ككل سنة يخلد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية اليوم العالمي للمدرس (ة)؛ وفي كل سنة يختار المعهد ثلة من الفاعلين التربويين والأساتذة والمؤطرين والمكونين للاعتراف لهم بما قدموه من مجهودات وخدمات وأعمال جليلة في سبيل إرساء تدريس اللغة الأمازيغية؛ وإذ يشاركُ المعهد، هذه السنة، الأسرة التعليمية المغربية، وعبر أقطار العالم، الاحتفال بهذا اليوم العالمي، فإنه يستحضرُ المهام الجسيمة الملقاة على عاتق المربيات والمربين في تمكين المتعلمات والمتعلمين من تعليم جيد، مدى الحياة، وذلك كما تم تسطيره ضمن أهداف التنمية المستدامة التي وضعها المنتظم الدولي بحلول سنة 2030؛ ويستحضر المعهدُ أيضاً أوضاع هؤلاء المربين والمربيات على مستوى الحقوق والواجبات وظروف العمل والأطر القانونية التي تحدد لهم هذه الحقوق كما تمت المصادقة عليها سواء من خلال التوصية المشتركة بين اليونسكو ومنظمة العمل الدولية أو من خلال مقررات مؤتمر الحكومات بشأن التربية الذي انعقد بباريس في 5 أكتوبر 1966.
إن هذه الحيثيات مقرونة هذه السنة بشعار “أطر تربوية قوية لمجتمعات دائمة”، الذي رفعته اليونسكو لتجعلنا نسائل أنفسنا:
1. هل وفرنا الأعداد الكافية من المدرسات والمدرسين والمكونات والمكونين والمفتشات والمفتشين ومختلف فئات الأطر التربوية؟
2. هل قمنا بتكوينهم وتأهيلهم بشكل ناجع وفعال كما أوصت بذلك القمة العالمية للتربية المنعقدة بأوسلو بالنرويج هذا العام (2015)؟؛
3. هل مكناهم جميعاً من الأدوات البيداغوجية والديداكتيكية الكافية والضرورية للقيام بمهامهم على أحسن وجه؟؛
4. هل استثمرنا في تكوينهم الأساسي والمستمر من خلال بلورة استراتيجيات وتدابير قمينة بجعلهم في مستوى التطلعات؟
5. هل منحناهم الضمانات القانونية والعملية للاشتغال في جو تسوده الطمأنينة النفسية وتدفع بهن وبهم إلى العطاء أكثر؟
6. هل مكناهم من التمتع بكامل حقوقهم المادية والمعنوية، وشجعناهم بل وحسسناهم بالثقة في المستقبل؟؛
إن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي دأب منذ إنشائه، وبشراكة مع وزارة التربية الوطنية، على الاهتمام بهؤلاء الفاعلين الأساسيين في المنظومة التربوية من خلال مصاحبتهم في محطات مختلفة من حياتهم المهنية، وتنظيمه للعشرات من دورات التكوين وإنتاج العديد من الأدوات البيداغوجية والديداكتيكية والدراسات الميدانية التي بلغت أكثر من أربعين مؤلفاً، وتخصيص العشرات من الجوائز والتكريمات والاحتفاءات السنوية ليسجل مع ذلك أن العمل مازال طويلاً؛ وأن الاشتغال في مجال تدريس اللغة الأمازيغية والتأطير والتكوين والبحث العلمي يحتاج إلى بذل مجهود أكبر بتنسيق وتعاضد تامين بين المؤسسة والوزارات الوصية؛ إن جل المؤشرات تؤكد لنا على أن:
ما سطرناه منذ سنة 2003 في مجال التعليم لا يزال بعيد المنال؛ فـ:
1. وتيرة التعميمين العمودي والأفقي تسير بتباطؤ كبير بل وفي أحيان كثيرة تتراجع إلى الوراء بحكم تعاقد العديد من الفاعلين التربويين وبفعل الإعفاءات المتتالية التي مست العشرات من الأستاذات والأساتذة خلال هذه السنة وخلال السنوات الماضية؛
2. أعداد المتعلمين المستفيدين من دراسة الأمازيغية لا يتجاوزون 500 مائة ألف مستفيد (ة) من ضمن أكثر من خمسة ملايين (وهو عدد ضئيل)؛
3. عدد المكوّنين من الأساتذة، في إطار التكوين المستمر والذين وصلت نسبتهم إلى حوالي 14.000 أستاذة وأستاذ سنة 2009 لم يُستثمروا بالشكل الأفضل بحيث أن الممارسين منهم لا يتجاوزون 5000 (بل وهم في تناقص مستمر)؛
4. أعداد المفتشات والمفتشين الذين تم تكوينهم وتم صرف أموال مهمة من أجل ذلك أغلبُهم لم يعد يمارس مهامه التأطيرية والبيداغوجية في مجال تدريس اللغة الأمازيغية؛
5. أعداد المكونين والمكونات في مراكز التكوين الذين قُدروا ابتداء بأكثر من 45 مكونة ومكون لم يعودوا كلهم مكونين بل إن المراكز تعيشُ خصاصاً كبيراً في هذا المجال؛
6. أعداد المتخرجين من مسالك الدراسات الأمازيغية بالجامعات المغربية الذين تجاوز الألف (1299 متخرجة ومتخرج) وأعداد المتخرجين من الماستر الذين وصلت أعدادهم إلى 164 لم يتمكنوا من ولوج مجال التعليم رغم الحاجة الماسة إليهم؛
7. أن الممارسين من الأستاذات والأساتذة المكلفين يعشن ويعيشون أوضاعاً نفسية غير مستقرة على المستوى المهني وينتظرن أو ينتظرون اللحظات الصادمة التي يُقال لهم فيها إنه قد تم الاستغناء عنهم؛
8. أن العديد من الأساتذة والأستاذات المتخصصين والمتخرجين من المراكز الجهوية للتربية والتكوين يُفرَضُ عليهم تدريس مواد أخرى رغم كونهم متخصصين وقلة والأمازيغية بحاجة إليهم؛
وبطبيعة الحال فإن كل هذا يأتي في سياق تؤكد فيه المندوبية السامية للإحصاء أن عدد الناطقين بالأمازيغية بالمغرب في تراجع مستمر وأن أعدادهم لا يتجاوزون 27 في المائة؛ وهو أمرٌ يدفعنا إلى أن ندق ناقوس الخطر، ونؤكد للوزارة ولجميع المؤسسات التابعة للحكومة أن الأمر جد، وأنها مُلزمةٌ في أقرب الأوقات بـ:
1- جعل تدريس الأمازيغية أولوية الأولويات في تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 للوزارة الوصية وفي تنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛
2- توفير العدد الكافي من المدرسين والمدرسات حتى يتم تعميم تدريس اللغة الأمازيغية عمودياً وأفقياً لا أن يتم الاستغناء عن العدد القليل الذين كانوا يمارسون تدريسها بذريعة الخصاص في مواد أخرى؛
3- تكوينهم وتأهيلهم بالشكل الذي يجعل منهم ناجع وفعال كما أوصت بذلك القمة العالمية للتربية المنعقدة بأوسلو بالنرويج هذا العام (2015)؟؛
4- توفير الاستقرار النفسي والمهني لهؤلاء المدرسين والمدرسات بترصيد تجربتهم وتجربتهن الثرية وجعلهم وجعلهن ضمن القاعدة الأساسية للموارد البشرية الأمازيغية التي يجب أن يقوم عليها صرحُ التعميم والتجويد نظراً لما اكتسبوه واكتسبناه من خبرة في المجال منذ أكثر من 12 عشر سنة؛ لا أن يتم الاستغناء عنهم في آخر لحظة؛
5- ترصيد كل المكتسبات واستثمار كل الموارد البشرية المؤهلة ومواصلة فتح الشعب ومسالك اللغة الأمازيغية وآدابها في جميع كليات الآداب بالجامعات المغربية وفتح الباب أمام كل الخرجين المؤهلين لتأطير الطلبة وتكوينهم.
وبطبيعة الحال فإن كل هذا العمل لا يمكن أن نقوم به إلا مع نساء ورجال التربية أمثال هؤلاء المكرمات والمكرمين؛
– مع أمثال الأستاذ عبد الهادي إمحرف الذي يناضل على مستولى الجامعة كي تأخذ الأمازيغية مكانتها؛
– مع أمثال الأستاذ أحمد كيكيش النائب الإقليمي لنيابة سلا الذي يعملُ بجد من أجل أن يوسع مجال تدريس الأمازيغية وبرزت لمسات ذلك في أعداد المدرسين وكذلك في أسماء المدارس التي كُتبت كلها بتيفيناغ؛
– مع أمثال السيد عبدو لحسن مدير مدرسة محمد حصار – جماعة تابريكت الذي وضع الشروط الجوهرية لتسهيل مأمورية التدريس بمؤسسته؛
– مع أمثال الأستاذ عبد العزيز بوفود الذي أخذ على عاتقه تأطير وتسهيل المأموريات البيداغوجية والتنظيمية للسيدات والسادة المدرسين؛
– مع أمثال الأستاذ محمد عليمو الذي أخذ على عاتقه تكوين الطلبة-الأساتذة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؛
– مع أمثال الأساتذة أمثال الأستاذة سعاد القاد والأستاذ عبد الرحمان الطويل اللذين قدما الدليل الواضح على مهنيتهما وجودة الدروس التي يقدمانها للتلميذات وللتلاميذ في فصولهم.
عبد السلام خلفي