الامازيغية لغة الدولة… أيضا

عبد الله بوشطارت

تقول الصحافة ان العثماني أول رئيس حكومة تكلم بالامازيغية في البرلمان. جيد؛ وهل تعلم الصحافة أن دولة بورغواطة التي عمرت أكثر من أربعة قرون وحكمت المغرب والصحراء قبل ان يتقلص مجالها في تامسنا في آخر أيامها…كانت لغتها الرسمية الوحيدة هي الامازيغية ويمنع منعا كليا التحدث بأي لغة أخرى داخل المغرب وخارجه…. قبل ذلك بكثير هل يعلم المحللون والصحافيون اليوم أن الملك الامازيغي يوبا لم يكن يتكلم الامازيغية فقط وإنما كان ينظم بها الشعر ويدونه .. كان شاعرا امازيغيا فصيحا…

هل يعرف الذين يتحدثون الآن في كل شيء أن يوسف بن تاشفين لا يفهم ولا يتكلم العربية ويتحدث فقط اللغة الامازيغية، وهو أول حاكم يوحد بلاد المغرب والأندلس تحت حكم دولة واحدة.. وجاء بعده اتومرت الذي سمى نفسه بالمهدي مؤسس الدعوة التومرتية ووسع حدود الإمبراطورية لتشمل كل بلدان تامازغا والأندلس؛ تحت راية الموحدون، دولة المصامدة، وهو أيضا أمازيغي فرض على الأئمة الذين يريدون الاشتغال في المساجد ضرورة الالمام بالامازيغية لإلقاء الخطب والدروس بها، وبدأ بمساجد فاس.. وهي عبرة لأولي الألباب. .

يصنف المؤرخون طبيعة الدول الكبرى التي تعاقبت على حكم المغرب في العصر الوسيط بعصر العصبيات الامازيغية الكبرى، بمعنى ان المرابطون لصنهاجة/ازناكن والموحدون لمصمودة/امصمودن، والمرينيون زناتة/ازناتن… تماشيا طبعا مع المنطق الخلدوني الذي يفسر الدولة بوجوب العصبية،، وهذا تحقيب يروجه بعض المؤرخين وفيه نظر، لأنه يتم تغييب عمدا الحديث عن دول أمازيغية أخرى اعتنقت مذاهب إسلامية كالشيعة بزعامة ابوعبدالله الشيعي الذي أسس دولة الفاطميين ودول أخرى اعتنقت مذهب الخوارج في تاهرت وسجلماسة إضافة إلى بورغواطة… كلها دول إسلامية ولكنها اتبعت مذاهب مختلفة من أجل هدف وحيد هو الاستقلال عن الشرق والتخلص من تبعية العرب في زمن الخلافة؛ واضح ان الإسلام كان الطريق المفتوح أمام الأمازيغ لإعلان الثورة وتأسيس دول خاصة بهم… لأنهم لاحظوا أن العرب “الفاتحين” كانوا مهتمين بالحكم والسبي واستغلال الثروة أكثر مما كانوا مهتمين بالتبشير بالدين الجديد… وفطن الأمازيغ بذلك متأخرين وقاموا بتأسيس دولهم دولة بني ايفرن ومغرواة وبني رستم… إلخ… وهي كلها دول أمازيغية، كان حكامها لا يعرفون العربية وحديثين العهد بالاسلام، ويظهرون نزعتهم الامازيغية بشكل صريح، ويمكن اعتبار اللغة الامازيغية بمثابة اللغة الرسمية للدولة…نحن نتحدث بالطبع عن مرحلة ما قبل ظهور دولة المرابطون، لإن الكتب التاريخية والمؤرخون او كتاب التاريخ من فقهاء وشعراء البلاط، لا يتحدثون إلا عن تجربة الأدارسة لأسباب أضحت اليوم معروفة ومكشوفة،..

مجمله، أن الامازيغية لم تكن أبدا غائبة عن دواليب الدولة، وإنما مغيبة بشكل مقصود في كتب المؤرخين ولا يذكرونها إطلاقا، لأننا الآن ونحن نتتبع تاريخ التعريب بالمغرب، نعرف اللبس الذي يعتري هذا الموضوع، ونعرف كذلك متى بدأ تعريب الدولة والمجتمع بشكل سريع وكثيف… واذا جعلنا البدايات الأولى مع الاجتياح الهلالي على عهد يعقوب المنصور الموحدي فإن عملية التعريب كانت بطيئة جدا، ومحصورة في البداية داخل أسوار المدن وخاصة داخل أوساط نخبوية محدودة جدا… صحيح ان العربية كانت لغة الكتابة والصلاة والمراسلات الرسمية … ولكن هل كانت لغة التخاطب اليومي داخل المدن والقصور…. داخل الأسواق والمساجد. ..

يقول بعضهم، أنه على عهد الموحدين مثلا الذي كان عهدا امبراطوريا، عرفت الحضارة العربية اوجها في مختلف أوجهها، يقصدون اللغة العربية والآداب والعمران… ولكن ما وصلنا هو ان المهدي ابن تومرت وجد صعوبة كثيرة جدا في تلقين الأمازيغ سورة الفاتحة إلى أن وصل به الأمر إلى تسمية الناس بالكلمات التي تتكون منها السورة…. هم يتحدثون عن ما هو مكتوب، ما كتبه الامازيغ أنفسهم بالعربية وغيرهم، وهو تراث قليل جدا، ولا يتحدثون عن المعاش، عن الحي في حيوات الناس وعيشهم اليومي… عن الطبقات والفئات المجتمعية السفلى. لأن الإشكال في كتبة التاريخ الذين في الغالب الأعظم هم كتاب البلاطات واعضاء دواوين السلاطين… ويكتبون بلغة عربية نخبوية لا تفصح عن حقيقة الواقع اللساني المغربي…

ما وصلنا عن امازيغية دولة بورغواطة، أغنى دولة في تاريخ الأمازيغ، وصلنا عن طريق كتاب واحد هو البكري، بعد حرق مصادر وأرشيف هذه الدولة العبقيرية ورميه في الأنهار، حيث اعتبرتها الدول التي جاءت بعدها، دولة مارقة وضالة وكافرة…ومن المؤكد أن الدول التي عاصرتها كانت دولة امازيغية صرفة، وتختلف فقط على المستوى المذهبي..واختيار الأمازيغ المذهب الخارجي فيه رسالة سياسية لأن الخوارج هم الذين أسقطوا شرط وجوب النسب العربي القريشي ضمن شروط الخلافة… ومن هنا دخل الأمازيغ ليتخلصوا من تبعية دمشق… وأسسوا دولا وإمارات خاصة بهم يتحدثون فيها بالامازيغية وباية لغة يعرفونها….

في القرن 16 أيام ابنبثاق دولة السعديين في سوس كانت بيعة الملك محمد الشيخ السعدي شفوية في تيدسي قرب مدينة تارودانت بالامازيغية…ولا يتكلم السلطان إلا اللغة الامازيغية دون سواها…وهو السلطان الوحيد الذي اختار مدينة تارودانت عاصمة للمغرب كله إلى حين اغتاله السلطان العثماني في غابة الدراركة في عملية انتقام خطيرة…

هكذا نقرأ هذا المسار المحزن والمؤلم لتقلص الامازيغية وتقهقرها…منذ ان كانت في أوج قوتها على رأس هرم الدولة إلى الأسفل …

متى وقعت القلبة…فذلك حديث آخر. .

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *