بقلم: جمال أبرنوص*
محمّذ ن سعيذ ن محمّذ الحوصي بنطيب رحمة الله عليه، جدي من جهة الأم. ولد ونشأ بمدشر “ءيحوصن” (ءايث مزذوي) عام 1916، قبل أن يُزَجَّ به، أسوة بالمئات من أبناء الريف، في أتون حرب مستعرة لا كبش لهم فيها ولا حصان [الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)]. عاد الجدُّ، قبيل انتهاء المعارك، موشومَ البال بصور الدماء والأشلاء، عكر الخاطر لهول ما شهده من الفظاعات.
فقد الرَّجُل في هذه الحرب أصدقاء وأَحِبَّة، أقربهم إلى قلبه رجل يدعى “فلّاتو” التوزاني (نسبة إلى قبيلة ءايث توزين الريفية)، مات أمام عينيه، بعد أن حولته إحدى قذائف “الرّوخوس” إلى أشلاء. لم ينس جدي صديقه الصَّفي مطلقا، وظل يُحدث أهل بلدته عن شجاعة الرجل ومروءته. ليس هذا فحسب، لقد حرص جدي، قبل ذلك، على تخليد ذكرى صديقه بطريقة تنم عن وفاء نادر، إذ عمد، لحظة وصوله إلى القرية إلى احتضان ابنه البكر محمد، وقد كان في ميعة الصبا آنذاك، مناديا إياه: “فلاتو!”.
فقد قرر، بذلك، أن يستبدل اسم ولده، رغم قدسية الاسم الذي اختاره قبلا (محمد)، والذي جرت عادة الريفيين أن يطلقوه على أبنائهم الأبكار، وأن يُسَمّيَه باسم صديقه المتوفى عرفانا ووفاءً.
انصرمت السنوات، وكبر خالي “فلّاتو” (شافاه الله وأطال في عمره)، وغادر جدي إلى دار البقاء (عام 1990)، لكن قدر الاسم كان أن يظل حيا على ألسنة أهل البلدة وأحوازها، إذ انتقل (جريا على عادة توريث اللقب لأكبر الأبناء) إلى ابنه البكر محمد (في عقده الخامس، ويقيم راهنا بألمانيا)، فاشتهر هذا الأخير باسم “فـ’ـلاتو” بين أقرانه، حتى ظن أبناء حوض تاركيست، من أقرانه ولِدَاته أو ممن يصغرونهم عمرا، أن هذا الاسم قد خُصَّ به الحفيد لحادثة أو قصة هو بطلها، والذي غاب عن أذهانهم أن للاسم حكاية طويلة جرت أطوارها بضفتي غرب المتوسط يمتزج فيها التاريخ والجغرافيا بالتربية على قيم العرفان والصداقة والوفاء.
*جمال أبرنوص: أستاذ باحث في اللغة والثقافة الأمازيغيتين بجامعة محمد الأول بوجدة