل ومستقبل واعد للأمازيغية لغة وثقافة وحضارة، مبينا إيمانه الراسخ بقيم المواطنة والتواصل والحوار وتكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات.
وسعيا منه لإيصال الرسالة يستلهم الكاتب منهجا تحليليا يقوم على الموضوعية وعلى تجربته الكبيرة كإعلامي وعلى اللغة المباشرة بعيدا عن لغة الخشب التي لن يفهمها أحد.
واستطاع الكاتب أن يبين كيف نقوم بترقية اللغة الأمازيغية بواسطة الإذاعة والتلفزة موضحا أن الثقافة وسيلة للتوعية وتكريس الهوية الثقافية. وأبرز أهمية التعددية اللغوية والثقافية التي يمتاز بها المغرب والتي تعد ثراء وغنى ينبغي صونه والافتخار به.
إن الإعلامي والباحث محمد الغيداني استطاع أن يبين دور الإذاعة والتلفزة في الحفاظ على الهوية واللغة إذ تشكل هذه الأخيرة الركيزة الأساسية لنجاح وسائل الإعلام. كما يؤكد الدور الريادي للإذاعة الأمازيغية والقناة الثامنة المحدثة سنة 2010 في الحفاظ على اللغة والثقافة الأمازيغيتن.