امحمد عليلوش (iyider النقوب)
لقد بدا لي طرح هذا السؤال مشروعا لمناقشته وبالتالي تناوله بالدقة والتحليل وخاصة عندما اجد نفسي في جدال كبير حول ما يسمى اليوم بأزمة القيم وازمة الاخلاق التي تتخبط فيها الدول التي تسمي نفسها اسلامية و الدول العربية… هذا في الوقت الذي نجد فيه الصراع الحضاري والثقافي دوليا في تزايد مستمر وخاصة بفضل تحكم لغة الاقتصاد و سلطة الاعلام والتكنولوجيا الحديثة. كما ان دوافع التنمية بشتى مجالاتها و دواعي الديمقراطية وثقافة حقوق الانسان الكونية وتبني فلسفة القيم الانسانية العالمية، يجعلنا كدول دينية تعتمد الاسلام كمرجعية اساسية وكمنطلق اول، نطرح عدة اسئلة حول مستقبل الاسلام ومستقبل المسلمين وكذا دورهم في الحفاظ على التوازنات الضرورية للتحديث و الحوار بين الاديان و الحضارات، وبالتالي القيام بقراءة نقدية للذات المسلمة ومدى استعدادها للدينامية والتطور وفق القوانين الدولية الجديدة وكذا محاولة التدقيق في السلوكات و التربية و التنشئة الدينية التي يتربى عليها الانسان المسلم في علاقاته مع ربه وفي علاقاته مع الاخر افرادا او جماعات. ومن هنا يحق لنا ان نطرح مجموعة من الاسئلة والتي نراها ضرورية وهي على الشكل التالي: ما هو سبب تخلف المسلمين؟ ولماذا ينعت المسلمون بالإرهاب والفكر التطرفي؟ ولماذا التخلف و نقص التنمية مرتبط بالدول الاسلامية؟ و هل تمة علاقة بين سلوكات المسلمين حاليا في اغلب الدول وبين الدين الاسلامي؟ ام انه لا توجد علاقة بين الاسلام وما يسمى بالمسلمين؟ ولماذا هذا التباين بين مختلف التيارات الاسلامية؟ اليس الدين الاسلامي دين توحيد ودين اخلاق ودين قيم كونية ودين التسامح ودين التعارف و دين احترام الاخر و الاعتراف بالاختلاف…؟ لماذا ينعت المسلمون بالإرهاب؟ ولماذا يتم ربط الدين الاسلامي بالتطرف في اللحية ومدى طولها وكذا العودة الى الماضي وعيش حياة الرحل وحياة البداوة؟ عوض التحديث والتطوير و اعادة النظر في نمط الحياة؟ ولماذا لا يتم ربط الدين بمتطلبات الحياة اولا قبل الاخرة؟ علما ان الحياة الاولى هي سر نجاح الحياة الباقية اي الاخرة؟
اسئلة في الحقيقة تحيرني دائما كلما احاول ان اقوم بالمقارنة بين الدول وخاصة بين العالم الاسلامي والعالم الغربي، فاجد نفسي احلم بتلك القدوة التي وصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي هي أصل كل النبوة وأصل العلم وأصل التربية وأصل الحياة الاخلاقية. احلم بها في تصرفاتنا اليومية، كما أحلم بالمعاملات التي وصى بها الدين الإسلامي(الدين المعاملة)، فاجد الجواب عند الانسان الغربي اكثر من اخي المسلم والذي ازدحم معه يوميا في قاعة الوضوء وما نضيعه من الماء، وأزدحم معه يوميا على تسوية الصفوف، و أزدحم معه يوميا في الخروج والدخول الى المسجد، ازدحام في الحج، ازدحام في المصلى، في العيد، في الشارع ، في الازقة، في السوق، في كل المناحي ولا نظام يذكر و لا اخلاق مما وصى به الدين… كما احلم باحترام العلم والعلماء وتقديسهم لآن الله تعالى عندما انزل الوحي على الرسول محمد (ص) أمره بفعل القراءة وبالعلم ولم يأمره باي شيء اخر، احلم بذلك في مدارسنا وفي إعلامنا وفي مناهجنا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، في حواراتنا، في اداراتنا، في استراتيجيات العمل … فاجد ان امة اقرأ لا تقرأ وان أهل الكتاب هم من يعرفون قيمة العلم والعلماء وهم من يقودون العالم بفضل التطور العلمي والتقني وهم من يقدمون للبشرية الخدمات الضرورية… فأين الخلل اذن يا أمة الإسلام؟ قد يكون الجواب عند البعض واضح وسهل وفي جملة واحدة فقط. لكن الذي لا يقبله العقل هو: لماذا ثمة شرخ وهوة بين النظري والتطبيق عند هذه الامة التي تنعت بأنها خير أمة أخرجت للناس؟ و لماذا لم يتم معالجة الامر خلال 14 قرن مرت؟ ولماذا لا يتم النقذ الذاتي للذات المسلمة و محاولة البدء بما هو ضروري للتربية والتنشئة الصحيحة و العمل على القيم وعلى المعاملات؟ اليس من حقنا أن نسأل متى سيسلم المسلمون؟ و لأن من يقرأ الدين الإسلامي ويقارنه مع تصرفات و سلوكات ومعاملات أغلب الذين يدخلون في دائرة “المسلمين”، يجد التناقض والتضاد التام. اذ تصبح كلمة “المسلمون” فقط مس(أي السكين) وليمونة بالدارجة المغربية.
فاذا كان الامر فقط مجرد تساؤل حول علاقة المسلمين بالاسم كدين، فان الامر قد ينطبق بشكل شمولي على طبيعة الشخصية المسلمة التي يتم بناؤها في المسجد وفي الاسرة وفي المدرسة وفي الاعلام وفي الشارع وفي كل المؤسسات التربوية ومؤسسات التنشئة الدينية؟ وبالتالي إمكانية التساؤل أيضا حول الاستراتيجية المعتمدة و المقاربة المتبعة في تفسير وتوضيح و ابلاغ الدين وكذا في المنهجية وفي المذاهب وفي الحركات الإسلامية وفي العلماء وفي رجالات الدين و في الاعلام الديني الحالي….؟ ثم اليس من حقنا ان نتساءل أيضا حول فشل استراتيجيات التعلم والتعليم في التربية الدينية وبالتالي خلق تلك الهوة بين ما يتم تعلمه في الخطب وفي كل الدروس الدينية وبين السلوكات والقيم الحقيقية والواقعية للفرد المسلم؟ فكثير من العجم ومن غير المسلمين يتهربون من الدين بفضل تصرفات بعض المسلمين سواء في اروبا وفي أمريكا وفي الدول الغربية وفي الدول الإسلامية… قد يقال بأن هناك حرب إعلامية وحرب صهيونية ضد الإسلام. طبيعي جدا ان نجد ذلك. لكن ما ليس طبيعي هو أن لا نجد مضاد حيوي عند المسلمين…
فاذا كان المجال الجغرافي للبلدان الإسلامية هو الأضعف في حلقة التقدم الحضاري وتوظيف المنجز الحضاري في بناء الدول والمجتمع. اذتواجه الأمة الإسلامية اليوم وأكثر من أي وقت مضى الكثير من التحديات والعقبات التي تحاول أن تدفع بها بعيدا عن أداء دورها في العطاء القيمي والثقافي، وتحول دون تحقيق رسالتها الخالدة ومشروعها الحضاري ذي الأبعاد الإنسانية والإسلامية والكونية…باعتماد مفاهيم و مصطلحات جديدة كالديمقراطية و العولمة و الكونية و حقوق الانسان… فان الدين الاسلامي كما نعرف وكما يعبر عن ذلك كله كل مسلم في كل لحظة، سباق الى ذلك كله. لكن أين ذلك كله في الدول الاسلامية؟ ماذا عن الدولة الاسلامية الحديثة؟
وخلال بحثي في هذا الموضوع اطلعت على ورقة لمحمد بن عبدالله الزامل بكلية التربية بالسعودية حول “الأزمة الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية مظاهرها .. أسبابها .. علاجها”، فوجدت فعلا أن مشروعية السؤال عن اسلام المسلمين و بعدهم عن الدين الحقيقي وعن قوة الايمان وبالتالي غياب التغذية الحقيقية للروح و ترك تغذية الجسد تفسد كل الاخلاق وبالتالي وقوع حال المسلمين في تناقضات بين الجسد والروح وبين النظري والتطبيقي، فالافراط في تغذية الجسد جعل الروح يموت و يؤثر سلبا على جميع التصرفات وجميع الاخلاق مما يؤدي بالفرد الى النفاق الديني فهو مسلم فقط بالعنوان لكن شيء اخر في السلوك…مما خلق ازمة عميقة في القيم بشكل عام وفي الاخلاق والمعاملات بشكل خاص. فيقول صاحب الورقة : “…ولكن حدث تحول في كيان الأمة الاسلامية حتى عادت الى جاهلية حديثة طمست بصيرة الإنسان حتى ربطته بالمادة دون الروح وحصرته في محيط حواسه. وقد أفرز هذا التحول ظاهرة باتت واضحة للعيان في امتنا الإسلامية، الا وهي الأزمة الأخلاقية، حيث طغت المادة على النفوس وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة في كثير من الأحيان، وأصيبت الأمة بشلل عضوي في أجهزتها الخلقية وملكاتها النفسية يعوقها عن التحرك الصحيح، وشاعت فيها أمور لم تكن في سابق عهدها، فالحكم في اغلب البلاد الإسلامية بغير ما انزل الله وحلت القوانين الوضعية محل الشريعة، وفي مجال التربية والتعليم وأصبحت العلوم الإسلامية منفصلة عن العلوم الأخرى، وفي مجال الاقتصاد أصبح الربا ومعاملاته أسلوبا شائعا وأصدرت له القوانين تحله جهارا نهارا، إلى غير ذلك من المظاهر كالغش والتدليس وانعدام الأمانة بين الناس وبالتالي انعدمت الثقة بين أفراد المجتمع، والاستهانة بالعهود وصلات الأرحام وسوء العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم، والقدرة على قلب الحقائق، وجعل الجهل علما والعلم جهلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا.(حريري،1417، ص13)”…
فعلا كل هذا قد يكون صحيحا اذا ما نظرنا الى الواقع، لكن ما يجعلني اسأل من جديد عن صحة المنهج المعتمد؟ فالمنهج المعتمد في الامة الاسلامية وعند علماء الاسلام وربما كله في الخطاب الاسلامي هو منهج الوصف ومنهج البكاء على الاطلال وعلى الماضي وبالتالي لقد كان السلف الصالح والنهج القديم و…. ولا نفكر يوما ما في تغيير المنهج واعتماد منهج مستقبلي في التفكير واعطاء الحلول الممكنة لتجسيد الدين الاسلامي على ارض الواقع وجعل الافراد في اخلاقهم وفي سلوكاتهم قرانا يمشي على الارض مثل الرسول محمد (ص). لماذا لايتم ربط الدين الاسلامي بالحياة واعطاء الحلول لجميع الازمات التنموية وكل الظواهر الانسانية المعقدة؟ ولماذا لا يتم التفكير في اعادة النظر في قراءة الواقع الاسلامي وبالتالي الاجتهاد في المنهجية وفي الطرق المتبعة لنشر هذا الدين؟ ماذا عن علاقة النص بالعقل؟ وماذا عن المنطق العقلي قبل النص؟
وارتباطا بالموضوع دائما اشير هنا الى ما ذكره يهودي في اوروبا وهو جالس مع مجموعة من المسلمين المغاربة، حيث اشار وقال لهم ذات مرة ” لقد ذكرت في جميع الكتب السماوية ثلاث كلمات تبدأ كلها بحرف الصاد وهي العمود الفقري لهذه الكتب، فالتزمنا نحن اليهود بواحدة فقط و تشبت المسلمون بالباقي… فقال له اصدقائه ماهي هذه الكلمات الثلاثة؟ فقال اليهودي: هي الصلاة والصوم والصدق. فنحن التزمنا بتطبيق الصدق وانتم بتطبيق الصلاة والصوم فقط بدون صدق… وفعلا اذا ما حاولنا فهم وتحليل هذا الكلام نجد ان ما يغيب في تصرفات المسلمين هو الصدق فعلا فكيف تصح الصلاة ويصح الصوم بل العبادة كلها بدون صدق مع النفس ومع الله ومع الاخر ومع الجميع؟ فما يقوم به المسلمون اليوم وفي اغلب الاحيان وما يظهر لنا في الحياة اليومية هي ممارسة الدين كتقاليد وعادات وبشكل يغلب عليه النفاق الاجتماعي. ثم ر تركيز اليهودي هنا على قيمة الصدق دليل على اهمية القيم في العمل الديني وبالتالي فغياب القيم التي وصى بها الاسلام في سلوكات ومعاملات الذات المسلمة فان باقي الاعمال والعبادات لا معنى لها.
(مزيد من النقاش والوضوح في مقالات قادمة)