23 يناير 2016.. اليوم الأسود الذي نبش فيه انفصاليو الوطن أجساد الوطنيين

بقلم: حميد أيت علي “أفرزيز”

تعتبر 23  يناير من كل سنة مناسبة يرْثي فيها قلب الأحرار باستحضار ذكرى مؤلمة حفرت في وجدان الأمازيغ، 23 يناير من سنة 2016 عرفت جامعة القاضي عياض بمراكش، هجوم جبان من طرف أعداء الإنسانية وإنفصاليوا الوطن، قدر عددهم، حسب شهود عيان، بأربعين شخص ملثمين مدُجِّجُون بالسيوف و”الزبارات”، على خمسة مناضلون ينتمون للحركة الثقافية الأمازيغية يعلنون جهرا عن وطنيتهم، اغتيل حينها الطالب الأمازيغي عمر خالق الملقب ب “إزم”.

وبالمناسبة خصصنا التقرير التالي للمناضلين الذين تعرضوا لذات الهجوم يوم السبت الأسود 23 يناير 2016، وكانو بجانب الشهيد عمر خالق قبل وبعد إغتياله، والذين يعتبرون شهود عيان عاشوا تلك اللحظة ونالوا نصيبهم من العنف والطعن والضرب بالسكاكين. وسنستشعر معهم شعورهم بعد أن أحاط بهم أعداء الإنسانية؟ ما هو السيناريو الذي كان يدور في مخيلتهم والسيوف و”الزبارات” تطوقهم؟ ما هي كلمات الشهيد إزم الأخيرة؟ كلمة في حق الشهيد عمر وفي المدرسة التحررية؟  أسئلة وأخرى نجد لها الإجابة في  شهادت شهود عيان كانو بجانب الشهيد عمر خالق.

✔ محمد أيت حدو الملقب “بإِفْلِيلِّيس”ْ من أبناء أسامر ، منطقة الخميس دادس بالتحديد،  طالب باحث (امزراو) في  شعبة السوسيولوجيا كلية القاضي عياض أمور ن اكوش .

“زوال يوم السبت “اليوم الأسود”، وعلى الساعة الثانية بالتحديد، بعد أن أنهينا الإمتحانات متوجهين نحو المنزل رفقة ثلة من المناضلين تفاجئنا بعصابة من المتمركسين رفقة أزلام البوليزاريو مسلحين بالسيوف أمام الباب الرئيسي للكلية، قاموا بإستفزازنا ودفعوا ببعض المناضلين للدخول في مشادات كلامية ولكن -رغم الإستفزازات – تابعنا الطريق لنتفاجأ بوقوعنا في الفخ…لقد أحاط بنا أزيد من 40  شخص مسلحين، مجموعة في الأمام و أخرى من الخلف، وكانت هذه اللحظة من أصعب اللحظات في حياتي، شعرت بالانبهار والغباء أيضا، لقد اوقعو بنا ، فكرت في الحركة الثقافية الامازيغية ما مصيرها بعد هذا الهجوم!  هل ستختفي من الموقع من جديد ؟ فكرت في مصيرنا أسينجو أحد؟  نظرت في أعين  إمدوكال لم أفهم سوى أن كارثة على وشك الحدوث لا مجال للنجاة بعد الآن، الجو مشحون ولا صوت سوى صرخات بعض الطالبات، لينطق عمر خالق  قائلا : “مُونَتَاغْ أيِمْدُّوكَّالْ جْمْعَتَاغْ ” بعد رمشة عين يقول أحدهم بصوت عالي قائلا “جبدو السلاح ضرب” هرول الجميع نحونا، نزفت الدماء… تعرضت لأولى الضربات في الفخد ثم الثانية على مستوى القفص الصدري ولكمات من كل جانب والرفس بالأرجل…”

أما الشهيد عمر خالق فكان مناضلا بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، كان أخا و مرشدا ليس للمناضلين فقط، بل لجميع الطلبة الذين عرفوه، كان مميزا يحبه الجميع، كان راديكاليا حتى النخاع، وفي ما يخص الحركة الثقافية الأمازيغية “موقع الشهيد”،  بالرغم من كونه حديث التواجد إلا أنه واجه مسار النضال الأمازيغي بتضحياته نحو أفق جديد،  وأعطى أملاَ جديدا للأمازيغية، وتحية للحركة الثقافية الأمازيغية عامة فهي الملاذ الوحيد لتحرير الشعب الامازيغي عامة”والمغربي” بالخصوص”.

✔  إسماعيل بوزيد:  طالب في جامعة ابن زهر بأكادير تخصص علوم إقتصادية، منحدر من بومالن دادس  بالجنوب الشرقي.

” قمت بزيارة لأحد الأصدقاء بموقع مراكش، أثناء تواجدي هناك ذهبت الى الكلية بصحبة بعض الأصدقاء الذين يستعدون لإجتياز الامتحانات، عند خروجي صادفت بعض الأصدقاء ممن اجتازوا الامتحانات، وكان برفقتهم الشهيد إزم، وأثناء مغادرتنا لكلية – الأداب والعلوم الإنسانية –  في اتجاه مقر سكنى الإصدقاء تفاجئنا بمجموعة من الأشخاص منهم ملثمون وآخرون غير ملثمون مدججين بالسيوف و”الزبارات”، قد أحاطوا بنا من كل الجهات، انهالوا علينا بالضرب، واعتقدت أن هذا اليوم بمثابة إبادة جماعية لنا، نظرا لعددهم الكبير ولباسهم المرعب وللسيوف و”الزبارات” التي كانت في أياديهم، أُصبت بإصابة بليغة على مستوى الرجل اليمنى واليدين، وهذه الإصابة جعلتني طريح الفراش لمدة شهرين، لحد كتابة هذه الأسطر، لا أزال أعاني على مستوى الرجل، كما ستظل عاهة وعلامة الضرب سترافقني طيلة حياتي، ولحظة الحادث وعند إستيقاضي من الغيبوبة بعد الهجوم وجدت مجموعة من الأصدقاء بجانبي والذين تعرضوا للإصابة ومنهم صديقي ورفيقي إزم عمر خالق والذي غطته الدماء…كلما رويت مشهد الهجوم عليه يكون إحساسي و شعوري أقسى  من الهجوم الذي تعرضت له …فقد كان المشهد شنيعا ومرعبا.

كان الشهيد عمر خالق مناضل بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ناضل في صفوف الحركة التلاميذية ب بومالن دادس وكانت فرصة للتعرف على عمر خالق، وكان يناضل في صفوف تنسيقية أيت غيغوش، مناضل ميداني يعمل في صمت يوصي الجميع دوما  بضرورة الصمود، شاءت الأقدار أن تحمله عنا ويفارقنا جسديا، لكن! إزم حي في ذواتنا، وكرسالة للجموع الأمازيغية أقول أن قضيتنا قضية مشروعة ويجب الصمود والعمل، فعدونا لا يطلق رصاصات مجانية، وقوتنا بالوحدة والتكتل لتجاوز كل الإختلافات، إياكم أن تكونوا مريدين تتقبلو أية فكرة دون إستعمال العقل.

يقول معتوب لوناس ” إن الحركة التقافية الأمازيغية حركة ضرورية في المجتمع وأكثر ضرورية في المستقبل ” لذا فمنذ ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة حاملة لخطاب تنويري للطالب المغربي، بغية تحريره من غياهب الاستلاب الفكري الذي تكرسه تيارات إطلاقية بالجامعة، فالحركة لم تستقبل بالورود في الجامعة نظرا لقوة خطابها وموضوعيته في كشف الحقيقة، وقد تعرضت للكثير من الإستهدافات المخزنية المتتالية عبر الإعتقالات والإغتيالات السياسية ، إذ ابتدأ مسلسل الهجومات عليها منذ 2003 على يد وكلائه الرسميين بالجامعة ” الأذيال ” تحت شعار ومشروع ” استئصال الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة ”، رغم هذه الهجومات فلم ولن تنل من عزيمة مناضلي هذه المدرسة الصامدة وإنما زادتهم صمودا وإصرارا في مواصلة النضال على درب الشهداء والمعتقلين ، وما عودة “موقع الشهيد” بفضل تضحيات مناضلين شرفاء لخير دليل على ذالك”.

✔ محمد قدور(القاضي)

من  مواليد 1992 بالنقوب زاگورة حاصل على شهادة الباكالوريا في مسلك الأداب والعلوم الإنسانية بثانوية صالح الدين الأيوبي سنة2013، يتابع دراسته في كلية الأداب  والعلوم الإنسانية مسلك الدراسات الفرنسية.

” منذ أن التحقنا بصفوف الحركة الثقافية الأمازيغية كنا ندرك جيدا أننا مهددون بالاعتقال والاغتيال كضريبة يدفعها المناضل ثمنا لإيمانه العميق بالقضية، لذالك نحن مهيئين لها نفسيا على ألأقل.

