في مبادرة تهدف إلى استحضار مسار ثلاثين سنة من العطاء الميداني، ينظم مركز تاوسنا للدراسات والأبحاث، بشراكة مع مؤسسة هانس زاديل وبتعاون مع مجلة نبض، ندوة وطنية تحت عنوان: “30 سنة من العمل التطوعي بالمغرب: تجارب ميدانية”، وذلك أيام الجمعة والسبت 27 و29 يونيو 2025، بمقر المركز بأيت ميمون بجماعة سيدي بيبي، إقليم أشتوكة آيت باها.
وتأتي هذه الندوة تخليدًا لذكرى أحد أبرز رموز العمل التطوعي بالمغرب، الدكتور الكبير أحجو، الذي ترك بصمة قوية في مسيرة الفعل التطوعي، وظل يؤمن بأن خدمة الإنسان البسيط هي جوهر الالتزام الوطني.
وذكر المركز في بلاغ له أن “منذ مطلع التسعينيات، شهد المغرب بروز تجربة تطوعية فريدة من نوعها، قادها شباب من أبناء القرى بروح نضالية عالية. لم يكن العمل التطوعي آنذاك نشاطًا مكمِّلًا، بل كان صرخة في وجه التهميش، ورسالة تضامن لإنقاذ قرى وبوادي كانت تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
فوسط غياب الماء والكهرباء، وانعدام الطرق المعبدة، وتدهور الخدمات التعليمية والصحية، تحمّل المتطوعون مسؤوليات جسيمة، شملت حفر الآبار، وشق الطرق، وبناء الفصول الدراسية وتجهيزها، فضلًا عن تنظيم حملات صحية وتوعوية لفائدة الساكنة المحلية”.
وأضاف: “رغم ضعف الموارد وغياب الدعم المؤسساتي، شكّلت روح التعاون والعزيمة القوية دعامة أساسية لتحقيق تحولات ملموسة في مناطق ظلت لسنوات طويلة خارج دوائر التنمية”، مشيرًا إلى أنه “على مدى ثلاثة عقود، ساهمت هذه المبادرات في إعادة رسم ملامح البادية المغربية، وارتفعت نسب التمدرس، خاصة في صفوف الفتيات، كما تم العمل على توفير النقل المدرسي، مما مكّن العديد من الأطفال من متابعة تعليمهم وصولًا إلى الجامعات”.
كما برزت الجمعيات المحلية كفضاء احتضن طاقات شابة مؤمنة بضرورة التغيير، وكرّست العمل التطوعي كوسيلة فعالة لتحقيق التنمية القروية، في تفاعل إيجابي بين أبناء القرى المتعلمين وأعضاء الجماعات المحلية الذين راكموا خبرة في تدبير الشأن العام من خلال العرف.
وتأتي هذه الندوة أيضًا في سياق استحضار روح الدكتور الكبير أحجو، الذي شكّل نموذجًا في الالتزام بقضايا الهامش، واعتبر العمل التطوعي رسالة حياة. وقد ساهم الراحل في تكوين أجيال من المتطوعين الذين حملوا مشعل العطاء والتضامن.
وتشمل محاور الندوة: الخلفيات النظرية والفلسفية للعمل التطوعي، والتجارب الميدانية على الصعيدين الوطني والجهوي والمحلي، وقراءة نقدية للتجربة التطوعية بالمغرب، إلى جانب تقديم توصيات لتثمين المكتسبات وإطلاق دينامية جديدة.
ومن المرتقب أن يشارك في الندوة عدد من الفاعلين المدنيين والباحثين في مجالات التنمية والعمل الجمعوي، كما ستبقى مفتوحة أمام الطلبة والمهتمين من مختلف التخصصات.
ويُعد هذا اللقاء الفكري لحظة تأمل جماعية في مسار حافل بالعطاء، وفرصة لتوثيق التجارب الفضلى في مجال العمل التطوعي، وتقييم المنجزات بمنهج نقدي بنّاء، استعدادًا لإطلاق مرحلة جديدة في خدمة المغرب العميق، الذي ظل عبر العقود أرضًا للمقاومة والتنمية بفضل أبنائه الأوفياء.