بقلم : إبراهيم بن لعليد*
في بلد يزخر بالتنوع اللغوي حيث توجد اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، من المفيد أن ينصرف النقاش العمومي إلى لغة العدالة وأن يحظى بالمستوى اللائق به، فبطرح لغة العدالة للنقاش العمومي، نكون بدون شك في عمق علاقة لغة التقاضي بضمانات المحاكمة العادلة. فمعظم المحاكمات اختل فيها ميزان العدالة بسبب اللغة، لذلك تبقى هذه المحاكمات ناقصة من حيث العدل.
والمحاكمة العادلة بمفهومها الواسع تلازم الشخص في كل مكان وزمان. تبدأ قبل الاعتقال؛ فلا حق للاعتقال والمتابعة بدون سند قانوني، وأثناء الاعتقال بحيث تشمل مرحلة البحث التمهيدي ومرحلة التحقيق علاوة على مرحلة المحاكمة، والأهم تمتد إلى عمق المؤسسات السجنية لاسيما بعد صدور مقرر قضائي.
ففي جميع هذه المراحل، تحظى اللغة بأهمية كبيرة لدى الشخص المعني كما هو الشأن بالنسبة للجهات المختصة. وبذلك لا مندوحة من مناقشة موقع اللغة لدى المشرع المغربي في إطار القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية علاوة على القانون المنظم للسجون تحت مجهر المستجد الدستوري المتعلق باللغة الأمازيغية.
أولا: على صعيد القانون الجنائي:
لمساءلة شخص تتطلب مقتضيات العدالة أن تكون إرادته تتعمد الخروج على أوامر المشرع ونواهيه، أي أن الجاني لديه علم بالقانون على وجهه الصحيح. ولما كانت أوامر ونواهي المشرع مكتوبة باللغة العربية والفرنسية دون الأمازيغية كمستجد دستوري فإننا أمام محاكمات غير عادلة من البداية. فلو كان الأمر يتعلق بالجرائم التقليدية فحسب كالسرقة والقتل وغيرها لتعذر علينا القول بأنها محاكمات غير عادلة لأنها بكل بساطة جرائم يستهجنها الجميع بصرف النظر عن اللغة.
ومادام الأمر يتعلق بجرائم مصطنعة أو حديثة فإننا بدون منازع أمام محاكمات غير عادلة لا تراعي معطى اللغة في مخاطبة الأفراد بلغتهم حتى يتسنى لهم معرفة الأفعال المجرمة من المباحة.
ولتجاوز ذلك نوجه النداء للمشرع الجنائي، تماشيا والمستجد الدستوري، الذي يقر بأن الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، صياغة قانون جنائي بلغة أمازيغية حتى يتمكن من يتكلم بها بمعرفة الحدود المسموح بها ومعرفة ما له وما عليه.
فكتابة القانون الجنائي باللغة الأمازيغية يعد الخطوة الأولى والبداية الحقيقية للمحاكمات العادلة، حيث تليها الإجراءات الجنائية.
ثانيا: على صعيد قانون المسطرة الجنائية
لما كانت الجهات القضائية المعنية في الكثير من الحالات لا تحسن الحديث بلغة المتقاضين، نص المشرع الجنائي، أمام قوة الواقع، على المترجم في أغلب الإجراءات الجنائية. ولا شك أن معطى المترجم يفهم من خلاله المتقاضي الكثير من الأمور أقلها الغربة في وطنه؛ فمثلا حضور مواطن مترجم لكلام مواطن اخر لا يفهم لغة القاضي والجهات ذات الصلة تحمل في ثناياها تحقيرا لمواطن على اخر.
إن إصدار أي مقرر قضائي مبني على الاعتقاد الصميم والقناعة القضائية التي هي وجدان القاضي. والاقتناع الوجداني للقاضي يتم بمناقشة الأدلة أمامه حضوريا، ونعلم أن المناقشة تتم باللغة العربية وهو ما يدفعه للاستعانة بمترجم لأنه لا يفهم لغة الشخص الذي يتواجد أمامه وكأنه من دولة أجنبية.
في هذه الحالة يستحيل الحديث عن الاقتناع الصميم للقاضي بسبب معطى اللغة؛ فالشخص الماثل أمام القاضي همه الوحيد مخاطبة المترجم الذي لا يستطيع، في جميع الأحوال، إيصال معاناته أو المطالبة بحقوقه المهضومة. كما يصعب الحديث أيضا عن المحاكمة العادلة إذا كان الشخص يتقن قليلا اللغة العربية، فقد يفهم الشخص نصف ما قاله القاضي وقد يعبر الشخص عن جزء تافه في قضيته لأن اللغة تعوزه. وهو ما يدفعنا للقول بأن الاقتناع الصميم للقاضي ناقص والخطير في الأمر قد يكون مجانب للصواب، وبدون جدال نكون أمام محاكمات اختل فيها ميزان العدالة بسبب اللغة.
في خضم كل هذا ننادي على المشرع لإدراج الأمازيغية في تكوين الجهات ذات الصلة بالمحاكمة العادلة لا سيما القضاة.
ثالثا: على صعيد القانون المنظم للسجون:
مما لا شك فيه أن المحاكمة العادلة بمفهومها الواسع تمتد لتشمل تواجد المعتقل بالمؤسسة السجنية كما أشرنا إلى ذلك سلفا. والغرض من إيداع المعتقل بالمؤسسة السجنية يكمن أساسا في إعادة تأهيله وتهذيبه، وغالبا لا يتحقق بالنسبة للأشخاص الذين لا يتقنون العربية والدارجة على حد السواء. وهو ما سيجعله يعاني من التمييز بسبب لغته الأم وقد يحرم من مجموعة من الحقوق التي ينص عليها القانون.
وحتى لا تكون اللغة محنة يومية للمعتقلين، باعتبارها وسيلة للتواصل مع الساكنة السجنية والموظفين المكلفين بتنفيذ القانون، نرى لزاما تدخل المشرع لإدراج التكوين باللغة الرسمية للموظفين بالمؤسسات السجنية.
عموما، نسجل في كل قانون علاقة اللغة بضمانات المحاكمة العادلة، فلا يستقيم الحديث عن المحاكمة العادلة بعيدا عن لغة التقاضي في جميع المراحل.
وفي الأخير ندعو المشرع للتسريع في مناقشة القانون التنظيمي المتعلق باللغة الأمازيغية .
* طالب باحث في سلك الدكتوراه وموظف بالكلية المتعددة التخصصات بالراشيدية
السي ابراهيم، تحية طيبة على هذا المقال المفيد، عندما تحدثتم عن كتابة الأحكام والقوانين باللغة الأمازيغية، أنا أرى أنه من اللازم أولا تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية، وإيلاءها المكانة اللائقة بها وترسيمها فعليا، ليس إيداعها حبيسة الأوراق والأرشيفات ولغة الخشب، ومحاربة الأمية في هذه اللغة العملاقة والمخضرمة والمقاومة، أنذاك يمكننا أن نتحدث عن كتابة القوانين بها والتكلم بها بشكل معياري .