التعاون البرلماني الإفريقي في ظل التحديات الراهنة

ألقى السيد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب كلمة افتتاح الندوة البرلمانية الإفريقية المنظمة حول موضوع “التعاون البرلماني الإفريقي في ظل التحديات الراهنة” بمقر البرلمان المغربي خلال 6-7 يوليوز 2023.

حيث تحدث عن الانتماء المشترك إلى التربة الإفريقية الخصبة المِعْطَاء، وإلى التاريخ الكفاحي المشترك، وإلى الثقافة الإفريقية الغنية بامتدادها في الزمن، وبتنوعها الفريد الممتد في مجال قاري متسع، بالإضافة إلى تقاسم مشاريع البناء الديموقراطي والمؤسساتي وطُموحَ الصعودِ الإفريقي المأمول.
ومن أبرز محاور الندوة التحديات التي تواجه القارة وتعاظمُها في سياقِ استفحالِ وتَنَاسُلِ الأزمات الدولية المتتالية، ومنها ثم ضرورةُ إيجادِ فضاءاتٍ برلمانية للنقاش المُتحرر من ضوابط المؤتمرات المؤسساتية الموضوعاتية التي تعقد في إطار المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف، كما تم تنظيم الندوة الرغبة في الإسهام الجماعي في دعم الترافع الذي تضطلعُ به هذه المنظمات القارية والجهوية الإفريقية والبرلمانات الوطنية من أجل مصالح إفريقيا
وتندرج هذه الندوة، في إطار اللقاءات البرلمانية الموضوعاتية الإفريقية التي احتضنتها أكثر من عاصمة إفريقية، ومنها ما احتضنه مجلس النواب بالمملكة المغربية الذي كان حاضنا لعدد من الندوات والمؤتمرات حول عدد من قضايا إفريقيا الأساسية من قبيل “إفريقيا في مواجهة الاختلالات المناخية” وتحديات “الاندماج الإفريقي” و”تنقل الأشخاص والبضائع بين البلدان الأفريقية” وغيرها.

وأكد السيد الطالبي العلمي “لا تحتاج التحديات التي تواجهُ قارتَنا اليوم إلى عناءٍ كبير أو جهدٍ خاص من أجل تشخيصِها، ولكنَّها تَحْتاجُ بالأساس إلى أجوبتِنا الجماعية، إلى ذكائِنا الجماعي، وإلى الرفعِ من درجةِ التعبئةِ والتَّأهُّبِ من أجل الترافعِ عن مصالح قارتِنَا أمام ازدهارِ الأنانياتِ القارية والقُطرية في قاراتٍ أخرى، كما تأكد ذلك بالدليل الملموس خلال جائحة “كوفيد 19″ حين واجهت بلدانُنا، حكوماتٍ وبرلماناتٍ وقِوَى مدنيةٍ وسياسيةٍ ومرافق طبية واجتماعية، الوباءَ وتداعياتِه بإمكانياتٍ محدودة، ولكن بإرادةٍ صلبةٍ وبتضامنٍ اجتماعي هو من صُلْبِ الثقافةِ الإفريقية”.
وأضاف “لا أريدُ من خلال هذا التذكير أن أَحْيِي جُرْحًا من الجراح التي عانت منها قارتُنا في سياق علاقاتٍ دولية غير عادلةٍ، ولكن هَمِّي هو التذكيرُ بأن الاعتماد على الذات، وعلى الإرادةِ الإفريقيةِ المشتركةِ، وعلى توحيدِ الجهودِ هو المفتاحُ لرفعِ التحديات التي تكبحُ العديدَ من الدينامياتِ الإنمائية في القارة”.
“على رأسِ قائمةِ التحديات التي تواجهُها قارتُنا الإفريقية، عودةُ تناسلِ النزاعاتِ الداخلية أساسًا في عدد من بلدان القارة، إذ يتعرض الأمن الداخلي في عدد من البلدان للتَّقويض، وذلك بعد أن نجحتْ إفريقيا في التخلص من نزاعات عابرةٍ للحدود وأخرى داخلية، بالتَّوازِي مع بناء المؤسسات الوطنية والديموقراطية، وبعد أن سَارَ تنظيمُ انتخاباتٍ منتظمةٍ في الأغلبية الساحقة من بلداننا تقليدًا سياسيًا يتمُ الحرصُ على احترامِه، وَبَرَزَ جِيلٌ جديدٌ من النخبِ السياسية التي تقودُ إفريقيا على كافة المستويات”.
“وفي مَسْحٍ سريعٍ لِخريطةِ النزاعات عبر العالم، يتبين أن أفريقيا ما تزال القارةَ التي تعاني من أكبرِ عددٍ من النزاعات ومن أعقدِها عبر العالم”.
“وتساهمُ هذه النزاعات في تعميق الهشاشة، وتتغَذى منها، خاصة في السياقات الجيوسياسية التي تمكنت فيها الحركاتُ الإرهابية ونزوعاتُ الانفصال من أخذِ مواطئ أقدام هامة في بعض مناطق القارة مُقَوِّضَةً التنميةَ والبناءَ الديموقراطي والمؤسساتي والاستقرارَ والسلم”.
“وإذا كانَ التحدي الإرهابي في صيغَتِه المعاصرة دَخِيلًا على قارتنا، ومُستورَدًا، ولا علاقةُ له بالبيئة الإفريقية المعتدلة والمسالمة، فإن امتداداتِه وجذورَه الدولية، تجعلُه أكثرَ إيذاءً في السياقات الإفريقية”.
“ولا يكتفي الإرهاب في إفريقيا، بتقويض الاستقرار ولكنه يدفع باتجاه تعميم الفوضى وحالة اللادولة، ويضع يَدَهُ على عدد من الموارد الاستراتيجية في بعض بلدان القارة ليضمن تمويل جرائمه وتَمَدُّدَهُ ويَزِيدَ من مَنْسُوبِ الرعب في أوساط السكان. وهو بذلك يتكامل مع باقي أشكال الجريمة المنظمة ومع الحركات الانفصالية التي يلتقي معها في المصالح والاستراتيجيات والرهانات”.
“وإذا كانت المجموعةُ الدولية، وخاصة القوى النافذة في القرار الدولي، والبلدان الغنية، ممتحنةً في تقديمِ الدعمِ الجِدِّي، الملموسِ والمتنوع من أجل التصدي للإرهاب واجتثاث حركاته، فإن بلدانَنَا الإفريقية مطالبةٌ بتقديرِ حجم خطر الإرهاب الدَّاهِم والمُهَدِّدِ للجميع، وبالأساس تقديرِ حجمِ الخطر الذي يشكلُه التحالفُ بين الإرهابِ والانفصال، ليس فقط على الاستقرارِ والأمن ولكن بالأساس على تفكيكِ الدول مع تداعياتِ كل ذلك على التهجيرِ الجماعي والنزوحِ واللجوءِ والمآسي الإنسانية التي تواكب ذلك”.
“إزاء هذه الأوضاع، فإننا كبرلماناتٍ إفريقية وفي المنظمات البرلمانية الإفريقية متعددة الأطراف، مطالبون بالترافعِ من أجل استراتيجية دولية عاجلة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا تنخرط فيها المجموعة الدولية بجميع الإمكانيات الممكنة، بالموازاة، بالطبع، مع العمل الجدي مع حكومات البلدان المعنية من أجل تنمية محلية مبنية على شراكة تقطع مع الأساليب التقليدية للدعم من أجل التنمية، وتُمَكِّنُ من تحويل إمكانيات إفريقيا إلى ثرواتٍ منتجةٍ للشغل ودامجةٍ للجميع. ومن شأن ذلك، القضاء على التربة الخصبة حيث تنتعش ثقافة التشدد والتطرف والإرهاب”.
“وإنها لمناسبة لتجديد التضامن مع كل البلدان الشقيقة في إفريقيا التي تواجه الأرهاب بأَنَاةٍ وعَزْمٍ وتصميم.
يتطلب حجم هذا الخطر، الزميلات والزملاء، تحولا جذريا في التعاطي الدولي مع الإرهاب في إفريقيا، وتلك مسؤوليةٌ أخلاقية قبلَ أن تكونَ سياسيةً واستراتيجية. ويتطلبُ ذلك أيضا، منا، نحن المشرعين الأفارقة، ممثلي الشعوب، جعلَ هذا المطلبِ في مقدمةِ أجندةِ مُرافعاتِنا في المحافِلِ البرلمانية الدولية”.
ثم استرسل “يتمفصل هذا التحدي الأمني مع ما تفرضه ضروراتُ الأمنِ الغذائي في القارةِ الإفريقية وما يَسْتَتْبِعُ شُحَّ الغذاء، ونقصَ الغذاء، وأحيانا أوضاعَ مجاعةٍ في بعض المناطق الإفريقية، من أوضاع إنسانية. فعدمُ الاستقرار يُقَوِّضُ مشاريعَ التنمية، ويكبَحُ مجموعَ الدينامياتِ الاقتصادية ويُنمِّي اقتصادَ الظِّلِّ الموازي وغير الخاضع للرقابة ولا للتنظيم. وإذا كُنَّا نرفض بشكل قوي نَعْتَ إفريقيا بالقارة “المنكوبَة” كما يَحْلُو لبعض الأدبيات أن تَصِفَها، فإنَّ ضمانَ الأمن لعموم إفريقيا يُسائِلنا نحن الأفارقة أولا، كما يُسائِلُ مفاهيمَ “الشراكة الدولية” و”التضامن” ويسائل مركزَ إفريقيا في الاستراتيجيات الدولية”.
“وقد كشفت الحربُ الجارية في شرق أروبا عن مدى تأثر الوضع الغذائي في إفريقيا بالأوضاع الجيوستراتيجية الدولية وحجم تداعيات المنظومة التي أرسَاها التقسيمُ الدولي للعمل، على بلداننا الإفريقية، والإجحاف الكبير الذي تعاني منه قارتنا. وهكذا ارتفعت أسعار المواد الغذائية على نحوٍ لا يُطاق، وازدادتْ نِسَبُ التضخم مما أَثْقَلَ كاهلَ الأسرِ، ويزيدُ من حجم الإنفاق العمومي”.
“ولكن، علينا أن نتساءل، الزميلات والزملاء، هل الأوضاع الغذائية، والنقصُ الحاد في التموين والعجز عن توفيره لعمومِ مواطنينا في إفريقيا، قَدَرٌ لا رَادَّ له est-ce-qu’une fatalité ? لا أعتقد أن الأمر كذلك. فقارتُنا تتوفر على 60% من المساحات القابلة للزراعة من مجموع المساحات الزراعية في العالم، ومن مناطق عديدة في إفريقيا تتدفق ملايير المترات المكعبة من المياه العذبة في المحيطات، وغاباتُ إفريقيا قادرةٌ على توفير المراعي لرؤوس الماشية التي يمكن أن تغذي جزء هاما من البشرية، وأكبرُ نسبةٍ من الشبابِ القادِرِ على العمل والإنتاج، هي من سكانِ قارتنا”.
“فأين يكمنُ المشكل ؟ صحيحٌ أن الاختلالات المناخية تؤثرُ بشكلٍ حَاسِمٍ على الفلاحة الإفريقية بسبب ما ينجم عن هذه الاختلالات من تصحر وجفاف أحيانا، وفيضاناتٍ في أحيان أخرى، إلا أن كل ذلك هو اليوم قابل للمعالجة والاستيعاب لو توفرت الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي. في هذا الصدد، أود التساؤل معكم عن مدى التزام المانحين الدوليين والقوى التي استفادت لعشرات السنين، وما تزال تستفيد، من تلويث الأرض جراء التصنيع الزائد، بتعهداتها في مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية وخاصة مؤتمر باريس Cop 21 ومؤتمر مراكش Cop 22 في ما يرجع إلى تمويل “الصندوق الأخضر من أجل المناخ” الموجه أساسا إلى البلدان النامية المتضررة من ارتفاع درجة حرارة الأرض، ومنها إفريقيا التي لا تساهم سوى بـ 4% من الانبعاثات الغازية المسببة لاحْتِرارِ الأرض”.
“وثمة عوامل أخرى حاسمة قابلة للتجاوز ما تزال تكبح تطور مصادر الغذاء بإفريقيا : أي الزراعة وتربية الماشية والصيد البحري. فضعف التمويل لا يسمح بقيام مشاريع مهيكلة واستراتيجية تَحَوِّلُ إمكانياتِ إفريقيا في هذه القطاعات إلى ثروات، وعدمُ توفر التكنولوجيات المستعملة يجعل الفلاحة في الغالب الأَعَمِّ، من بلداننا، معاشية وتقليدية، وضعف الإمكانيات لإنجاز المنشآت التي تمكن من تعبئة المياه، لا يُسعف في قيام زراعاتِ مسقية ذات مردوردية عالية ومستدامة”.
“من أجل قلب هذه المعادلات، ينبغني مرة أخرى، للمجموعة الدولية أن تتخلص من نَزَعاتِها المركزية، ومن الأنانيات ومن نزعة تفضيل المصالح القُطْرية بتيسير نقلِ التكنولوجيا، ورؤوسِ الأموال والمهارات وبَرَاءَاتِ الاختراع، ونتائج البحث العلمي وتقنيات الإنتاج، إلى بلدان قارتنا”.
“إلى جانب الأراضي الزراعية والطاقات البشرية، تتوفر قارتنا على موارد بحريةٍ هائلةٍ. فهي تتوفر على 13 مليون كلم مربع من العمق البحري، وعلى 6.5 مليون كلم مربع من الجرف القاري بكل ما تَخْتَزِنُه من مواردَ هائلةٍ، كما تتوفر على 26 ألف كلم من السواحل التي تشكل مجالا لأنشطة هائلة ولمبادلات تجارية قارية ودولية مكثفة ومُرْبِحة”.
“ولِنَتَصَوَّر حجمَ ما يمكن أن توفره هذه الرافعات من إمكانيات لإنتاج الغذاء، وتطوير صناعاتٍ غذائية رائدة”.
“بالإضافة إلى ذلك، تتوفر قارتُنا على إمكانياتٍ هائلة لإنتاج الطاقة من مصادرَ متجددةٍ، بل إن بإمكانها اكتسابُ الريادة الدولية في هذا المجال”.
“وإلى جانب التكنولوجيات والتمويل والمهارات، ينبغي لنا في البرلمانات الإفريقية أن نكون حريصين على حكامة مرافق إنتاج الغذاء وتوزيعه. في هذا الصدد يتعين الحرص على الاستدامة في الإنتاج الفلاحي، وعلى تطوير الفلاحة التضامنية حيث تحتل النساء مكانة الريادة”.
“ويحتاج كل ذلك إلى الثقة في إمكانياتنا وفي ضرورة وأهمية التعاون جنوب – جنوب، وأن ندرك أن إفريقيا هي قارةُ المستقبل والفُرَصِ الواعدة، وإلا فلماذا هي اليوم في قلبِ تنافسٍ دولي كبير، كما يؤكد ذلك عدد الآليات التي يقال بأنها مُسَخَّرَةٌ للشراكة مع إفريقيا . ولماذا تريد جميع القوى الكبرى التَّوفرَ على نفوذٍ اقتصادي بإفريقيا في سياقٍ يحكُمُهُ منطقُ المنافع”.
“في كل لقاء إفريقي، يحضرني نطقُ صاحبِ الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه التاريخي أمام القمة 28 لفائدة الاتحاد الإفريقي يوم 31 يناير 2017 في أديس أبابا عندما قال جلالته “لقد حان الوقت لكي تستفيد إفريقيا من ثرواتها. فبعد عقودٍ من نهبِ ثرواتِ الأراضي الإفريقية، يجب العملُ على تحقيقِ مرحلةٍ جديدة من الازدهار”. انتهى كلام جلالة الملك”.
“وفق هذه الرؤية الملكية الحريصة على مصالح إفريقيا، لابد أن نُذَكِّرَ بالمشاريع الفلاحية الرائدة المبنية على شراكة رابح-رابح التي تنجزُها المملكة المغربية مع عدد من البلدان الإفريقية الأخرى الشقيقة، من قبيل البيوت الرزاعية الإفريقية، ومبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية les trois AAA وكذا مشاريع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط الرائدة لتطوير وتكثيف الفلاحة الإفريقية وتمكين الفلاحين الأفارقة من المخصبات العضوية”.
“سواء في موضوع مكافحة الإرهاب أومعركة بناء السلم أوتحقيق التنمية والديمقراطية والأمن الغذائي ينبغي لنا التعاملُ بمنطق التعاون، واعتماد استراتيجية التعاون والتوجه إلى المستقبل وتعزيز التضامن والشراكة العادلة بالارتكاز على التاريخ، بدروسه ودينامياته، واستخلاص الدروس من الحروب والأزمات”.
وختم كلمته بعبارة “وينبغي علينا الحرصُ على احترام خصوصياتنا الثقافية والمؤسساتية والثقافات الإفريقية كعمق وكأفق وكرافعة للتنمية. وفي كل ذلك، فإنه تقع على برلماناتنا الوطنية مسؤولياتٌ جسيمةٌ علينا الاضطلاعُ بها بتصميمٍ ثابتٍ ينبغي أن يَحْذُونا ونحنُ نرافعُ عن مصالح قارتِنا”.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

تقرير رسمي.. “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”: تدريس الأمازيغية يسير بوتيرة بطيئة والحيز الزمني في الإعلام “ضيق”

أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن “هناك تحديات مرتبطة بتعميم تدريس اللغة الأمازيغية، والتأخر في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *