قصة الديك والخروف والحمار من ثراثنا الامازيغي الريفي

يحكى عن ديك و خروف و حمار كانوا يقتسمون الإقامة في مأوى غير بعيد عن مزبلة، وذات صباح استيقظ الثلاثة كالمعتاد، وخرج كل منهم في بحثه أملا في الحصول على رزقه.

فهذا قصد البراري الواسعة التي دأب على الرعي فيها، وذاك مضى يبحث عن طعامه في مكان من الأماكن، وفيما كان الديك منهمكا في بحثه، بكلتا رجليه، عما ينقبه فوق رقعة تلك المزبلة التي تقع بجوار المأوى، حتى إنكشف له شيئا لعله أثر مطمورة مدفونة، فحفزه هذا الأمرعلى الاستمرار في تعميق البحث والحفر حوله، أكثر فأكثر، إلى حين وصل إلى إزاحة غطاءها.

بعد ذلك، وقف الديك على حافة تلك المطمورة المكتشفة وأخذ يحملق في أعماقها بامعان ولما تبين له مخزونها الهائل دخلها و شرع يلتقط الحب حتى امتلأت حوصلته طعاما.

وعند ملاقاته خروفا، بعد انقضاء النهار، سأله الديك هذا السؤال: هل أكلت قليلا هذا اليوم؟

فأجابه الخروف في امتعاض واضح:

–      شيئا ما ليس بكثير.

فدعاه الديك ليصنع معروفا من أجله.

فانطلق به الديك إلى موضع المطمورة حتى أوصله إليها، فما إن رأى الخروف مخزونها الوفيرة حتى استعذبه واشتهاه، وأكل منه حتى استطاع أن يتخلص من جوعه.

وعقب عودتهما معا إلى المأوى، فإذا حمارا عائدا هو أيضا لتوه من مرعاه البعيد، وكان مكدرا وحين ألقى عليه الديك السؤال ذاته الذي طرحه من قبل على سابقه، تبين له أن وضعه مماثلا للوضع الذي كان عليه الخروف قبل قليل أو أكثر قليلا.

وعندها وعده الديك خيرا ثم طلب منه أن يرافقه هو أيضا نحو تلك المطمورة السابقة ذكرها، مثلما حدث مع الخروف من قبل، لتعويض ما ينقصه من الكلأ.

وهكذا مشى معه الحمار إلى حيث المطمورة المملوءة حبا، و هناك وجد الحمار ما يريده فسر به وفرح، وحينذاك أكل منه هو بدوره كفايته.

وفي طريق العودة إلى المأوى كان الرفاق الثلاثة كلهم منتشين بما التهموه من حب وفير من جوف تلك المطمورة المعلومة، يتسلون بزهو مفعمين بالحيوية والنشاط من آثار ذلك.

وإذا بالحمار تمتلكه رغبة ملحة في النهيق، حينها إستأذن الديك و الخروف وطلب منهما السماح له بالنهيق قليلا إلا أن طلبه قوبل بالرفض والتصدي بشكل صارم من قبلهما؛ حرصا على سلامتهم جميعا؛ فنبهاه إلى خطورة هذا الفعل الأخرق الذي من شأنه أن يجلب عليهم الذئاب من المناطق القريبة.

ولكنه مالبث أن استمر في محاولاته مرارا وتكرارا، ويبذل قصارى جهده لإقناع معارضيه بعدم تحريمه من إعلاء صوته ولو قليلا، و هذه المرة سيعدهما بأن الأمر لا يستغرق منه وقتا طويلا، وبعد هذا الإصرار و الإلحاح المتكرر وبعد أن فشلت كافة الجهود لإقناعه بالتراجع عن هذا الأمر غير محسوب العواقب.

أخيرا سمح له الرفاق، بمرارة، على أن يقوم بتلك النهقة بطريقة سريعة و بصوت منخفض، ثم أن يلتزم الصمت حتى لا يجذب انظار الذئاب إليهم. وحينئذ مدّ الحمار، بعدما قبل الشرط رقبته فرفع عقيرته فأخذ في الشهيق والنهيق، وجعل صوته يتصاعد عميقا وبكل ما حباه الله من قوة، وكان صداه المداوي يملأ الآفاق كلها .

وسرعان ما انتقلت العدوى إلى الخروف؛ فما إن رأى حمارا يفعل ذلك حتى خطر بباله هو أيضا أن يرفع عقيرته بالثغاء وما كاد أن ينتهي هذا الخروف من ثغائه الذي أوفاه حقه، حتى تبعه الديك مستسلماهو أيضا لرغبته الشديدة والملحة في الصياح وبينما المجموعة المعلومة مستغرقة في صخبها المتواصل، إذ وافها اثنان من الذئاب الضخمة يكشرون عن أنيابهما ويتحفزون للهجوم عليها في أي لحظة، توقفت عناصر المجموعة المستهدفة، جنبا إلى جنب، صامتين جامدين في أماكنها.

وأثناء ذلك، خطر ببال الديك فكرة من قبيل تكتيك لعله يحرر بها نفسه ومن معه من هذا الحصار العدواني الذي يشكل خطورة بليغة عليهم، والتي مفادها دعوة الذئبين الموجودين حولهم إلى الدخول إلى مسكنهم كضيوف عليهم، وكذلك فعل.

الحاصول، وما هي إلا لحظات حتى كان الذئبان في الداخل، ومن ثم سيقوم الديك بالقفز فورا إلى مكان عال في البيت يسمى بالأمازيغية الريفية “ⴰⵔⵔⵓⴼ ثم ترك الاثنين الآخرين أي الحمار والخروف هناك في الجزء الأسفل في صمود أمام تلك الذئاب مستعدين لكل شيء.

عندئذ وجد الديك جلد ذئب ملقى في ذلك المكان الذي لزمه، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف صاحبنا عن عرضه أمام أنظار الجميع؛ وهو يحاول أن يشير به بالأخص إلى تلك الذئاب التي تستهدفهم في عقر البيت والتي تتابع الآن مليا ما يجري أمامها.

وعندما يسأل الديك أمام الحمار والخروف ان كانا هذا هو الجلد الذي يريدانه ؟

فلا يسمع منهما سوى الإجابة بالنفي؛ ليس تلك الجلدة الصغرى ما نريد، بل هات لنا بالأكبر منها حجما، فهنا لا يلبث الديك- خديعة منه- أن يعيد ذلك الجلد التي بيده إلى مكانه بكثير من التحذلق الحركي حتى يبدو للذئبين اللذين كانا يحدقان فيه وكأن ثمة وراءه ركام من جلود الذئاب وهو في الحقيقة ليس هناك وراءه سوى ما بيده، وكلما سأل الديك صاحبيه من جديد يكون جواب الحمار و الخروف فيه إشارة دوما إلى ذاك الجلد الكبير الوهمي الآخر، حتى يسود وهْم عند تلك الذئاب بأن ثمة في مكان ما جلد آخر لذئب كبير.

مما جعل الذئبان يتبادلان نظرات التوجس والريبة فيما بينهما حول هذا الأمر، ولسان حالهما يقول انظر إلى ما فعلوا بتلك الذئاب الكبيرة التي جردوها من جلودها ذبحا وسلخا وما بالك نحن.

ثم تسارع الذئبان، وسط هذه المخاوف التي تحاصرهما، تهرول نحو الباب للخروج من هذا المأزق المصيدة.

وتبعه الديك والحمار والخروف في مطاردتهما وهكذا أفلت أحدهما بجلده من الموت المحقق واختفى، في حين لحقوا بالذئب الآخر واعتركوا معه فارتمى عليه الديك بمنقاره الحاد، في حين كان الخروف يجمع قواه وينزل عليه بضربات رأسية قوية قاسية وأما الحمار فكان من جهته يقوم بتوجيه له ركلات تلو أخرى، حتى أصبح الذئب كله ينزف، ولم يتركوه حتى صار الذئب جثة هامدة، فكانت لهم الغلبة، و في النهاية أخذوه فألقوا به بعيدا في منطقة خلاء.

وهكذا ظل الشركاء الثلاثة مدة طويلة ينفردون بالتزود كل يوم من خيرات تلك المطمورة و ظل كل واحد منهم يرفع صوته كما يشاء؛ فالحمار دوما في النهيق والشهيق والديك كذلك لم يكن ينقطع عن الصياح و كذلك وبالمثل بالنسبة للخروف، والأمر يسير على أحسن وجه.

إلا أنه حدث، ذات يوم ما لم يكن متوقعا، أن سمعهم رجلا من بعيد فأتى يبحث عنهم حتى عثر عليهم؛ عندئذ كتف الديك فأخذه إلى منزله ليذبحه، أما الخروف فراح به إلى رحبة المواشي فباعه هنالك، وأما الحمار فقد نذره الرجل للحرث، وأما ذاك الحب الذي كان في جوف تلك المطمورة ، فقد جمعه الرجل لنفسه، وقام بتخزينه في منزله.

                                                              بقلم: عبد الكريم بن شيكار

اقرأ أيضا

الدكتور إدريس البخاري يقدم كتابًا عن الحسن الثاني: حكمة ملك ومسيرة إنجاز

صدر حديثًا عن الدكتور إدريس البخاري كتابٌ يوثق المسيرة الحافلة للملك الحسن الثاني، مسلطًا الضوء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *