بقلم: خميس بوتكمنت
يبدو أن السيد أحمد عصيد لم يفهم أن الدعامة الاساسية للحراك الريفي هي دعامة الجماهيرية وأن كل قراءة صالونية للحراك لن تُوفق في تحليله وتشخيصه بل وفهمه أيضا، السيد عصيد لم يستوعب أن هذا الحراك هو حراك شعب بكل أطيافه من حرفيين وتجار ومياومين ومعطلين وموظفين ومستخدمين وفئة لم تلج المدرسة يوما، هذا التجانس الحراكي لا يستقيم مع خطوط الأدلجة ولا يمكن حصره بمنظار النخبوية فهو أكبر، السيد عصيد لم يستطع استيعاب أن القاموس الخطابي للحراك هو قاموس الشعب وليس قاموس نقط نظام ومداخلات الندوات، بل لم يستوعب أن هذا الحراك أكبر من الأوراق الأيديولوجية لحركة ضمير أو تنوير اللتين أشرف على ميلادهما رفقة صديقه البامي صلاح الوديع .
على أحمد عصيد أن يدرك أن الريفيين والريفيات لو كان لهم حسا مخونجا كما يدعي لاستطاع المخزن تشتيت هذا الحراك عندما هش بفقهائه ليعتلوا المنابر ليشيعوا أكذوبة الفتنة، الجماهير مسلمة لكنها لم تنشغل بتكفير القمني او البحيري ولم تنشغل بتطاحنات أبي أيوب المصري مع محمد الكيلاني، أستعرض هذا لأقول أن عصيد أخفق كل الإخفاق عندما حاول صباغة المحتجين بلون الإيديولوجيا، فهم ليسوا لا مع التيار الحداثي الرسمي للبام ولا مع التيار المحافظ العدلاوي، هم فقط يلتقون في الميدان، وهذا الميدان ينتظر فيه غير المصلي خروج المصلين من المساجد ليضعوا يدا في يد ويهتفوا لرفع الحكرة، صراعهم مع السلطة السياسية التي تحاصر الريف بقرار سياسي، وليس صراعا إيديولوجيا من أجل تغليب كفة العلماني على الإخونجي أو العكس وليس صراع كلمات أو جمل أو تعابير، فالإثنين اتفقا على الحد الأدنى وهو التخلص من جاكيطا السياسة والأيديولوجيا ونزعها كشرط وصمام أمان لديمومة الحراك حتى تحقيق مطالبه.
أحمد عصيد له مشكل مع تالله والله وخطاب الزفزافي، وهكذا يبدو لنا هذا العصيد المحترم نحن كمشاركين في الحراك قزما وليس قامة، قزما لأنه ينظر إلينا من زاوية اتفقنا أن لا ننظر بها لأنفسنا، لم يرد أن يتخلص من توهم عصيد المحاضر في الندوات والممسك بالميكرو، لم يشأ أن يتخلص من الأستاذية التي اتفقنا أن نتركها لنكون سواسية كي لا نتخندق في تطاحنات التفاضل والتمايز، الأستاذ والبناي سواسية سواهم الحراك، عصيد لم يستطع التيقن أن الريفيات والريفيون يعتنقون الإسلام الشعبي، يختم المعشوقين التهييء للقاء غرامي بإن شاء الله، و يعطس المدمن على الطابا فيقول الحمد لله ويتكرع شارب الجعة فيقول الحمد لله، هؤلاء بعيدون عن حسابات الإسلام السياسي التي يحاول عصيد حصرهم بين خطوطها، هؤلاء ليسوا لا موالين للقاعدة ولا للقرضاوي، هؤلاء فقط يريدون التطبيب والتشغيل والتعليم والعيش الكريم، أما شأنهم الديني فاحتكروه لأنفسهم كخصوصية، هؤلاء تقدميون أكثر من عصيد باعتبار أنهم فصلوا بين الدين والسياسة والحراك، وجعلوا الطقوس الدينية شأنا خاصا والحراك شأنا عاما عكس عصيد الذي يرى أن الشرط الأول اللازم هو معرفتهم من قتل فرج فودة، والفرق بين الدولة الدينية والمدنية، ويتقنون مكامن الخلل عند السيد قطب، وملمين بالاتفاق السري بين محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية …
السيد عصيد ارتكب خطأ عندما حاول اسقاط الحيثيات المصرية على حراك الريف، وواهم هو إن ظن أن هذا الحراك يشبه صراع مرسي والسيسي بكل تجاذباته وتناقضاته، أكبر خطأ لعصيد هو هذا الثقل الشرقاني المخفي في نظرته الذي منعه من التفريق بين الإسلام الشعبي السائد بالريف والإسلام الأيديولوجي والسياسي، والأكثر من ذلك أخفق عندما ظن أن القراءة النخبوية للحراك أكبر من القوة والإصرار الجماهيرين، عصيد تواليه بعض من النخبة بالموافقة، والزفزافي يتفق معه العلماني والإخونجي ليس من منظور اللغة والخطاب بل من منظور الفكرة والهدف والثقة في نقاء سريرته وصدقه وهذا هو الأهم، أما إقحام هؤلاء المحتجين في صراعات معاوية و علي، والنظر إليهم من عين أتاتورك أو الملك فاروق فهذا انتقاص لهذا العظيم الذي أذاب كل النوازع الاختلافية ووحد صفوفنا في الإيمان بأحقيتنا لنكون مواطنين وأناسا بحقوقهم، وابرزها الكرامة والحق في تقاسم الثروة الوطنية، هذا الحراك هو حراك وجدان ريفي وليس مناظرة أو مشاركة في حلقة الاتجاه المعاكس بين متأسلم وعلماني يا مسيو عصيد، فرجاء وللمرة الألف أوقفوا الأقلام الحمراء فنحن لا زلنا نكتب ولم ننتهي لنصحح، وهذه المرحلة مرحلة اجتهاد ومثابرة لتحقيق المطالب وليست مرحلة تنقيط أو فرض وصاية فكرية …