الفنانة والإعلامية يسرى طارق: حضور المرآة الأمازيغية في الأعمال الإبداعية محتشم وصورتها في الانتاجات نمطية

* يسرى طارق مرحبا بك على صفحات جريدة «العالم الأمازيغي»، بداية وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة ما رأيك في الإحتفال بهذا اليوم؟ و ماهي رسالتك للمرأة خاصة الأمازيغية بهذه المناسبة؟

** أولا أنا مع ثقافة الاحتفال، ومن الجيد أن نحتفل، فأنا احتفل بنفسي يوميا، فحين استيقظ صباحا وأشعر برغبة في التعلم والاطلاع، وأصبو لتحقيق جميع أحلامي، فكل ذلك بالنسبة لي احتفال.

والاحتفال بالمرأة لا يجب أن يرتبط بخلفية معينة، فالمشكل في تخليد الثمن من  مارس، هو انه لا يتم الاحتفاء بالمرأة كإنسان، فكل فرد يحتفي بها على طريقته الخاصة، فهناك من يحتفي بها باعتبارها وسيلة للإنجاب وكونها ضامن لاستمرار البشرية، وهناك من يحتفي بها لكونها تسهر على خدمته، بمعنى كل واحد يحتفي بها على اساس ما تقدمه له.

 المحتفون بالمرأة يجب ان يعوا أولا أنهم يحتفلون بها  على أساس أنها إنسان قبل كل شيء، حينها فقط نكون فعلا خدمنا قضية المرأة، أما أن يقتصر الاحتفال بها في يوم واحد وتوزيع الورود عليها، فهو مجرد عادة لا تخدم المرأة في شيء.

فالاهتمام الحقيقي بالمرأة المغربية بصفة عامة هو تمكينها من التدريس وتحريرها من أغلال العادات والتقاليد ومن الأفكار السيئة، التي غرقت فيها، وأن تعي قيمتها كإنسانة، بتلقينها تعليم صحيح وتكوين جيد وكفى من انتاج أجيال سطحية، فالشعوب ارتقت بمفهوم الانسانية إلى أبعد الحدود، ونحن لازلنا حائرين بين هل هذا رجل أم امرأة، وحبيسي اختلافات جسدية طبيعية لا معنى لها. وبصراحة حلمي أن أرى كل نساء المغرب ورجاله واعيين وقادرين على التحليل

* يسرى طارق الفنانة، كيف ترين واقع المرأة الأمازيغية الفنانة، وكيف تقييمين التجربة النسائية الأمازيغية، سواء في السينما أو التلفزيون؟

** كما تعلمين، فالمرأة عموما بمفهومها الكوني، البعيد عن حصرها في الجسد أو في مختلف التعريفات، التي يقدمها كل شخص على حسب خلفيته الثقافية، فالمرأة بمفهومها الكوني تشكل سمة في الإبداع الإنساني بصفة عامة. كما أنتيمةالمرأة في الإبداع الإنساني، تعتبر قيمة رمزية دالة على العديد من التمثلات.

وحين نتحدث عن صورة المرآة الأمازيغية في الأعمال الإبداعية وبصفة عامة، فإن حضورها محتشم جدا، ففي الفن التشكيلي دائما ما يتم تصوير المرأة على أنها وسيلة فلكلورية للترفيه وللتأثيث، ويتم التغاضي عن استحضار وجودها الإنساني، وكقيمة رمزية حاملة لدلالات كونية كبيرة.

وحتى في الإنتاجات التلفزيونية، التي اشاهدها أخيرا، ماتزال صورة المرأة الأمازيغية في الانتاجات المغربية، نمطية وتعكس صورة غير حقيقية عن المرأة الأمازيغية، هذه الأمازيغية التي تنتمي لوعاء حضاري عريق جدا، ومتشبعة بالقيم الإنسانية النبيلة المتمثلة في سعيها لفرض وجودها والتشبث بحريتها واستقلاليتها، وقدرتها على العطاء وعلى الحب، ناهيك عن كونها حاملة للتاريخ  ومحافظة على الذاكرة، لأن التاريخ والذاكرة هما اللذان يحققان لنا هويتنا، إلى جانب أبعاد أخرى كاللغة والأرض.

إذن هذا الدور المحوري والكوني الإنساني المحض للمرأة الأمازيغية، الذي لعبته من أجل الحفاظ على التاريخ والحضارة، لا ينعكس في الاعمال الفنية التي نشاهدها، بل يتم تقديمها كإنسانة ضعيفة ومظلومة ومقهورة والمغلوبة على أمرها.

وأتأسف على الذين يساهمون في تقديم المرأة الأمازيغية على هذه الصورة، مع العلم أن البعض منهم هم ممن يدعون الدفاع عن القضية الأمازيغية والهوية الأمازيغية، فهم يرتكبون جريمة فكرية في حق المرأة الأمازيغية.     

* في نظرك يسرى هل هذه الصورة النمطية هي التي  تحد المرأة من دخول المجال الفني بشكل عام، خاصة في المجتمعات الأمازيغية المحافظة؟

** نعم وللأسف، فحين نتحدث عن حضور المرأة في السينما المغربية، وخاصة المرأة الأمازيغية التي تنحدر من أوساط محافظة، فإن الحديث يكون جد محتشما نظرا لتقاليد المجتمع، فمن تجربتي الخاصة كممثلة ذات موهبة في هذا المجال منذ صغري، تعرضت للقمع من طرف المجتمع، الذي انتمي اليه  بسبب هذه الموهبة، ولكنني تحديت كل العوائق واستطعت أن أفرض ذاتي كإنسانة وكفنانة، رغم افتقار الريف للبنيات التحتية ومعاهد التكوين في عدة مجالات وليس في الميدان الفني والإعلامي فقط.

فحين نتحدث عن صورة المرأة الأمازيغية في السينما المغربية والدراما الوطنية او في الأعمال الإبداعية بشكل عام، فهذا موضوع يجب تعميق البحث فيها، لاسيما وأننا أمام مجال إبداعي يرتبط بشكل أو بآخر بطبيعة التمثلات والتصورات المتداولة عن هذا الكائن الذي لازال لم ينل حقه الطبيعي وسط مجتمع ذكوري.

والسؤال الذي يجب أن يطرح، هو ماهي الأسباب التي تجعل المسؤولين على الإنتاجات الفنية، سواء مخرجين او منتجين، بل حتى الممثلة التي تهرول للمشاركة في مثل هذه الأعمال،  أن يقبلوا بأدوار تحط من صورة المرأة، وتكرس صور نمطية عنها.

ففي رأيي، يستلزم هذا بحثا علميا سوسيولوجيا، يعتمد على آليات علمية ومعرفية للوقوف على مكامن الخلل.

ومن خلال تجربتي أرى، أنه أحيانا نحن الأمازيغ نكون أعداء أنفسنا فنحتقر ونرفض أنفسنا، في الوقت الذي ننادي فيه بالدفاع عن الأمازيغية في اطار ديمقراطي يمنحها بعدا انسانيا كونيا، كي تصبح ثقافة وحضارة تنافس بها الحضارات الإنسانية العالمية، نكون نحن العائق الأول أمام ذلك، سواء امرأة أو رجل،.

إن من يحمل العقلية الذكورية، التي تسيء للمرأة كإنسانة، ليست لدى الرجال فقط، بل للأسف نجدها لدى أغلب النساء اللواتي يكرسن هذه العقلية تجاه المرأة نفسها، بل أكثر من ذلك يصبحن مثل حارسات المعابد، ويريدن جعلنا نحن الأمازيغيات كالأصنام.

* يسرى، يعرض الآن فيلم «دقات القدر» في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة حدثينا عن دورك في هذا الفيلم؟ وما هي القيمة الرمزية للمرأة في الفيلم؟

** « دقات القدر»، حلم راودني منذ كنت طفلة، في فترة المراهقة، كنت أحلم أن أشارك في عمل يقدم الثقافة الريفية في اطار يحترم معايير الجمال والمعايير الإستيتيقية  والذي يقدم الثقافة الريفية بعيدا عن تقديمها في اطار stéréotypes بكونها ثقافة بئيسة، تضم فقط البكاء والشكوى والدم، وكيف يمكننا تقديم ثقافتنا بأنها ثقافة تنبض بالحياة، ويجب الانفتاح عليها، وبأننا مثل البشر فنحن قادرون على الحب والشعور بالمأساة والمعاناة، ولكن أيضا لنكون أحرارا، وأن نحب ونواجه وأن نتمرد.

فهذا المشروع كان فكرتي بالأساس، فالفيلم مقتبس من رواية محمد اليونسي «مع السمفونية الخامسة»، وهو فيلم مطول، أحداثه تؤثث لمرحلة مهمة من التاريخ المعاصر للمغرب، وهي حرب الريف، التي دارت رحاها ما بين 1921 و1926 وهي المرحلة التي تم فيها قصف الريف بالغازات السامة.

إذن الهدف، في ظل الإمكانيات المادية التي توفرت لنا، كان هو تقديم هذا الحدث التاريخي للمشاهد والمتلقي المغربي بطريقة محترمة وذكية. قصة الفيلم تدور بين امرأتين،  الأولى أمازيغية ريفية، تواجه سلطة العادات والتقاليد، التي فرضها عليها المجتمع، هذه التقاليد، التي اقول عنها دائما، بأنها غريبة عن المجتمع الأمازيغي الحقيقي، الذي يكرس نفسه دائما للحرية والانفتاح  و «تويزا» أي التعاون. وهناك تقاليد دخيلة تبناها المجتمع الأمازيغي للأسف، وأصبحت تثقل المرأة، بحيث نجد أنها أصبحت ظالمة في حق المرأة أكثر من الرجل.