فيوم السبت 23 يناير 2017 المشؤوم ، كان يوما أسود لي ولكافة إيمازيغن بشكل عام، فبعد خرجنا مباشرة من الامتحان على الساعة التانية زاولا أنا وزملائي، وفي طريقنا الى البيت باغتتنا مجموعة من الاشخاص قرابة الأربعين مسلح وملثمتين. وقد تم تطويقنا من كافة الجهات وتم رشقنا بالحجارة من أجل تشتيتنا قبل الشروع في الطعن وارتكاب الجريمة .. وكان الرعب و الخوف يعم المكان، وكل ما علق في ذهني حينئد هي جملة الشهيد عمر خالق “مُونَتَاغْ أيمدوكال “، تلك أخر كلمة علقت في ذهني ولا زالت تراودني في كل لحظة، لها دلالة في كافة المستويات، من التكتل ورص الصفوف في خوض الصراع في كل تجلياته والوحدة كإيمازيغن وتحديد الخصم بدقة، لأن بالوحدة والتنظيم يتحقق كل شيء. أقول لإيمازيغن أن معركتنا التي بدءها أجدادنا بالحديد والنار لم تنته بعد ونحن في مسارهم، لا أنصاف الحلول ولا القمع والاحتواء سيثنينا عن المسار الذي سطرناه وسطره مناضلين من قبلنا بالدماء، لأن معركتنا هي معركة وجود وحرية وكرامة ..فلا يستقيم بأي حال من الأحوال أن ننخرط في سياق مخزني مسطر مسبقا من طرف من كان قد شرد وقتل الأمازيغ.

الآن  نحن في الطريق الصحيح وليس لنا أي خيار أخر سوى الاستمرار في نهجنا الفكري والنضالي من أجل استعادة وطن بيع في معاهدة “اكس ليبان”،  وبناء نظام ديمقراطي علماني وطني على أساس تعاقد اجتماعي يعيش فيه الناس كمواطنين كامل المواطنة، وتوزيع عادل للثروات، ونسعى لمجتمع تسوده الحرية والتقدم والازدهار .

الرهان منذ بالبداية كان على الحركة الثقافية الامازيغية التي حملت على عاتقها مهمة ثقيلة وهي بوصلة النضال الأمازيغي وحجم الإعتقالات وحتى الإغتيال والقمع الذي قوبل بها خطابها، وهذا يؤكد بالملموس مدى تقلها في معادلة الصراع في مغرب ما بعد 1956… “موقع الشهيد” هو  جزء من الحركة الثقافية الامازيغية بشكل عام ولا يكمن الفصل أو الحديت عن استراتيجية موقع معين بمعزل عن المواقع الاخرى. لأن المواقع في نهاية الأمر هي أماكن جغرافية، وما يهم هو الحركة الثقافية الامازيغية وأرضيتها الفكرية ومناضليها وخريجها، …

كلمة أخيرة نقولها وهي أن استشهاد “إزم” لم نتقبلها على المستوى العاطفي لأنه صديق لنا قبل أن يكون مناضلا وتشاركنا أيام حلوة ومرة معا. لكن من منطلق أخر نعتبر الأمر طبيعي لأنه ليس الأول ولن يكون الأخير .وكل شخص يناضل من أجل الحرية والكرامة فحتما سيغتال أو يعتقل في أحسن الأحوال ..لهذا فآغتيال إزم هو محاولة لإقبار مواقف سياسية وصوت حر وقف نذًّا ومزعجا لكل الأطراف التي استفادت وتستفيد من الوضع السائد.”

وفي الاخير نحيط أنه تعذَر علينا تسجيل وتدوين الشهادة الرابعة للمناضل الحسين الذي تعرض لنفس الهجوم، حيث كان رفقة “إزم” والمناضلين الثلاثة السالف ذكر شهادتهم، إذ نعتذر عن عدم تمكننا من التواصل مع المناضل الحسين لأسباب خارج عن إرادتنا.

ونذكر بأن الشهيد عمر خالق تعرض لضربات قاتلة في جسده يوم السبت 23 يناير 2016 على الساعة الثانية زوالا، ليلفظ أنفاسه الاخيرة يوم الخميس 27 يناير 2016 على الساعة الرابعة صباحا في مستشفى إبن طفيل بمراكش، كما نشير أن التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية دعت جموع الأمازيغ لتخليد الذكرى الثانية لإغتيال الشهيد عمر خالق يوم 27 يناير 2018 بقرية إكنيون.

 

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *