قبل سنوات جاء مسؤولون من مجموعة زلاغ هولدينك إلى قرية “ريستو” مرفقين بعضو من المجلس القروي لجماعة تيداس يمثل ساكنة ريستو، وقد التقى بعدد من السكان بغرض الحصول على موافقتهم من أجل تشييد “شركة لصناعة الكاشير ولحم الدواجن المبخر”. استبشر الناس خيرا ومنهم من منح بطائق تعريفه الوطنية للعضو المذكور من أجل إتمام إجراءات الموافقة على المشروع، علما أن نسبة كبيرة من الساكنة تعاني الأمية والجهل بالإجراءات والمساطر القانونية. وفي سنة 2011 شرع زلاغ هولدينك في تشييد مشروعه. بحيث تمت إقامة بناية ضخمة على بعد أمتار قليلة من مدرسة القرية بالإضافة إلى 9 مباني أخرى على الطريق الرابطة بين تيداس والمعازيز. شرعت أطلس كوفوار في العمل حيث التحق النساء والشباب الأكثر فقرا للعمل بها ليكتشفوا أنهم أمام وحدة لتفريخ الدجاج لا مصنعا للكاشير، وقد غادر بعض الشباب بعد أيام قليلة بعد اكتشافهم أنهم أمام تدليس وتلاعب بالمشروع الذي تحول من مصنع للكاشير إلى شركة لتفريخ البيض وتربية الدجاج.
في ظرف أشهر قليلة أصبحت الساكنة المجاورة لحضائر تربية الدجاج تشتكي من الروائح الكريهة وانتشار البعوض، أما في وحدة التفريخ القريبة من المدرسة فإن المواد المستعملة في تعقيم الوحدة وعجلات الشاحنات التي تقل صغار الدجاج تخلف رائحة خانقة تمتد لتصل إلى أقسام المدرسة، فضل عن ذلك كلما انقطع التيار الكهربائي إلا ولجأ عمال الشركة إلى المحركات التي يسبب هديرها إزعاجا كبيرا لأطفال المدرسة الذين يتوقفون عن الدراسة بسبب هذا الإزعاج.
في الآونة الأخيرة (منذ حوالي شهرين تقريبا)، بدأت الشركة في تشييد حضائر دجاج جديدة على مسافة قريبة جدا من المدرسة والتجمع السكني (حوالي 9 مباني جديدة)، علما أن المعايير المعمول بها عالميا تمنع إقامة حضائر الدجاج قرب التجمعات السكنية والمؤسسات التعليمية، إذ يتعين احترام مسافة أقلها كيلومترين شرقا وغربا وجنوبا وشمالا من الساكنة، ويمنع إقامتها في المناطق الزراعية والتي تتوفر على فرشة مائية جيدة، وهو حال قرية ريستو ومنطقة آيت بومكسى عموما التي تعتبر منطقة خصبة وغنية بفرشتها المائية الجيدة (القانون المغربي يصمت على هذه المسافة ولا يحددها.(
1- الترخيص للمشروع:
تحيط السلطات هذا المشروع منذ مراحله الأولى بتعتيم كبير، المعلومات القليلة المتسربة تفيد بأن الترخيص لا يشير إلى أنه يوجد بالقرب من التجمع سكني والمدرسة. بل أكثر من ذلك، يتم التعامل مع السكان على أنهم محتلون لأراضي الدولة، علما أن هذه القرية قديمة جدا (قبل الاستعمار الفرنسي). لقد تم استغلال أمية وجهل السكان لتمرير هذا المشروع في إطار المخطط الأخضر الذي يهدف من بين ما يهدف إليه، القضاء على الفلاحين الصغار الأمر الذي سيؤدي إلى هجرة قروية وتشريد الآلاف من العائلات.
2- حق ساكنة الريستو في أرضها:
تتكون قبيلة آيت بومكسى الكبرى من مجموعة من القبائل الصغرى (آيت العنزي، آيت بوبكر، آيت بابود، آيت زاغو، آيت عمو، آيت بوكيمال، آيت المحفوظ) يعيشون فوق هذه الأرض من عهود طويلة، لا يعرفون أرضا غير هذه الأرض التي ولدوا فوقها رغم عدم تسجيل بعضهم لملكية أراضيهم ودورهم السكنية باسمهم.
توجد هذه القبيلة على هضبة تقع عند قدم الأطلس المتوسط، تعرف بخصوبة تربتها وجودة فرشتها المائية، معظم سكانها يعيشون من الزراعة والرعي.
في بداية العشرينات من القرن الماضي جاء رجل يوناني إلى المنطقة يدعى أرسطو كيكيس“Aristot Kikejis “، اشترى مساحات كثيرة من بعض أهالي المنطقة آنذاك، وغالبا ما كانت هذه الأراضي مجاورة لمساكنهم التي احتفظوا بها. شيد أرسطو ضيعة فلاحية كبيرة مختصة في إنتاج الفواكه، وشيد مدرسة ومسجدا للسكان وظل يعيش مع أهل القرية التي كبرت واتسعت أكثر وأصبح تحمل اسمه (ريستو). رحل كيكيس أرسطو إذن إلى اليونان في 1978 مباشرة بعد إقرار سياسة مغربة الأراضي، حيث ستفوت ضيعته للدولة وتصبح تابعة في ما بعد لشركة سوجيطا ليتم اقتلاع كل الأشجار المثمرة لتعوض بزراعة الحبوب والقطاني.
