لقد عرف “إيمازيغن” عبر التاريخ مجموعة من الغزوات الإستعمارية التي استهدفت الأرض والإنسان، واعتبار الأرض بالنسبة للأمازيغ مصدرا للإعتزاز والقوة والشرف، فقد اتخذت مقاومته للإستعمار أشكالا مختلفة، فالتجأ يوغرتن إلى المقاومة المسلحة ضد الوجود الروماني، عكس جده الذي اختار المقاومة عن طريق الدبلوماسية والاستثمار السياسي واختيار دوناتوس لمقاومة الكنيسة الرسمية عن طريق مذهبه الدوناتي القريب إلى الدين المسيحي الشعبي، واختيار إكزل المقاومة المسلحة ضد الغزو العربي كمثيلته الملكة “تيهيا” … واختيار محمد بن عبد الكريم الخطابي المواجهة العسكرية والسياسية للاستعمار الفرنسي والاسباني. كل هذه التجارب تبين اختلاف الأشكال التي اتخذها الامازيغ للدفاع عن وطنهم وهويتهم وثقافتهم .
لقد كان الاستعمار الذي عاشه المغرب وما تبعه من وضع سياسي بعد أن وقع اغلب رجالات ما كان يعرف ب”الحركة الوطنية”على معاهدة “أيكس ليبان” حيث أن أبناء المقاومة المسلحة التي كانت ترى في التحرير الشامل الحل الوحيد لان يعيش المغاربة بسلام.هؤلاء همشوا من مراكز القرار السياسي وأصبحت كل المناطق المعروفة بمقاومتها للاستعمار، تعيش تحت وطأة سياسة العقاب الجماعي إما عن طريق التهميش الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أو عن طريق تصفية كل المعارضين للمشروع السياسي للدولة والحكومة ، وأمام هذه الوضعية بدأ بعض المهتمين أو المثقفين الأوائل بعد سنة 1956، بالتفكير أو بطرح أسئلة حول واقع الثقافة الامازيغية في ظل سياسة الدولة المغربية الرامية الى إقصاء البعد الامازيغي في كل تجلياته.وهذا ما أدى بطبيعة الحال إلى بروز تفكير جديد اتخذ أشكالا فردية وجماعية في مصير الثقافة الامازيغية وسؤال الهوية بشكل عام.
ولذلك سنحاول في هذا المقال تناول الموضوع من خلال مبحثين.الأول يتعلق بظهور الحركة الأمازيغية أثناء المقاومة المسلحة، فيما سنتحدث في المبحث الثاني عن الحركة الامازيغية ما بعد 1956 .
أولا: ظهور الحركة الامازيغية أثناء المقاومة المسلحة
لقد عرف تاريخ التوسع الاستعماري صورا شتى من صور المقاومة الشعبية تعبيرا عن رفضهم للاستعمار ودفاعا عن حريتهم ونمط حياتهم الاجتماعية، فنجد من استخدام سلاح العصيان المدني ومن التجأ إلى العنف غير المنظم ومن اعتبر السياسية سبيل إلى الحرية ، ومن رأى في التفاهم مع المستعمر وسيلة لتحقيق المطالب . وهناك أخيرا من التجأ إلى الكفاح المنظم القائم على التعبئة الشاملة وتحريك الشعب نحو الهدف المحدد سلفا. وهدا ما فعله الامازيغ المغاربة في الريف و الأطلس والجنوب بقيادة زعماء ثوريون، مثل محمد بن عبد الكريم الخطابي وعسوا وبسلام وموحى أو حمو الزياني وغيرهم…ورغم اختلاف المناطق التي ينتمي إليها أبطال المقاومة المسلحة الامازيغية فان ما يجمعهم هو رفضهم التام لكل تعامل أو مهادنة للمحتل ولا التفاوض معه على سيادة التراب المغربي إذ لم تستسلم أية قبيلة من قبائل هذه المناطق للصلح و لا المهادنة كما شهد بذلك أعداؤهم. هذا في الوقت الذي كان فيه الخونة والقواد المغاربة يتهادنون و يتفاوضون مع المحتل من أجل الاستئثار بالخيرات على حساب السكان المقاومين ،ويكفينا للتأكد من هذه الحقيقة الثابتة أن نستعرض وقائع من مغربنا الحديث، تشكل محطات تبرر من خلاله بوضوح دور هذه المقاومة المسلحة والرغبة الملحة في التخلص من هيمنة المستعمر.
وسوف نتطرق إلى الموضوع من خلال تجربتين، الأولى بالريف حيث نتحدث فيها عن مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي (مولاي موحند) والثانية سنتحدث فيها عن المقاومة في الأطلس والجنوب انطلاقا من نموذجين، مقاومة موحا اوحمو الزياني في الأطلس، ومقاومة عسو اوبسلام بالجنوب.
- مقاومة الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي (مولاي موحند).
تعتبر مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي (مولاي موحند) أبرز مقاومة عرفتها القوات الإسبانية والفرنسية في صدامها مع المغرب، حارب عبد الكريم بشكل مباشرة في الفترة الأولى القوات الإسبانية، لكنه سيصطدم في الفترة الثانية مع الفرنسيين عندما تجاوزت حركته منطقة الريف متوجها إلى مجالات النفود الفرنسي، وغني عن القول أن المواجهات تطلبت تدخلا كبيرا من الجيش الإسباني، موازاة مع استعمال أحدث الوسائل والتقنيات في الإستراتيجية الحربية الفرنسية.
ويصف جون واتربوري شخصية مولاي موحند قائلا : “حاولت السلطات الفرنسية أن تنال من شخصية عبد الكريم عندما كانت تقدمه باستمرارعلى أساس انه بمثال روح –السيبة- القديمة، في الوقت الذي ظهر باعتباره قائدا ورائدا وضل أعداؤه يتهمونه بالجهل مع العلم انه احتل مناصب في الإدارة الاسبانية، وكان رئيس تحرير جريدة اسبانية بالقسم العربي، كما تولى منصب قاضي في فترة معينة بمدينة مليلية، وبالإضافة الى هذا فإن علاقته بالزوايا الطرقية ذات النزعة غير الاثوردوكسية أدت إلى نعته ووصفه بالنزعة الماضوية، مع ما كان يلاقيه من دعم ومساندة من لدن القبائل بجانب موقفه المتحفظ من الأسرة العلوية علما بان هذا الموقف كان يشاركه فيه اغلب المثقفين في تلك المرحلة.
ويقول أيضا : “لقد كان عبد الكريم رمزا للمجتمع (…) كما انه يمثل للقبائل الريفية الرمز الأعلى للمقاوم التقليدي، وكان بذلك من بين الأوائل الذين حاولوا الجمع ما بين التقليدي و الحديث، وسيبقى وجها من الوجوه البارزة في تاريخ المغرب״.أما الأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم أهدافها الكاملة، فإن الأستاذ الخلوفي الصغير محمد يلخصها فيما يلي : “المستعمر كان الأقوى والأكثر تنضيما في عمله معتمدا على الشرعية الدولية السرية والمعلنة، المخزن الشرعي حول السياسة التقليدية التي اتسم تحركها بالعنف مكتسبا الدعم المادي والمعنوي من سلطة الحماية ومستعملا كل امكانيات السلطان الشرعي الذي تحرك مدافعا عن عرشه”. إضافة إلى استعمال القوات الاستعمارية للسلاح الكيماوي الذي قضى على معظم السكان، لحد الان يعاني اهل الريف من التبعات الصحية لهذا السلاح المدمر الذي كان محضورا دوليا.
- المقاومة في الأطلس والجنوب
لقد عرفت ايضا منطقتي الاطلس والجنوب خلال فترة الاستعمار مقاومين كبار لقنوا للمستعمر دروسا في معنى الوطنية، أمثال احمد الهبية، موحا اوحمو الزياني، وعسواو بسلام …وغيرهم . وهنا سنقف عند مقاومتي موحا او حموا الزياني وعسوا بسلام.
– مقاومة موحا اوحمو الزياني : تنتمي هذه الشخصية إلى منطقة الأطلس التي أنجبت أبطالا وطنيين حقيقيين أمثال : أحمد الهيبة، وموسى أسعيد، وآخرون . وأهم محطة ميزت تاريخ المغرب الحديث في هذه المنطقة هي معركة “لهري” التي قام فيها “لافيرديو” بإصدار أمر تنفيذ الغارة ضد موحا اوحمو الزياني بهدف توجيه ضربة قوية لزعيم زيان، لكن ما أن تقدمت القوات الفرنسية حتىردت القوات المحلية بكل قوة وبسالة، واستطاعت المقاومة خلال هذه المعركة بقيادة المجاهد البطل موحا اوحمو الإنتصار على القوات الفرنسية ملحقا بها خسائر كثيرة بين جرحى وقتلى. ( 33 ضابطا و580 من الجنود و175 من الجرحى )، مقابل حوالي 182 شهيد في هذه المعركة. لكن العدو لم يرتاح لهذه المنطقة العنيدة، فقام بتطبيق ما يسمى بسياسة “الأرض المحروقة “، لكن المقاومين لم يستسلموا إذ قاوموا بشدة، إلى أن سقط موحا اوحمو شهيدا في مارس 1921 وكان سنه يناهز 75 سنة.
