وقع عدد من المثقفين والسياسيين، بينهم عدد من الفاعلين في الحقل الأمازيغي بالجزائر، ميثاقا سياسيا يدعو إلى أنها الحكم المركزي وتبني النظام الفيدرالي بالجزائر”. مؤكدين أن ” اختيار لنمط نظام الجهوية أو ما يعرف بالنظام الاقليمي “Etats-régions” فإننا بذلك سننظم إلى مصف الدول الحديثة، لقد ظللوا الجميع باختلاق مخاطر لمثل هذا النمط الإداري في التسيير”. وأضاف الميثاق أن ” الجماعات المتربعة على الحكم الممركز للسلطات كان بهدف الاستحواذ والسيطرة بدون منازع على السلطة. الكل كان يعمل لصالح قلب النظام. إذ ثبت لنا وعلى أنقاضنا لعشريات خلت، أن استدامة هذا النمط ستنجر عنه صراعات ونزاعات بين المواطنين”.
وأكد أنه “لا يمكن الوصول إلى هذه الغاية دون إعادة هيكلة الدولة. تعيش الأمم تعددياتها بشكل هادئ و طبيعي. نظرا للطبيعة المركزية و الإيديولوجية للدولة و التي بقيت عليها إلى حد الآن، لم تستطع الجزائر معالجة الخلافات السياسية و الاجتماعية العادية”. مضيفا “إذا اخترنا نمط نظام الجهونة (أو النظام الإقليمي) الموحد”unitaire Etats-régions” سنلتحق بصف البلدان العصرية. تم تخويفنا لعقود طويلة بتلويح مخاطر الناحية (Région)، و بهذا التصرف استطاعت العصابات الحاكمة بالمركزية المفرطة أن تفرض وجودها الدائم و سلطتها المهيمنة على كامل البلاد.
وأضاف الميثاق “أصبح الوطن برمّته يعمل لصالح قلب النظام. هذا النوع من الحكم، و هذه هي تجربتنا لعقود طويلة، يضمن استمراره بافتعال الخلافات بين مواطني النواحي المختلفة. كما تفرز مثل هذه الأنظمة المركزية مسالك إدارية عنكبوتية و غامضة، مواتية لظهور بؤر و دوائر الفساد. هذا عكس الإدارة المحلية الأكثر فعالية نظرا لقدرتها على التفاعل السريع و الأكثر شفافية نظرا إلى سهولة المراقبة”. مشيرا إلى أن “الأمة المتحضرة هي الأمة القادرة على التوافق. لهذا، يجب مناقشة المسائل الكبرى و بدون إطالة للوصول إلى بناء نظام جديد يأخذ بعين الاعتبار تنوعنا و تعدد أفكارنا”.
وزاد:”هكذا نستطيع تشييد دولة قوية، يسمع صوتها و تحترم بين الأمم بفضل الرأس المال المعنوي و القدرات البشرية التي تؤهلنا لذلك. امة تديرها دولة تنتهج سياسة اجتماعية عادلة و تبني اقتصاد ناجع يعتمد على خلق الثروة و لا على الربع النفطي الموجه عادة في صالح الجماعة الحاكمة. نملك لهذا الغرض شباب اظهر، في هذه الظروف المتأزمة، قدرات غير منتظرة. يجب وضع حد لآليات الزبائنية و ترسيخ مبدأ الاستحقاق (méritocratie) الذي يكافئ بإنصاف الجدارة ويثمين الجهد المبذول. بهذه الطريقة نصل إلى إدماج الشباب بطريقة سليمة في المنظومة الاقتصادية التي ستجد نفسا جديدًا و غايتها في خدمة الفئة المحرومة. إن الجزائر التي ضحى من اجلها الأسلاف، تلك ” الجمهورية الديمقراطية و الاجتماعية” لا و لن تقبل البطالة المُعدية و المستدامة و لن ترض برؤية الشباب المهمشين الّذين يضخمون قوافل غرقى الاقتصاد في مياه البحر الأبيض المتوسط”.
وقال الميثاق إن “الجزائر تعيش تحدي تاريخي في منتهى الأهمية: تزويد البلاد بدولة وطنية، قوية بمؤسّساتها، تضمن الاستقرار، الحرية، العدالة و الازدهار. ثورة الـ22 فبراير، القوية بتعبئة لم يُشهد لها مثيل، المتشبّعة بروح مواطنة اِنحنى لها الجميع، تنادي باستكمال ثورة التحرير الوطني بإمتداداتها السياسية و المؤسساتية التي أجهضتها صراعات العصب سنة 1962 و الأنظمة التي أولدتها”.
وزاد إن “الثورة الديمقراطية انطلقت في هذه الأثناء المفصلية، التي يتحدد فيها مصير الجزائر بين قوة التغيير و العصرنة من جهة، و الذين يشعرون بالحنين إلى سنين القهر و المتكتلون تحت راية بقايا النظام القديم من جهة أخرى، يتعين على الوطنيين الأحرار أخذ مسؤولياتهم. فإتحاد الوطنيين حول رؤية سياسية و إستراتيجية وفية لتضحيات الماضي و نداء اليوم، هو من أي وقت مضى لضمان نجاح هذه الثورة و إفشال المناورات التي ترمي بكل ثقلها لإعادة بعث النظام القديم”.
وأضاف “إن الساعة حاسمة: لا تقبل التردد، و لا اللامبالاة، و لا الجدالات التظاهرية و العقيمة، تفرض علينا الوقوف في الصف الأمامي للنضالات بكل فطنة و فعالية و صرامة.الوضع يتعلق بمصير بلادنا و مستقبلنا، و بالتالي لا يجوز لأي كان أن يجعل من هذا الظرف الحافل بالحس الوطني موضعا للمساومة. المصلحة العليا للبلاد و التصور الديموقراطي الذي يتماشى معها لا يقبلان أي غموض أو ضبابية”.
“في هذا السياق، و لتوضيح غايتنا و ما نسعى إليه، نقترح كشرط مسبق، تبني بصفة لا غبار عليها و على قناعة، المبادئ المؤسّسة لدولة القانون كقاعدة لجزائر عصرية ديمقراطية، تنظر نحو مستقبلها. و وعيا منا لما تكتسيه هذه المبادئ من أهمية حيوية و بديهية، لا نشك في الالتفاف حولها، و الحصول على رضى و انضمام الوطنيين الجزائريين”. يضيف الميثاق السياسي الذي وقعته شخصيات جزائرية معروفة.
وأضاف :”عندما عجِز عن فتح المجال للمواطن غداة الاستقلال، اِنسحب المناضل أمام العسكري. مما استلزم الأمر 57 سنة من الاستبداد قبل أن تأتي ثوة 22 فبراير، مع شبابها و نسائها، لتبهر العالم و تقلب المشهد السياسي في الجزائر”. وزاد :”الشباب، الّذي أُجبر على تربية طائفية و التهميش الاجتماعي حتى كان يحسب انه كُرِه و اِسْتسلم، و المرأة الجزائرية التي كان يُعقد على أنها راضية بتقهقر وضعها، هم الذين يتصدَّرون نضالا فذّا و سلميا من اًجل التغيير الجذري و ذهاب النظام الحاكم منذ الاستقلال. هذا هو الجزائري الَذي يستمد قواه من شرفه العائد و من إيمانه بنفسه و بمستقبله”.
وقال الميثاق إن “شرط القطيعة التي تباناها الشعب المتحرر وتشبث بها أولوية وطنية. التهرب و المراوغات التي من شاًنها إخفاء طبيعة هذه الحقيقة أو تأجيل ضروريتها العاجلة، هو الخطر الذي يجب محاربته و فضحه. لا يمكن للجزائر أن تسمح بخيبة أمل أخرى أو فشل إضافي أو إخفاق آخر. فلا يجب التساهل مع الأحكام السهلة و السطحية، من الواجب المضي قدما بمنهجية، دون مزايدة و لا مجاملة لتقييم ماضينا القريب”. وقال “إن اللبس، الاقصاءات، المجاملات والدعايات هي سبب محن الجزائر”. وفق تعبيره.
*اعتبارات تاريخية:
أكد الميثاق أن “رغم الاعتراض لها لعدة مرات، الرغبة في حياة يُحترم فيها الفرد و تُقدّر فيها واجبات التضامن و الإنصاف الجماعيين، إستلهمت المحطات الكبرى من ماضينا. رغم تجاهله و تحريفه و الطمس على العديد من حقائقه، بقي التاريخ الوطني محميا بفضل الذاكرة الجماعية التي تشكل منبعا مميزا للإفرازات الوطنية الكبرى”.
وأضاف “إن وسط شمال إفريقيا، هذه المنطقة التي تَغُوص جذورها في أعماق التاريخ حتى كانت صرحًا لتحولات تاريخية متميزة، تعرض لغزوات متتالية حالت دون أن تترك له الفرصة لاستعادة أنفاسه لبلورته ككيان مكتمل و ذات سيادة – دون وصية خارجية – يفرض نفسه في حوض البحر الأبيض المتوسط. هذا لم يمنع سكان الجزائر من أن يعرفوا كيف يحتفظون على روح متميزة، سمحت لهم، في كل مرحلة من مسارهم التاريخي إعادة بعث الذات الجماعية، بالرغم من تشتيتهم، و تعارضهم أحيانا و إخضاعهم أحيانا أخرى”.
وفي العصر الحديث، يضيف الميثاق “اصطدم مصير الجزائر بعقبتين كبيرتين:
– الحكم العثماني: مع إدارته الطفيلية التي أقصت الأهالي من مركز القرار السياسي. عملت هذه الإدارة، لأزيد من ثلاثة(3) قرون، على إعتراض أي محاولة بناء مشروع وطني، حتى باستعمال القوة عند الضرورة.
– الاستعمار الفرنسي 1830، الّذي قادته إحدى اكبر القوى العسكرية و الصناعية في القرن التاسع عشر، و الذي تحول إلى استيطان بعد هزم الداي حسين في ظرف ثلاثة (3)أسابيع. بعد تفقيره وجرده من مؤسساته عرف الوطن قمع جميع انتفاضاته في الألم و الدم.
وشدّد على أن “في الظلام الاستعماري، مناضلين متلاحمين مع شعبهم، اختاروا التضحية براحتهم الشخصية و بحياتهم من اجل إحياء شعلة الكفاح الطويل الذي يمليه الشرف و مستقبل الأجيال الصاعدة. و في صميم المقاومة و الحرب ضد الاستعمار، لم يتوقف يوما النضال من اجل المواطنة. بفضل هؤلاء، تبلورت طرق نضالية جديدة في بداية القرن العشرين و التي أدخلت الدولة الوطنية الجزائرية في عصر الحداثة و العقلانية. أمام عدو يتجاهل فكرة الوطن، و نظرا لقيود الجهل و التخلف التي كان يغذيها المستعمر، واجهت الحركة الوطنية صعوبات معتبرة لإيجاد المناهج و الحلول الناجعة لرفع تحدي الاستقلال الوطني من جهة و لتهيئة الأجواء الديمقراطية ما بعد الاستقلال من جهة أخرى. في هذه الظروف، و أمام النقائص التي حالت دون الوصول إلى حصر مفهوم الأمة العصرية، استغلت عدة تيارات فكرية مهيمنة و عابرة للحدود و البلدان، و التي كانت شائعة أنذاك، الفرصة لفرض نفسها، أو على الأقل فرض الرقابة الإيديولوجية و الفكرية، على النضال الوطني الجزائري. ممّا أدى إلى تغيير و تلويث مسار النقاش الوطني الداخلي على مستقبل الدولة الوطنية، بل إلى محاربة ذلك النقاش بشكل عنيف”.
وزاد الميثاق :”طوال المسار الشاق و الغني للحركة الوطنية، اُتيحت عدة فرص للذهاب نحو الديمقراطية، لكنها لم تثمّن لأسباب تاريخية، سوسيولوجية، سياسية و ثقافية. إلا أن، هذه الاجتهادات لم تذهب هدرا و في مهب الريح، لأنها رسّخت قواعد الفكر النقدي و الإختلاف في الرأي في جميع مراحل التجاذبات السياسية”. “في اقل من 10 سنوات بعد مأساة أحداث ماي 1945، وسط محيط اِستفحل فيه البؤس الاجتماعي و الانحطاط الاقتصادي، و في وقت يوحي بالانسداد الكامل، ، تبينت المعجزة الجزائرية المغذات من طرف مناضلين مجهولين, روح البطولية و التضحية بالنفس ولدت ثورة أول نوفمبر 1954″.
وقال :”رغم أن الكفاح المسلح أخذ مجراه إلا أنه، ومن ذلك الحين فإن الاضطهاد، التعسف والاستبداد طغى على الحياة العامة. الظلم الاستعماري الذي ولد الوعي الوطني لم يمنع التشويه السياسي للاستقلال في شطره السايسي: تصفية الاستعمار لم تأتي بالحرية الحقيقية و لا بالديمقراطية”.
وأكد الميثاق أن “التقسيم الجغرافي الذي اُعتُمِد بداية من 1956 المستوحى من المناطق الطبيعية لبلادنا و الذي سمح للـ FLN الثوري البقاء في التواصل والانسجام مع السكان طوال حرب التحرير، فقد تم التراجع عنه و تعطيله، بل وصل إلى درجة شيطنته. و كمغالطة أخرى، فُسِّرت أزمة 1962 كنتيجة لنظام “الولايات”. عازما على إِنفراده بالسلطة، أصبح الجناح الشعبوي من الحركة الوطنية يلجأ إلى المسالك المختصرة. كما أصبح التقليد الذي تمليه التيارات الإديولوجية الشائعة، مدعما بالضغوطات الخارجية، هو الّذي يصنع النموذج السياسي و الإداري للبلاد. لما كان البناء المؤسساتي الجزائري خليطا من الدولة اليعقوبية(Jacobinisme) و المركزية الديمقراطية و الإيديولوجية العربية-الإسلامية. أدى إلى تركيز السلطات و التسيير الغامض اللّذان يعرقلان الجزائريين على تجنيد قدراتهم لمجابهة معركة التنمية و التقدم. بعد شهور فقط من الاستقلال، قَرّر رئيس الدولة الاستحواذ على عدة حقائب وزارية. التزوير الموروث عن الإدارة الاستعمارية يدير و يميز انتخابات مفبركة. التعذيب يعود من جديد و تقسيم الأملاك الشاغرة بين زبائن النظام يُمهِّد للفساد الذي يصبح فيما بعد الوسيلة الأمثل للإستيلاء على الأملاك العمومية”. حسب ما جاء في الميثاق دائما.
وأضاف:”أصبحت المؤسسات، بصفتها آلية دون علاقة مع الحقيقة الاجتماعية للبلاد، تلعب دور المبرر لتمثيل وطني مزيف و وسيلة هيمنة لطوائف سياسية تستمد سلطتها من عصابات مخفية، لا وجه لها، تمارس وراء الستار السلطة الفعلية. أجهلت المناطق لصالح جهوية موجهة، تنزلق نحو نظام قبلي بائس”.
“للخروج من هذا النظام بأساليبه البالية و المتخلفة”، يقول الميثاق “يجب صياغة دستور آخر يؤسس المواطنة الكاملة لكافة الجزائريين. لا يجب أن يشعر أي جزائري انه غريب في وطنه. بأكثر وضوح، كل أقلية، سواء أن كانت سياسية، ثقافية، لغوية، دينية أو غيرها، يجب أن تتمتع بنفس حقوق الأغلبية.
“ترسيخ البلاد في مصفوفة شمال إفريقيا ديمقراطية تعترف و تتبنى بعدها الامازيغي، هو حتمية تاريخية و ضرورة اقتصادية و اجتماعية و إملاء جيوسياسي يجب ترجمته مؤسساتيا في سياق المسار الثوري”
وقال الميثاق إن “ترسيخ البلاد في مصفوفة شمال إفريقيا ديمقراطية تعترف و تتبنى بعدها الامازيغي، هو حتمية تاريخية و ضرورة اقتصادية و اجتماعية و إملاء جيوسياسي يجب ترجمته مؤسساتيا في سياق المسار الثوري”.
“التسييس المفرط للدين من قِبل نظام الـFLN أدى إلى انحراف العبادة الهادئة و الممارسة العقائدية المعروفة في شمال إِفريقيا و التي عشناها منذ قرون في رحمة وتسامح ، حتى طُرِد شيئا فشيئا إِسلامنا المتسامح من المساجد ليحل مكانه الاستغلال السياسوي الذي كاد أن يزعزع المجموعة الوطنية و يمحيها من الوجود”
وأشار إلى أن “التسييس المفرط للدين من قِبل نظام الـFLN أدى إلى انحراف العبادة الهادئة و الممارسة العقائدية المعروفة في شمال إِفريقيا و التي عشناها منذ قرون في رحمة وتسامح ، حتى طُرِد شيئا فشيئا إِسلامنا المتسامح من المساجد ليحل مكانه الاستغلال السياسوي الذي كاد أن يزعزع المجموعة الوطنية و يمحيها من الوجود”. مضيفا “إِذا تأخرت المرحلة الانتقالية أكثر من هذا على طرح النقاشات الحرة و الهادئة حول هذه الورشات، قد تدخل البلاد في خطر و وضعيات سياسية لا يُحمد عقباها على الأمة و محيطها الجغرافي.
وأكد ذات الميثاق أن “بعد الأحداث المأسوية للعشرية السوداء، التي لم نوفق في تجنبها بسبب افتقارنا للرصيد الديمقراطي المرتبط بطبيعة النظام، أصبح معظم الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين يؤمنون بان الأمة مجبرة على تسجيل مصيرها في نظام ديمقراطي حقيقي. ها هي الفرصة قد أُتِيحَت للجميع لتجسيد الأقوال بالأفعال”.
وأشار إلى أن “التداول على السلطة، فصل السلطات، المساواة بين الرجل و المرأة، اِحترام حقوق الإنسان، الهوية الوطنية بمكوِّناتها، حرية العقيدة دون تسييس الدين، تلكم هي المبادئ التي يجب ترسيخها كأسس للجزائر الجديدة”. “هذه الشروط المسبقة هي الحد الأدنى الجمهوري. لا تقبل النقصان و لا أي تنازلات إذا أردنا أن نُجنِّب الجزائر السقوط من جديد في دوامة عدم الاستقرار التي جعلت منها الحلقة الهشة و الضعيفة في شمال إفريقيا”.
وبخصوص الوضع الاجتماعي و الاقتصادي، قال الميثاق :”غداة الاستقلال تواجدت الجزائر في أوضاع اقتصادية مزرية. الاستعمار الاستيطاني صادر الأراضي و خصّصها لما تقتضيه فلاحة فرنسا، هُمِّشت الصناعة، و اليد العاملة المفترض تخصيصها لها اِمتصتها الهجرة الموجهة لتنمية فرنسا أحيانا أو اِستهلكتها الحروب أحيانا أخرى. إن اغتصاب السلطة في 1962 واقصاء دور المواطن، قد حرّمت البلاد من رؤية تدفع بالأمة في سياسة تنموية ناجعة، تثمن القدرات الطبيعية و موجهة لتلبية حاجيات السكان. إنها خيارات عشوائية انجرت من الأنماط الاديولوجية المتبعة، عسكرة الميزانية واشباع الغرائز الزبائنية للنظام ،ادت الى تسيير بيروقراطي مفترس، استنزف القدرات والمداخيل الوطنية وزاد من حدة هجرة الأدمغة والشبيبة”.
وأضاف :”لتنظيم هذا الافتراس فإن النظام أعد اليات وعدة قنوات موازية وغير قانونية وذلك ما جعل المواطن مرغما على تكييف واقعه مع الطبيعة المافياوية للسلطة، حتى أنه حاول إيجاد الحلول لمشاكله في عمق هذه السلطة الموازية، و”الدولة الخفية”. الضرائب، العدالة، الترقية في الوظائف أو أي امتياز اجتماعي ولو بسيط، إنها جميعها تفاوض وتساوم خارج الأطر القانونية. هذا الركود العام يزداد حدة باخضاع المنظومة التربوية الوطنية للاديولوجية والطائفية التي أنهكت طبيعة التكوين مع كل ما تحمله من البطالة المعممة والهجرة الريفية حتى أحدثت اختلالات بين المدن والريف”. وفق ما جاء في ذات الميثاق
وأكد أن “الأرقام و النتائج الاقتصادية مرتبطة كلية بتقلبات أسعار برميل النفط. لكن نعمة المحروقات أصبحت مهددة نتيجة اِنفجار الاستهلاك الداخلي، تناقص الاحتياط من الموارد الباطنية مع زيادة كلفة استغلالها و تسارع البحوث العلمية في مجال الطاقات الخضراء و المتجددة.
“استنادا لكل هذا، يجب التعجيل في إعادة التفكير في الإستراتيجية الاقتصادية للبلاد و التوجه نحو تصورات أكثر عقلانية. في هذا الصدد لا يُطاق أي تأخر في إعادة الاعتبار لقيمة العمل المنتج و ضمان شفافية السوق و وضع سياسة نقدية تتطابق مع حقيقة الاقتصاد و الإنتاج”.
وأكد ذات الميثاق أن “الجزائر بلد كبير و محوري في شمال إفريقيا، بمساحة تُعد الأكبر في القارة و موارد معتبرة غير مستغلة. بمحض إرادته نظرا لتخوفه من التفتح، اختار النظام سياسة الغلق و العزلة. إن لم يكن يشكل هذا الوضع السبب الوحيد لتراجع الجزائر نحو الوراء، سمح للنظام الذي يلوح دائما بخطر العدو الداخلي و الخارجي، تبرير التضييق على الحريات و حكمه التعسفي. كما اثر هذا الاتجاه، بصفة مباشرة على استقرار و تنمية المنطقة. فالتآزر الاقتصادي لم يحدث، و التعاون الأمني بالرغم من أهميته القسوة بقي ظرفيا. أما العلاقات بين الفاعلين السياسيين، الاجتماعيين، الثقافيين و الاقتصاديين فراحت تتلاشى شيئا فشيئا. دون الرؤية الجامعة، بسبب الأنظمة الفاشلة فإن منطقة شمال إفريقيا، التي من المفروض أن تكون محور إشعاع للعلاقات الخصبة بين الشمال والجنوب و بين الشرق بالغرب، أصبحت اليوم ملغمة”.
وقال إن “إفريقيا الشمالية بمناطقها، متوسطية و متفتحة على بلدان الساحل الإفريقي، حلم و مشروع يمكن تجسيده في المدى المتوسط. بعد ذلك لم يعد لشبابنا أن يخاطر بحياته بحثا عن جنّات خيالية”. مبرزا أن “الثورة الديمقراطية الجزائرية ستسمح بفتح المجال للتحاليل النقدية وفتح آفاق المستقبلية للتعاون الجهوي من أجل إنشاء سوق – لحد الآن تستغلها القوى الخارجية، – بحجم جغرافيتنا البشرية و الاقتصادية”.
وأشار إلى أن “القدرات الديمغرافية لشبه قارة شمال إفريقيا تقلق بعض الأنظمة، و من بينها مملكات الخليج، التي تراها كمصدر خطر على النظم الإقطاعية التي ترتكز سلطتها عليها. مثل هذه الكيانات تجد أيادي محلية و وسائل مالية معتبرة للتطويق و التشويش على المطالب الديمقراطية التي تخشى من عدوتها. هذه البلدان تسول لنفسها حق و واجب إسكات الثورات الشعبية و التطويق عليها، و ثورة الـ 22 فبراير أصبحت من أهدافها”.
وأبرز الميثاق أن الوقت قد حان ” لكي يختفي هذا النظام نهائيا من الساحة السياسية كما يصر المتظاهرون على ذلك منذ ستة أشهر. بالأحرى، حان الوقت لإدخال حزب الFLN و الإتحاد العام للعمال الجزائريين (UGTA)، وجميع المنظمات الشعبوية إلى متحف التاريخ. كما حان الوقت أيضا لإبعاد أحزاب السلطة من المسار الديمقراطي الانتقالي”. مشيرا إلى أن “الديمقراطية مطلب شعبي متفق عليه من قِبل الجميع. و المحاولات القليلة و الهامشية لافتزاز الثورة من طرف الأصوليين طوقت بسرعة بتدخل المتظاهرين أنفسهم : هذا درس من دروس حراك 22 فبراير”. وقال :”قد يكون للنجاح و النصر الجزائري، بصداه الداخلي، تأثيرا على كامل منطقة شمال إفريقيا و ركيزة لاكتمال المصير الوطني الجماعي المنشود”. وفق ما جاء في الميثاق دائما.
*منتصر إثري