الآن بعد مجيء مشروع “زلاغ هولدينك” تعاملت الدولة مع ساكنة قرية “ريستو” وكأنها غير موجودة على الخريطة، مع أن معظم ساكنتها من السكان القدامى والمالكين الأصليين لأراضي سوجيطا. هذه الساكنة يتجاوز عددها 300 نسمة بالإضافة إلى ساكنة 6 دواوير ومدرسة ابتدائية يتجاوز عدد الأطفال المتمدرسين فيها 120 تلميذا وتلميذة.
3- شركة أطلس كوفوار:
هي الشركة المستثمرة في المشروع وهي متفرعة عن مجموعة زلاغ هولدينك المتخصص في إنتاج الدواجن. وفي شهر دجنبر 2013 أعلن زلاغ هولدينك في بلاغ صحفي نشرته الصحافة أن الشركة الدولية للتمويل« IFC»العضو في مجموعة البنك الدولي أصبحت شريكا في رأسمال مجموعة زلاغ هولدينك خاصة في مشاريع إنتاج الطيور الداجنة في إطار ما يعرف بالمخطط الأخضر الذي يهدف إلى القضاء على الملكية الصغيرة لأراضي صغار الفلاحين.
4- الأخطار الصحية والبيئية للمشروع:
تشتكي الساكنة من انتشار الروائح الكريهة، وانتشار بعض الأمراض الجلدية وأمراض الحساسية، فضل عن أمراض الماشية وتلوث المياه والهواء.
وفي علاقة بالموضوع سبق لدراسة فرنسية أن نشرت بمجلة الأمراض المعدية الأمريكية ”The Journal of Infectious Diseases” سنة 2011، حذرت فيها من وجود سلالة جديدة أكثر شراسة من باكتيريا السالمونيلا في بعض الضيعات الخاصة بتربية الدواجن بالمغرب. والباحثون الفرنسيون الذين أجروا الدراسة عبروا حينها عن تخوفهم من انتشار هذه الجرثومة المسببة لوباء “السالمة” الذي يضرب الإنسان والحيوان على حد سواء موضحين أن أسباب ظهور هذه الجرثومية تعود إلى استخدام مضادات حيوية معروفة باسم «فليوروكينولون» المستعملة في إنتاج الدجاج والديك الرومي.
إن الساكنة والأطفال على وجه الخصوص مهددين بالأمراض الفيروسية والجرثومية التي تنتقل من الدجاج إلى الإنسان عبر الهواء لعل أخطرها أفلونزا الطيور.
ولا شك أن الأخطار البيئية، كما تؤكد المنظمة العالمية للصحة، تقف وراء ربع إجمالي عبء المرض في جميع أنحاء العالم، ووراء أكثر من ثلث عبء المرض الذي ينوء به الأطفال. وفي مقدمة ذلك الإسهال والعدوى التي تصيب الجهاز التنفسي السفلي، ومختلف أشكال الإصابات.
والجدير بالذكر أن عبء المرض أفدح بكثير في بلدان العالم الثالث، ويشمل الآثار الصحية الناجمة عن الأخطار البيئية أكثر من 80 من الأمراض وأنواع الإصابات.
5- الإطار القانوني المنظم للقطاع والفراغ الموجود:
لا يشير القانون 49.99 المتعلق بالوقاية الصحية لتربية الطيور الداجنة وبمراقبة إنتاج وتسويق منتوجاتها إلى المسافة التي يجب أن تفصل هذا النوع من المشاريع عن التجمعات السكانية، بل ينص على أنه سيصدر مرسوم يحدد هذه المسافة. هذا المرسوم لم يصدر حتى الآن. الدولة الآن ترخص بمشاريع من هذا القبيل دون أن تولي أدنى اعتبارا لصحة وسلامة الناس والبيئة.
6- تطورات الملف:
نظم السكان العديد من الوقفات الاحتجاجية بسب هذه الكارثة البيئية التي وجدوا أنفسهم أمامها، كما راسلوا جهات متعددة دون أن يتلقوا الرد الشافي. جمعية آباء وأمهات تلاميذ مدرسة آيت بومكسى وجهت أخيرا رسالة إلى مجموعة البنك الدولي كون “الشركة الدولية للتمويل” عضو مجموعة البنك الدولي شريكة في رأسمال مجموعة زلاغ هولدينك خاصة في المشاريع تربية الطيور الداجنة.
كما تمت مراسلة منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة وسفيرة النوايا الحسنة الممثلة أنجيلينا جولي، وسفير النوايا الحسنة اللاعب ديفيد بيكهام من أجل التدخل العاجل وحل هذا المشكل الذي هدد صحة وسلامة الأطفال.
وقد تشكل يوم الأحد 23 فبراير 2013 ائتلاف يتكون من أزيد من 12 جمعية فعالة بجماعة تيداس وقرية ريستو والنواحي، أطلق عليه “الإئتلاف المحلي لجماعة تيداس” حدد برنامج من أجل التحرك العاجل.
فتيحة أعرور