ولم يكتف الأمازيغ بمقاومة العدو وبالرصاص فقط بل جاهدوا حتى بلسان شعرائهم الذين كانوا يذكون بقصائدهم الحماس وروح النضال في نفوس المواطنين.هذه القصائد التي اتسع مداها حتى اهتم بها الباحثون الكولونياليون، ومن بينهم “ايميل لاووست” ، الذي جمع العديد من الأشعار النابعة من الأعماق والمعبرة عن إحساس الشعب، والتي الكثير من أمثالها يجب اعتبارها أناشيد وطنية حقة، وتدريسها في المؤسسات التعليمية بدلا من الأناشيد المنسوخة المستوردة من الخارج.
– مقاومة عسوا اوبسلام : قاد عسو مقاومة آيت عطا ضد الفرنسيين، وأشهر معاركه ضد الفرنسيين، كانت في معركة “بوغافر المجيدة” التي لقن خلالها للمستعمر الفرنسي دروسا في المقاومة لا تنسى.
فقد أبان عن شجاعة قل نظيرها، حيث ارتد العدو إلى الوراء مخلفا ورائه خسائر مادية كبيرة أمام المجاهدين الوطنيين الحقيقيين، وهذا ا جعل فرنسا تفكر في خيار آخر باستعمال الطائرات الحاملة للقنابل لإبادة هؤلاء المقاومين إبادة جماعية، فتم تطويق المنطقة وحصارها لعدة أسابيع، ورمت بالقنابل لتصيب بعيون المياه للفتك بالماشية، وإلحاق أضرار بالفلاحة مما سبب المجاعة للسكان و الماشية، وبذلك بقي عسو أوبسلام نموذجا للوطنية الصادقة في سبيل الحرية والهوية والأرض، ورفض كل المساومات التي تستهدف كرامة الشعب المغربي .
ثانيا : الحركة الأمازيغية ما بعد سنة 1956
بعد جلاء جيوش الإستعمار الذي خلف وراءه خدامه الأوفياء من العائلات الأوليغارشية الأندلسية لخدمة مصالحه في إطار استعمار يتحكم به عن بعد. قدر” لإيمازيغن” بعد ما قدموه من تضحيات جسام، أن يعيشوا رعايا من الدرجة الثانية، وذلك بعدما أن رفضوا ما يسمى بمعاهدة “إيكس ليبان” خاصة من طرف محمد بن العبد الكريم الخطابي (مولاي موحند) الذي وصفها بالخيانية، وكذا من طرف قادة جيش التحرير وعلى رأسهم الشهيد عباس لمساعدي، الذين رفضوا ترك سلاحهم قبل تحرير كل شمال إفريقيا، وذلك سيرا على نهج مؤسس جيش تحرير شمال إفريقيا مولاي موحند. وكان أن همشوا من الحياة السياسية والثقافية، بل ولمكر التاريخ اتهموا بالتعامل مع المستعمر، فحملوا جريرة ما سمي “ظهيرا بربريا”، وبالتالي وبعد تطبيق المبادئ الأربعة لما يسمى ب(الحركة الوطنية) في التعليم خاصة التعريب، أصبح أي حديث عن “إيمازيغن” كذات وهوية وثقافة وحضارة وتاريخ من قبيل المخططات الإستعمارية وغيرها من النعوت والألقاب، التي كانت ترمي إلى إسكات الصوت الأمازيغي إلى الأبد.
و أمام الإحساس بالغبن والتهميش والإقصاء الذي عايشوه إيمازيغن، كانت البدايات الأولى لرواد الحركة الأمازيغية تستهدف إعادة النظر في المكانة التي تضع فيها الإيديولوجية والسياسية السائدتان الأمازيغية كلغة وكثقافة وكهوية.
فكان أول إطار جمعوي يؤسس هي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي تهتم باللغة والثقافة الأمازيغيتين، وذلك بالرباط في 10 نونبر 1967. كان هدف مؤسسيها هو الدفاع عن الأمازيغية باسم الثقافة الشعبية، لأنه في ذلك الوقت كانت الأمازيغية من المحرمات، لأن الحركة الفاسية (التي يسمونها الوطنية) وظفت ظهير 16/05/1930 أحسن توظيفـ فقد عملت على إلغاء كل ما له علاقة بالأمازيغية تحت ذريعة الوحدة الوطنية والقومية والخوف من التفرقة والعمل على تحريف التاريخ وإلحاق الأمازيغ بالعرب، ولمعلوماتكم فقط، فقد عملت تلك الحركة الأندلسية على تهنئة السلطات الاستعمارية عقب قيام الأخيرة بإخضاع قبيلة أمازيغية سنة 1936.
لقد بقي عمل الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي محصورا في إصدار مجموعة من الكتب التي تتحدث عن القصة الشعبية والشعر الشعبي دون ذكر اسم الأمازيغية وإلى حدود نهاية السبعينات ظهرت جمعيات جديدة، أولها جمعية الانطلاقة بالناضور التي تأسست أواخر يناير سنة 1978 بهدف إخراج المدينة التي عرفت توسعا من الناحية الديموغرافية والاقتصادية والتي تعج بالمثقفين من وضعية الركود الثقافي وبلورة الثقافة الإقليمية والوطنية والعالمية.
وبالرباط في 16 أكتوبر 1978 تأسست الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية، والتي ستعرف فيما بعد بجمعية ” تاماينوت” الجمعية في بداية نشأتها لم تركز على الثقافة الأمازيغية، بل بالإهتمامات الثقافية لليسار الجديد عامة والذي لا تحظى لديه الأمازيغية بالأولوية، وكان لابد من شيء من الوقت ليقع التحول اللازم في صفوف مناضلي هذا اليسار المشتغلين في الجمعية وهذا ما حصل بعد انعقاد الدورة الأولى لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1980، فكان من نتائج هذا التحول صدور ميثاقها الثقافي سنة 1981.
وفي أكادير تأسست جامعة الجمعية الصيفية في09 أكتوبر 1979، وقد طرحت فكرة تأسيسها من طرف أطر الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، واستطاع هؤلاء إقناع فعاليات ثقافية أخرى في كل من الدار البيضاء وأكادير للانضمام إلى المشروع، وقد كان الهدف من إنشاءها يرمي بالإضافة إلى إزالة الركود الثقافي من مدينة أكادير وسوس عامة إلى إبراز الخصوصيات الجهوية ومساهمات رجال المنطقة في الشأن الوطني ماضيا وحاضرا بواسطة الدراسات والأبحاث الثقافية المقارنة، وخاصة الثقافة الشعبية الإفريقية وثقافة شعوب العالم الثالث، إلى جانب الإهتمام بالثقافة الشعبية على العموم، والثقافة الأمازيغية على الخصوص بإنشاء مركز للتوثيق بأكادير لمساعدة الباحثين ، كما تأسست جمعيات أخرى خلال هذه الفترة كالجمعية الثقافية لسوس بالدار البيضاء سنة 1980، والجمعية الثقافية أمازيغ بالرباط سنة 1979. ومع تعزيز حضور العمل الثقافي الأمازيغي بمدينتي الدار البيضاء والرباط كمدينتين كبيرتين، تم توسيع هذا النشاط نحو عاصمتي سوس والريف مما سمح بفرض تعميم الوعي العصري بالهوية في هاتين المنطقتين.
وأمام اتساع دائرة الاهتمام باللغة والثقافة الامازيغيتين، بدأت أولى محاولات التنسيق اثرى توقيع ميثاق أكادير مع مطلع التسعينات وبالضبط على هامش الدورة الرابعة للجامعة الصيفية باكادير في 5 غشت 1991 هذا الميثاق كان بمثابة ارضية نظرية للجمعيات الموقعة والمنظمة إليه فيما بعد وكان حافزا لتطوير العمل الجمعوي الامازيغي بالمغرب خاصة مع توقيع مذكرة حول الحقوق الثقافية الامازيغية موجهة الى المؤتمر العالمي لحقوق الانسان المنعقد في فيينا صيف 1993 وكذا توقيع رسالة الى الاحزاب السياسية والحكومة والبرلمان في نفس التوقيت، هذه الحركية نتج عنها تأسيس المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الامازيغية بالمغرب في فبراير 1994، الذي قام بدور هام وأساسي في تفعيل العمل الامازيغي المشترك، وقد بدأ هدا التفعيل في إطار تعبئة الرأي العام الوطني والدولي للتضامن مع معتقلي جمعية تيليلي الذين اعتقلوا في ماي 1994 بسبب مشاركتهم في تظاهرة فاتح ماي ورفعهم للافتات مكتوبة بتيفيناغ وأخرى تطالب بإعادة الإعتبار للهوية والثقافة الامازيغية، وأمام تزايد أعداد الجمعيات المنضوية في مجلس التنسيق، طرحت مسألة القدرة الاستعابية للمجلس للعدد الكبير من الجمعيات الموجودة على المستوى الوطني، والتي أبدت رغبتها في الانضمام الى العمل الآمازيغي المشترك مما دفع بهدا الوضع إلى فتح النقاش بين جمعيات المجلس،فكانت الرؤى والتصورات مختلفة ما بين مقترح الإبقاء على الطبيعة العرفية للمجلس مع تدقيق الضوابط التنظيمية، ومقترح تحويل المجلس إلى إطار قانوني،ومقترح تأسيس تنظيمات وتنسيقات جهوية، ولدراسة المقترحات والتصورات تم الإتفاق على تنظيم ندوة وطنية للتنسيق، غير أن بروز خلافات في مراحل الإعداد للندوة، أدى إلى فشل وتشتيت مجلس التنسيق الوطني. بعد ذلك برزت محاولة للتنسيق على أساس نقط محددة كان أبرزها “مسيرة تاوادا” إلا أنها هي الأخرى لم ترى النور بسبب حسابات المكونات الجمعوية المشاركة في هدا المسار خاصة بعد الإعلان عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وفي سياق البحث عن مخرج لتأزم الفعل النضالي الأمازيغي، كانت تظهر وتختفي العديد من التنسيقات والتنظيمات الجهوية، فظهرت للوجود كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بشمال المغرب صيف 1998. كما تأسست كونفدرالية “تامونت إفوس” بالجنوب كإطار تنسيقي بين الجمعيات وفروع الجمعيات الأمازيغية بالجنوب المغربي، وتأسست في وسط المغرب تنسيقية “أميافا” كإطار عرفي بين الجمعيات، وبمنطقة الريف وبموازاة مع الكونفدرالية تأسست “لجنة قاضي قدور” كإطار تنسيقي بين جمعيات الشمال، خاصة في تنظيم وتخليد السنة الأمازيغية، وكذا تنظيم بعض الندوات الثقافية،كما برزت على الساحة محاولات لتنسيق الجهود على مستوى المسألة الدستورية، حيث صدرت عن الجمعيات الأمازيغية بالريف، وثيقة سميت بميثاق الريف من أجل دسترة الأمازيغية في لقاء بإمزورن يوم 12/9/2005.
وعلى المستوى الوطني أيضا،وعلى هامش الندوة الأورو- تامازغا المنظمة في دجنبر 2003، تم تشكيل لجنة لمتابعة التنسيق الوطني، مهمتها الاتصال بجميع الجمعيات لعقد لقاء وطني على أرضية إعداد مشاريع الأوراق لمناقشتها بعد سنة من التحضير، إلا أن اللجنة لم تقم بدورها كما ينبغي. فبعد سنة كما تم الاتفاق على ذلك وفي سياق غياب مجموعة من الجمعيات الفاعلة، تم الإعلان على تأسيس التنسيق الوطني “أمياواي إيمازيغن” دون المناقشة أو المصادقة على مشاريع أية أوراق تنظيمية أو فكرية .
أما على المستوى الدولي فقد استطاع إيمازيغن تأسيس منظمة دولية لتوحيد النضال تحت اسم الكونغريس العالمي الأمازيغي 1995، إلا أنه رغم أهميتها الكبرى لابد من الإشارة إلى محدودية وتواضع منجزاتها، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية.
فرغم المسار الطويل من العمل و النضال من أجل محاولة لبناء حركة أمازيغية قوية ، لم يستطع ايمازيغن بلورة أسس تنظيم قوي فعال يستجيب لطموحات ومتطلبات النضال الامازيغي، وكان دائما سبب الفشل والتعثرات التنظيمية في ايجاد مخرج لتأزم الفعل النضالي هو تعدد واختلاف وتنوع الرؤى و المقاربات الى جانب الاختراقات السياسوية من قبل بعض التنظيمات العروبية وتفشي ظاهرة الوصولية و الانتهازية المقيتة…، وبالتالي أصبح من الضروري و بشكل ملح التفكير بعمق والدفع بالفعل النضالي الأمازيغي إلى الامام لتقوية و إغناء الرصيد النضالي للحركة الأمازيغية من خلال فعل نضالي جاد و مسؤول يستشرف المستقبل و يتجاوز فيه اللحظات السلبية العقيمة المتسمة بالسب و الشتم و نشر الإشاعات و إيقاظ النعرات القبلية، التي مافتئ أعداء القضية يذكيها و يعمقها.
أمام هذا الوضع التنظيمي المتقلب،يبقى السؤال الذي يفرض نفسه وبالحاجية.هل استشعرت الحركة الأمازيغية بضرورة التفكير في تجاوز الوضع القائم والتفكير بجدية في اختيار آليات العمل والنضال الضرورية و المناسبة لإغناء وتقوية المسيرة النضالية من أجل إقرار مطالبها المشروعة؟.
لقد استطاعت الحركة الأمازيعية أن تقطع أشواطا مهمة في مسيرتها النضالية عبر عنها تزايد المد الجماهري واتساع دائرة الوعي الأمازيغي وتحقيق بعض المكتسبات الرمزية، لكن اليوم عديدة هي المهام المطروحة على هذه الحركة في شكل أسئلة كبرى تستدعي إجابات كل الفاعلين والتي من شأنها الدفع بالحركة الأمازيغية إلى الأمام، وذلك عبر إيجاد صيغ تنظيمية تتلاءم وطبيعة السلوك التنظيمي الاجتماعي والفعل النضالي الأمازيغي، عبر التفكير بعمق و هدوء و يقضة بعيدا كل البعد عن الحسابات والمزايدات السياسوية الضيقة و تجاوز السطحية في التعامل مع الاشكالات المطروحة عليهم ومواجهة سياسة الاحتواء والإختراق و الترهيب ، و الارتقاء بالنضال الامازيغي الى ايجاد وتفعيل آليات قادرة على الاجابة على مجموعة من الاسئلة التي تهم مستقبل الامازيغية كقضية وطنية، ويكمن المدخل لتحقيق ذلك في قراءة التراث الأمازيغي على الصعيد السياسي والسلوك التنظيمي والبنيات الموروثة منذ القدم وتحيينها وفق مقتضات الوقت الراهن وكذا الاستفادة من التجارب الماضية وقراءتها قراءة نقدية تسمح بتجاوز كل المعضلات التي ظلت تورق إرادة الأمازيع على مر العهود الماضية
و اهم هذه الاسئلة التي تؤرق الجميع هي:
– يا ترى ما سبب فشل و تعثر كل الاشكال التنظيمية التي سعى إليها الفاعلين الامازيغيين؟ هل يعود ذلك إلى تعدد واختلاف وتنوع الرؤى و المقاربات واتجاهاتها ومذاهبها أم إلى اشياء أخرى…؟
– وأي نوع من الاشكال التنظيمية التي يجب العمل داخلها؟ هل الاكتفاء بالأشكال التنظيمية التقليدية أي الجمعيات التي حملت في البداية هم النضال على القضية الأمازيغية، ؟ أم الانتقال إلى تأسيس حركة سياسية او حزب سياسي مثلا…؟
– وهل الاكفاء بالتكتل في تنظيم واحد و وحيد و موحد يتسع للجميع؟ أم أصبح الاجتهاد في ذلك أمرا متجاوزا و غير قادر على الاجابة على تطلعات ايمازيغن و بالتالي أصبح التفكير جديا في ايجاد صيغ تنظيمية عديدة واضحة المعالم تتلاءم و طبيعة السلوك التنظيمي الاجتماعي و الفعل النضالي الأمازيغي والدفع به (الفعل النضالي الأمازيغي) إلى الامام لتقوية و إغناء الرصيد النضالي لامازيغن على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية و الفكرية….؟
إن طبيعة القضية الأمازيغية هي التي تفرض بدائل تنظيمية فاعلة ذات مقومات ومقاييس واضحة ومحددة تقطع مع الأساليب القديمة وتهدف إلى تحديد أدوات النضال الأمازيغي، وبناء ذات قوية وفعالة، تتوخى التأثير في المشهد السياسي والثقافي والحقوقي بالمغرب، كحركة مجتمعية جماهيرية ومستقلة تلبي تطلعات الأمازيع.