في إطار تخليدها للذكرى السنوية الأربعين لمأساة التهجير القسري الجماعي للمغاربة من الجزائر سنة 1975، نظمت جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر (ADMEA) بتعاون مع مجلس مقاطعة أكدال الرياض، يوم السبت 30 يناير بالمركز الثقافي أكدال ندوة وطنية حقوقية تحت شعار: الدبلوماسية الجامعية ورهانات قضايا انتهاكات حقوق الإنسان “فئة الجالية المغربية ضحايا التهجير القسري الجماعي من الجزائر سنة 1975 نموذجا”.
بحضور منظمات وفعاليات حقوقية وجمعوية وإعلامية وأساتذة باحثين وعائلات الضحايا، افتتحت الندوة التي قام برئاسة تسييرها الأستاذ علال مهنين الكاتب العام للجمعية، بآيات بينات من الذكر الحكيم، وفي كلمة افتتاحية، وجه السيد محمد العاطي الله عضو المكتب الوطني للجمعية، عبارات الشكر والعرفان إلى جميع المؤسسات والفعاليات الحقوقية والسياسية والإعلامية لمساعداتهم القيمة ودعمهم لتيسير انعقاد هذا اللقاء التواصلي، وأخص بالذكر كل من مجلس مقاطعة أكدال الرياض، والوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، وقد أكد في كلمته على أن هذه المأساة الإنسانية، كانت نتيجة مباشرة للخلاف الذي وقع بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية حول قضية الصحراء المغربية المفتعلة سنة 1975، حيث ثارت ثورة النظام الجزائري آنذاك ضد تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء المظفرة لاسترجاع أقاليمه الصحراوية الجنوبية، فكان الرد الانتقامي للدولة الجزائرية بتنظيم مسيرة سوداء كان ضحيتها مئات الآلاف من الجالية المغربية المقيمة بالجزائر. وعبر بهذه المناسبة باسم الجمعية عن أسفه اتجاه الدولة المغربية، فيما يتعلق بالتقصير الواضح وفي غياب أي خطوات جادة أو إرادة سياسية واضحة للدفع بهذا الملف الحقوقي الإنساني أمام المؤسسات الدولية التي تناصر حقوق الإنسان، وأيضا طالب من الدولة المغربية بهذه المناسبة، العناية بهذه القضية الإنسانية بما تستحقه من اهتمام ومواكبة، وبتوفير سبل الدعم والمساندة لجمعيتنا في نضالها الحقوقي، وكذلك ربط ملف قضية المغاربة ضحايا التهجير القسري الجماعي من الجزائر بقضية المغاربة المحتجزين بتندوف، باعتبارهما ملفين وطنيين حقوقيين مرتبطين بقضية واحدة هي قضية الصحراء المغربية، وفي آخر كلمته طالب من الدولة الجزائرية الاعتراف بجريمتها ضد الإنسانية التي اقترفتها، وذلك بإرجاع كافة الحقوق والممتلكات المسلوبة، وجبر ضرر الضحايا، وفقا لتوصيات اللجنة الدولية الأممية لحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الصادرة بتاريخ 10 ماي 2010.
وتابع الحاضرون بعد ذلك، شريطا مدته عشرون دقيقة، يعبر عن مأساة ومعاناة المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر مرفقا بشهادات حية و مؤثرة من قبل المرحلين. وأعطيت الكلمة بعد ذلك في إطار محاور برنامج الندوة، للأستاذ سمير أوخليفا وهو أستاذ جامعي باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، حيث تناول البعد التاريخي والجيو سياسي لحدث التهجير القسري الجماعي من الجزائر، وبعد تذكيره بمسار العلاقة المغربية الجزائرية منذ القدم والدور الذي لعبه المغرب في استقلال الجزائر والمساندة في مواجهة الاستعمار الفرنسي، حيث كان المغرب قد اتفق على تأجيل ترسيم الحدود المغربية الجزائرية إلى حين إنهاء محنة الجزائر في مواجهته للاستعمار الفرنسي، واعتبر أن رد الجميل عن هذا لم يكن في أجندة أغلب الرؤساء الجزائر منذ عهد الرئيس بن بلا، إذ سجل التاريخ نوعا من عقدة الحكام الجزائر تجاه مصالح المغرب واستقراره رغم أواصر الصداقة والتلاحم بين الشعبين الشقيقين، منهيا إلى ضرورة التمييز بين الشعب الجزائري وحكامه، حيث الأول يبقى الأخ الجار الدائم للمغرب، بينما حكامه وسياستهم حياله، تنم على الحضور الدائم لعقدة غير مفهومة، وعن قضية المهجرين المغاربة من الجزائر، اعتبر أنها وقضية الصحراء أمران مترابطان لا فاصل بينهما ولا ينبغي الحديث عن أحدهما بعيدا عن الآخر.
وعن مداخلة الأستاذ بوبكر لاركو رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أوضح أن المأساة التي تعرض لها خمسة وأربعين ألف أسرة مغربية من طرف السلطات الجزائرية سنة 1975، تعد سلوكا انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان بامتياز، حيث قدم تعريفات مهمة المتعلقة بالاتفاقيات الدولية التي تهم مجال حقوق الإنسان، واقترح إدلاء بمذكرة مركزة بناءا على محددات الانتصاف وجبر الضرر، وخلص إلى تقديم مجموعة من المقترحات العملية لبناء عمل أكثر تطور وأكثر ديناميكية بالنسبة للملف وللوصول لأشياء عملية، وأيضا إلى توجيه عمل الجمعية إلى البحث عن آليات أخرى بالإضافة إلى الآليات التي تستعملها الآن، وذلك بتنسيق مع ذوي الاختصاص خاصة فيما يتعلق بتجارب المنظمات الحقوقية في هذه الملفات أو الملفات المتشابهة، وأكد في آخر كلمته على أن مسؤولية الدولة المغربية هي ثابتة، لها الحق في الدفاع عن مواطنيها في هذا المجال، على الأقل فيما يخص المرافعة خلال مجلس حقوق الإنسان بجنيف، تساند من خلاله الجمعيات المهتمة بملف القضية، ماديا ؤبالخبراء وبالوسائل الكفيلة.
أما المداخلة الثالثة، فقد ركز الأستاذ الحافظ إبن رشيد محام بهيئة الرباط ونائب رئيس المكتب الوطني للجمعية، على أن الجمعية، أخذت على عاتقها رسالة من أجل الانفتاح على الجامعة المغربية لسبر أغوار مثل هذه الملفات المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن المسؤولية تبقى مشتركة بين الدولة الجزائرية باعتبارها الفاعلة التي ارتكبت جرما ضد الإنسانية، وكذا مسؤولية الدولة المغربية في إعادة التفكير في كيفية إعادة إدماج ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر، تخفيفا لتبعات الأضرار والمعاناة التي لحقت بهم، كما اعتبر من خلال تكييفه القانوني لملف القضية، أن الدولة المغربية بإمكانها طلب استشارة من محكمة العدل الدولية، خصوصا وأن الفعل الجرمي ارتكب في حق مواطنيها كانوا جالية مغربية مقيمة بطريقة شرعية وقانونية بالجزائر. وأشار إلى أن الجريمة هي جريمة ضد الإنسانية، واعتبر قرار الترحيل التعسفي قرارا سياسيا غير مشروع وضحاياهم مواطنون عزل.
واستمتع الحضور بعد ذلك إلى قصيدة شعرية رائعة حول موضوع القضية، للدكتور الشاعر أنيس أمين تحت عنوان لا عزاء للحاقدين. واختتمت أشغال الندوة بمداخلات وشهادات حية لفعاليات حقوقية وجمعوية ومناضلين الجمعية من الضحايا، تلتها بعد ذلك تلاوة برقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى السدة العالية بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.