 فشخصية «توضا» في فيلم دقات القدر كانت تقاوم التقاليد، وفي نفس الوقت تقاوم رفض زوجها لها كامرأة بسبب مرضه، بعد أن شارك في المقاومة الريفية تحت قيادة المرحوم المجاهد الكبير مولاي محند عبد الكريم الخطابي، وفي هذه الفترة أصبح سكان الريف يصابون بأمراض يجهلونها آنذاك وهي ما يعرف الآن بمرض السرطان، وذلك بسبب تأثيرات الغازات السامة، التي استعملت في حرب الريف.

فشخصية «توضا» كانت تتأرجح ما بين هذه التقاليد التي كانت تؤثر حتى على زوجها بحكم مرضه وعلى فراش الموت، بحيث أن تقاليد المنطقة تقر بتزويج الزوجة لأخ الزوج بعد وفاته، وهنا نجد أن المرأة أصبحت شيء يورث مثل المتاع، وليس لها حق الاختيار.

في الجانب الأخر، قصة امرأة إسبانية شابة تواجه سلطة الدين، وتنحدر من أسرة أرستقراطية، وأبوها جنرال وكان هو الطيار الذي ساهم في رمي الريف بالغازات السامة، و أصيب هو كذلك بالمرض وتوفي به.

وبعد وفاة والدها يتم أخذها للكنيسة كي تصبح راهبة، في الوقت الذي كانت فيه عاشقة لعزف البيانو، فتجد نفسها تواجه سلطة الدين. وهنا نرى أن المرأتين توحدهما المعاناة، فمهما اختلفت الإيديولوجيات وأسباب الحرب، تبقى المعاناة توحد الإنسانية.   

* ماهي الرسالة التي يهدف فيلم «دقات القدر» ايصالها إلى الجمهور ؟

** أولا شكرا على هذا السؤال، واقول إن الرسائل يأتي بها الانبياء والرسل، والنتائج من مسؤولية السياسيين لأن الشعب اختارهم لذلك، والمبدع هدفه تحفيز الناس على إعمال العقل وطرح التساؤلات.

  فالهدف الأساسي من الفيلم هو تحفيز الناس على التساؤل، وحضور السؤال أصبح ضروريا لتحفيز الأجيال الصاعدة على التصالح مع تاريخه والاطلاع عليه، وطرح تساؤلات حول حرب الريف ومتى وقعت وماهي أسبابها وتطورتها وأخير ارهاصاتها.

لكل هذا أقول ،بأن دور الإبداع هو تحفيز المشاهدين على ثقافة السؤال والنقد والانفتاح على ثقافة الجمال، وتطوير معارفهم، فنحن في مرحلة نحتاج فيها إلى معرفة تاريخنا وتصالحنا معه، ولا نحسم بكون تاريخ منطقة معينة يعني فقط المنتمين لها، بل بالعكس علينا أن نعي بأن تاريخ أي منطقة من المناطق المغربية هو تاريخ لكل المغاربة ويعني جميع المغاربة من الشمال إلى الجنوب.

* في الختام ماهي كلمة يسرى طارق لجمهورها وماهي انتظارتها؟

** بصراحة، كإنسانة وبكل صدق أتمنى أن أصل إلى اليوم الذي أجد فيه كل المغاربة متعلمين، وأخذوا حقهم من التعليم الحق، وتكوين معرفي حقيقي يجعلهم منفتحين على القيم الإنسانية الحقيقية النبيلة، وقيم التسامح والنقد والتعايش المشترك، كي يستطيع الفرد وسط المجتمع أن يمتلك الاستقلالية وفي نفس الوقت أن يتصالح مع المجتمع، وتفادي وقوع صدام مابين الفرد والمجتمع، وأن نصل فعلا إلى مجتمع حقيقي يندمج فيه الجميع.

كما أدعو إلى الاهتمام بالمرأة، ثم المرأة ثم المرأة  المغربية ليس كونها امرأة، بل كون التاريخ ظلمها وأعطى فرصا اكثر للرجل، لهذا نجد وضع الرجل أحسن من وضع المرأة، ليس لكون المرأة أقل كثافة، بل بسبب ظلم التاريخ لها لأنه لم يمنحها الفرصة للبروز، لهذا علينا  أن نحاول أن نلغي هذا التأخير الحاصل بتكوين المرأة المغربية تكوينا حقيقيا، لكي نصل إلى مستوى يمكننا الحديث عن المرأة كإنسانة بالدرجة الأولى

* حاورتها رشيدة إمرزيك

اقرأ أيضا

جزائريون ومغاربة يتبرؤون من مخططات النظام الجزائري ويُشيدون بدور المغرب في تحرير الجزائر

أثنى متداخلون مغاربة وجزائريين على دور المقاومة المغربية في احتضان الثورة الجزائرية ودعمها بالمال والسلاح، …

تعليق واحد

  1. Un discours authentique,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *