ترسيم الأمازيغية وإبعاد الأمازيغ.. وذكر بالذكرى التي لا تنفع

ساعيد الفرواح

يخلد أمازيغ المغرب الذكرى الرابعة لترسيم الأمازيغية بلا إكتراث كبير، خاصة وأن الموضوع على ما يبدو تجاوز تنظيمات الحركة الأمازيغية التي يطلع أعضاؤها على المستجدات المتعلقة بالقانون التنظيمي الخاص بتفعيل ترسيم لغتهم على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية كأيها الناس، وتحولوا بعد أربع سنوات من الترسيم من فاعلين إلى متفرجين، أدارت لهم الدولة بمؤسساتها وأحزابها ظهرها العريض بعد أن ناضلوا لوحدهم طوال عقود ضد عنصرية تلك المؤسسات والأحزاب.

وبعد صياغة القانون التنظيمي الخاص بمجلس اللغات والثقافة في غفلة من الأمازيغ ومن دون حضور أي ممثلين لتنظيماتهم، وعقب دخول المجلس الوطني لحقوق الإنسان على خط صياغة القانون التنظيمي للأمازيغية، وإطلاق تصريحات مقتضبة ومحدودة لمسؤولين مغاربة تفيد بوجود مشاورات حول صياغة القانون التنظيمي للأمازيغية بدون علم إطارات الحركة الأمازيغية أو حضورها، فلا يلزمنا أي ذكاء لنستنتج أن الدولة تعمل على احتكار صياغة القوانين التنظيمية بما فيها قانون الأمازيغية، وبالتأكيد تهدف لصياغته على المقاس الذي تريده، بما يضمن الحفاظ على توابث النظام القديمة وفي مقدمتها عروبة البلد ورفعة العربية ودونية الأمازيغية.

إقصاء الحركة الأمازيغية كمخاطب وحيد أو حتى كطرف على طاولة المشاورات حول قانون الأمازيغية بعد إقصائها من ذلك فيما يتعلق بمجلس اللغات والثقافات وإصلاح التعليم والجهوية، هو الهدف الذي تتجه الدولة المغربية وبتواطئ من طرف الأحزاب المختلفة نحو تحقيقه، وإن تمت صياغة القانون التنظيمي للأمازيغية بعيدا عن الفاعلين الأمازيغية وإطاراتهم التي ناضلت لعقود للقضاء على العنصرية ضد الأمازيغ، فسيكون ذلك مؤشرا على درجة من الخطورة ما دام ذلك يعتبر تكريسا لإستبعاد للأمازيغ نحو هامش الهامش المدني والسياسي، وفي الهوامش تنمو أمور كثيرة وتتطور مع مرور الوقت، ومنها تخرج الشرارة التي تشعل الثورات الغير منتظرة والتي تأتي دائما من حيث لا يتوقعها أحد.

ولعل المثير للإستغراب الشديد، أن يكون ملف الصحراء بين طرفين، الأول هو البوليساريوا والثاني هو النظام المغربي، وملف الإسلام السياسي بين طرفين كذلك أي دعاته والدولة، ويكون طرفي ملف حقوق الإنسان بين تنظيمات اليسار والدولة، وتقوم هذه الأخيرة بالتفاوض مع كل طرف حول الملف الذي يتبناه وتعترف به بشكل مباشر أو غير مباشر كمحاور وكمخاطب أول، وحين تصل للملف الأمازيغي تعتبره ملكا للجميع وتتحاور فيه مع الجميع وتمنح لهم مجالات للتأثير في مساره، وتعمل بالمقابل على استبعاد الحركة الأمازيغية وإطاراتها، رغم أن المفروض هو أن تكون هي المحاور والمخاطب الأول في كل ما يتعلق بالشأن الأمازيغي.

إبعاد الحركة الأمازيغية عن النقاش الدائر في الكواليس حول إقرار القانون التنظيمي للأمازيغية، وتجاهل مطالبها في هذا الصدد طوال أربع سنوات، ليس السابقة الوحيدة التي تجعلنا نتيقن من وجود تيار عروبي داخل كل مؤسسات الدولة يريد إغتيال إطارات الحركة الأمازيغية وإفقادها لأي شرعية، بل ثمة سابقة أخرى وتتعلق بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي لم يتم منذ سنوات تجديده، ولكي نفهم دور ذلك المجلس فيجب أن نعود للبداية حيث تم تشكليه من فاعلين ينتمون لمختلف إطارات الحركة الأمازيغية المعروفة، طبعا بإستثناء أحمد الدغرني الذي سيؤسس الحزب الديمقراطي الأمازيغي سنة 2005 الذي قامت الدولة بحظره وحله بعد حوالي سنتين من تأسيسه، وحل ذلك الحزب هو كذلك قرار بالدفع بالأمازيغ نحو هامش كل الهوامش وتحويلهم من فاعلين لمتفرجين أو كومبارس.

إبعاد إطارات الحركة الأمازيغية يتم كذلك بإفقادها للشرعية الأمازيغية التي اكتسبتها بعد عقود من النضال، وذلك عبر الدفع بعدد من الأحزاب أو المحسوبين عليهم لتنظيم أنشطة تحت مسمى الثقافة أو اللغة الأمازيغيتين بشكل دوري، في محاولة لإظهار الجميع كمناضلين أمازيغ ظاهريا، وفي هذا الصدد تمة الكثير من المهرجانات والملتقيات التي ينظمها متحزبين لم يكونوا قبل ترسيم الأمازيغية يناضلون في أي إطار أمازيغي معروف، بل ضمنهم من كان يعادي ترسيم الأمازيغية ويتمسك باللغة العربية كلغة رسمية وحيدة للبلد، ولعل المثير للإنتباه أن بعض الجمعيات الأمازيغية اتجهت كذلك نحو هذا المنحى الذي تخبرنا السنوات الأربع الماضية على أنه ليس صائبا أبدا بل على العكس.

وإن كان ثمة من ذكرى تنفع حاليا فهي أن القضية الأمازيغية لطالما كانت بين طرفين، الأول هو تنظيمات الحركة الأمازيغية والثاني هو النظام المغربي عبر أعلى مؤسساته، وإن غاب الطرف الأمازيغي فلن نقول لن يكون لما سيتم اتخاذه من قرارات فيما يتعلق بالأمازيغية من شرعية أو تأثير، بل سنقول أنه لن تكون ثمة قرارات حقيقية وحتى إن وجدت أشباه قرارات فهي لن تكون في صالح الأمازيغ والأمازيغية.

وأما الذكرى التي لا تنفع فهي تخليد ترسيم الأمازيغية، لأننا لا نمتلك بعد ما يستحق أن يخلد، فكل ما تم اتخاذه من قرارات فيما يتعلق بالأمازيغية طوال الأربع سنوات الماضية كان ضدها وعاد بالنفع على النظام وبالضرر على الأمازيغ.

ونؤكد في الختام على أننا نحيي كل من ينظم أنشطة من منطلق الغيرة الصادقة على اللغة والثقافة الأمازيغيتين، لكي لا يفهم من كلامنا أننا نقصد انتقاد أحد فكل مقصودنا هو الدولة ومؤسساتها وأحزابها.

 

شاهد أيضاً

أكادير تحتضن الملتقى الأول لتجار المواد الغذائية

تحتضن مدينة أكادير من 24 الى 26 يوليوز الجاري الملتقى الأول لجمعية تمونت لتجار المواد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *