أستاذ أمراض المخ والأعصاب بكلية الطب بفاس الدكتور زهير سويرتي في حوار مع «العالم الأمازيغي»:
اهتمام السياسيين بالأمازيغية مكسب حقيقي واستعمالها كورقة سياسية إنجاز في حد ذاته
يلاحظ تذبذب كبير في التعاطي مع الأمازيغية في التعليم وفي قطاعات أخرى
على الفاعل المدني الأمازيغي الحضور والترافع والمراقبة وتقديم البدائل والانتقاد
أهمية هذا الحوار الذي أجرته «العالم الامازيغي» مع الدكتور زهير سويرتي رئيس مركز التشخيص بمستشفى الحسن الثاني بفاس، و أستاذ أمراض المخ والأعصاب بكلية الطب بفاس، تكمن في السر الذي دفع بهذا الطبيب إلى الإعتناء باللغة الأمازيغية باعتبارها لغة لنسبة مهمة من الأطفال المغاربة.
من خلال هذه المقابلة يكشف لنا الدكتور عن خبايا وإيجابيات الإهتمام باللغة الام لنقل المعارف للاطفال.
* حاورته رشيدة إمرزيك
اهلا بالأستاذ زهير على صفحات العالم الامازيغي، بصفتكم مهتما بالثقافة واللغة الامازيغيتين، ما هي الملاحظات البارزة التي تسجلونها عن وضعية الأمازيغية في ظل دستور ينص على رسميتها الى جانب اللغة العربية؟
** بداية أشكر «العالم الأمازيغي» على الاستضافة، واغتنمها فرصة لأنوه بجريدتكم، وعلى المجهودات التي تقوم بها من أجل اللغة والثقافة الأمازيغيتين وكذلك من أجل الوعي الأمازيغي والنهضة الأمازيغية.
فيما يخص وضعية الأمازيغية، فإن أهم الأحداث التي يمكن أن نسجلها بالنسبة للأمازيغية في ظل الدستور الحالي، الذي ينص على أن الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وفي ظل الحكومة الحالية، نجد أن هناك نوعا من الدينامية الكبيرة، كما أنه هناك إرادة قوية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهذا أمر يحسب لهذه الحكومة، خصوصا بالنسبة لورش استعمال الأمازيغية في الإدارة، الذي اعتقد معه أننا بدأنا نلامس دينامية مهمة ستعود بالنفع على المرافقين وجميع المواطنين.
الا انه بالمقابل يمكن القول، أن مشكل الأمازيغية في التعليم والإعلام لايزال يحتاج لدينامية مهمة للنهوض بهما، باعتبارهما مجالين هامين من أجل النهوض بالأمازيغية. أما ما يلاحظ على مستوى تفعيل الأمازيغية في باقي مناحي الحياة الاحظ أن هناك عدم التنسيق ربما، بين الفاعل السياسي والفاعل المدني، ففي الوقت الذي يكون فيه الفاعل السياسي متحمسا يكون هناك فتور عند الفاعل المدني و العكس صحيح.
وأرى أننا في الفترة الحالية لسنا في حاجة للانتقاد واللوم ومؤاخذة الأخرين لكونهم لا يولون أهمية للأمازيغية، أو لا يهتمون بالنهوض بها…فأنا أرى، والحمد لله، أن ورش الأمازيغية بدأ وتم تفعيله، وعلى كل واحد منا ان يساهم في بناء هذا الورش كل حسب إمكانيته واستطاعته، فكلنا معنيون بالشأن الأمازيغي، سواء كنا فاعلين سياسيين أو مدنيين أو مواطنين عاديين، ولا يمكن أن نبقى فقط في الجهة المنتقدة للإنجازات التي تعرفها الأمازيغية، بل يجب علينا الانخراط بأي شكل من الأشكال في سبيل النهوض بالأمازيغية، كل من موقعه وحسب امكانياته، فكل واحد منا يمتلك ولو القليل من الوعى بأهمية الأمازيغية إلا ويبقى مسؤولا ومطالب بالقيام بخطوة في سبيلها.
- مؤخرا وافق البنك الدولي على تقديم تمويلٍ إضافيٍ بقيمة 250 مليون دولار لبرنامج مساندة التعليم في المغرب ويهدف بالخصوص إلى تحقيق جودة التعليم خاصة في التعليم الأولي، أستاذ زهير ألا ترى أن هذا الهدف رهين بالاهتمام باللغة الأم للأطفال بالمغرب وضروري ادراجها في التعليم الاولي؟
** بالتأكيد، اللغة الأم أساسية من أجل التعليم السليم، وبناء شخصية سليمة، فاللغة الأم هي اللبنة الأساسية التي يكتسبها الطفل من محيطه وبيئته، لأنه وكما نعرف، حين يولد الطفل يولد بشبكة عصبية تكون مهيئة لاستقبال لغته الأم بالدرجة الأولى، التي يكتسبها من خلال الاحتكاك بأمه وبمحيطه بشكل اتوماتيكي، وبعدها ينتقل من بيئته إلى المدرسة، وهنا يقع نوع من القطيعة مع اللغة الأم، لأنه يجد لغة أخرى مغايرة على اللغة التي اعتاد سماعها، والخطأ الذي يقع في مدارسنا المغربية هو أننا نلقن الطفل لغات اجنبية أو مكتسبة على أنها لغة أم، ونتغاضى عن اللغة الأم الأصلية، فمثلا نعلم الطفل اللغة العربية الفصحى، كما لو أنها لغته الأم والأصلية في حين أن الأمر ليس صحيحا.
إذن اللغة الأم هي التي اكتسبها الطفل من خلال محيطه في سنواته الأولى وخلال فترة الرضاعة واللعب، وهي بمثابة أساس لبناء شخصية الطفل، فلا يمكن أن يذهب إلى المدرسة ويتم التخلي عن الأساس المتين الذي بني عليه منذ ولادته، لتتم عملية البناء من جديد على الرمل.
هناك عدة دراسات بينت على أن اللغة الأم هي السبب الرئيسي في نجاح الإنسان في حياته وبناء شخصيته، فالإنسان المتمكن من لغته الأم، تكون شخصيته سليمة، يتعلم اللغات بشكل سريع، ويتمكن من العلوم بطريقة سهلة، كما أنها عامل أساسي في سعادته، وحتى في شيخوخته، فالإنسان الذي اكتسب لغته الأم تكون وضعيته ومرحلة شيخوخته أحسن من الذي لم يكتسبها، وهذا الأمر يؤكد على مركزية اللغة الأم في التعليم، لذا وجب الاهتمام بها وإعطاؤها المكانة التي تستحقها، وأرى أن قيمة الدعم المهمة التي منحها البنك الدولي لمساندة التعليم والنهوض به لابد أن تستفيد منه اللغة الأمازيغية، لأنه لايمكن النهوض باللغة الأمازيغية دون خلق مناصب شغل، ودون محفزات مادية للمتهمين والمتخصصين فيها، وأظن أنه إن كنا نريد أن يذهب تعليمنا بعيدا ويبني مواطنا سليما ذا شخصية قوية، فلابد أن يهتم باللغة الأم.
فنحن لدينا تجارب كثيرة مع أطفال يعانون من أمراض عصبية، والتي كانت السبب في عدم تمكنهم من لغتهم الأم مائة بالمائة، وهنا أقول أن جهل بعض أولياء الأمور أو محيط هؤلاء الأطفال، وإصرارهم على تعليم أطفالهم اللغات مبكرا، في الوقت الذي يكون فيه الطفل يعاني من التوحد أو مرض عصبي، ولم يستطع التمكن من لغته الأم أو أنه يعاني من هشاشة على مستوى اكتساب اللغة الأم، ونأتي نحن لنلقنه لغة أجنبية غريبة عنه، النتيجة هي أن هذا الطفل يكون غير متمكن، لا من لغته الأم، ولا من اللغات الأخرى، وتصبح لديه إعاقة التواصل مع محيطه، لأن هناك بعض الأطفال الذين لا يستطيعون الذهاب بعيدا في دراستهم، ولكن يجب على الاقل إدماجهم في المجتمع وجعلهم متمكنين من التواصل بلغاتهم الام مع محيطهم،ليصبح الطفل قادرا على التعبير عن حاجياته الأساسية بالخصوص.
- منذ 2003 الى اليوم لازال ملف ادراج الأمازيغية في التعليم يعرف تدبدبا بالمدرسة المغربية ويعاني من العشوائية ومزاجية بعض السياسيين، في نظرك لماذا؟ ولماذا لازالت الدولة المغربية تخشى من ادراج اللغة الأمازيغية في التعليم؟
** بالفعل صحيح هناك تذبذب كبير في التعاطي مع الأمازيغية في التعليم، وفي قطاعات أخرى كذلك، وهذه الحيطة والحذر أظن انها طبيعية بالنسبة لمن لا يتوفر على معرفة عميقة باللغة والثقافة الأمازيغيتين، فالناس من عادتهم الخوف من المجهول، وهؤلاء وبكل بساطة، ينظرون للأمازيغية نظرة نقص وخوف لجهلهم بها.
فاللغة ليست جامدة، بل دائما ما تخفي وراءها وتحمل ثقافة وقيم كالحرية وتمثلات كثيرة لعدد من القضايا كمسألة المرأة في الأوساط الأمازيغية، وفي بعض الأحيان هناك من يرى أن هذه القيم تتعارض مع قيم أخرى، في حين أنها لا تتعارض مع القيم الكونية، ولا تهدد أي ثقافة أو حضارة أخرى، بل بالعكس فهي منفتحة على كل الثقافات، وأظن أن على الفاعل المدني الأمازيغي أن يكون حاضرا ويشتغل على التحسيس والتعريف بثقافتنا ولغتنا للذين يجهلونها، وبالترويج لهذه الثقافة واللغة سنظهر بأنها لا تشكل تهديدا لأي أحد، بل بالعكس، لا اظن ان من تعمق في البحث في الأمازيغية سينفر منها ويرفضها.
ومن جانب أخر علينا العمل على إزالة الحاجز النفسي الذي يوجد لدى المسؤولين والدولة كذلك؛ والحمد لله، الحركة الأمازيغية تقوم بمجهودات مهمة، وكذا بعض السياسيين ونجد أن هناك عمل مهم اليوم في هذا المجال.
من جانب آخر أرى أن الفاعل المدني سواء كان منظما في إطارات جمعوية او سياسية أو غير منتمي لاي اطار او تنظيم، عليه أن يناضل من اجل لغته الأمازيغية ويستمر في العمل على تطوير أساليب العمل، ونستفيد من العصرنة لإيصال صورة جميلة على الثقافة واللغة الأمازيغية، ويجب أن نعلم أن السياسي في الأخير يبني أهدافه واستراتيجياته على تحركات الفاعل المدني، ويستمد منه أفكارا جديدة وإبداعات متجددة، والسياسي من عادته أن يشتغل بموازاة مع الحراك القائم في الساحة المدنية، ويشتغل بشكل موازي مع عمل المجتمع المدني.
- العديد من الفاعلين الجمعويين والمدنيين لا تروقهم الكيفيات التي يتم بها ادراج الأمازيغية في مناحي الحياة المغربية سواء في التعليم او في الاعلام او في القضاء. ما رايك في هذه الرأي؟
** أكيد أن الفاعل المدني لم ترقه طريقة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهذا من حقه، لأن هذا الفاعل هو الأكثر فهما وتمكنا من الثقافة الأمازيغية وقد ناضل من أجل حث الدولة على تفعيلها في الحياة العامة، وهو أدرى بالأليات الجيدة لإنجاح تنزيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
أما فيما يخص تعاطي الدولة مع الأمازيغية فهي لازالت حديثة العهد بها، وأكيد في أي بداية ضروري من وجود تعثرات ونواقص، وهنا يجب أن يحضر دور الفاعل المدني في المراقبة وانتقاد عمل الدولة مع إعطاء حلول مناسبة من أجل تطوير وتجويد مشروع الأمازيغية، مع أنني لا أحبذ أن يتم تبخيس أي عمل كيف ما كان، بل لابد من إعطاء لأي مبادرة ولأي عمل قيمته، وتشجيعه وتطويره.
وما يمكن قوله أنه رغم ما تعانيه الأمازيغية إلا أن هناك بعض التطور، فكما يعلم الجميع أنه سابقا لم تكن هناك تلفزة خاصة بالأمازيغية، والان هي موجودة، رغم الإكراهات التي تعرفها هذه القناة، إلا أنها في الطريق إلى التطور والتجويد سواء على مستوى البرامج أو مدة البث، وعلينا المساهمة في هذا التحسن.
فالمعرفة والثقافة التي يتملكها الفاعل المدني، عليه أن يوصلها إلى الفاعل السياسي، وبالنسبة لي صراحة يجب ألا «نشيطن» الفاعل السياسي، لأنه يقوم بدوره كما يقوم به الفاعل المدني، لذا علينا تشجيع الفاعل السياسي والتواصل معه، ومساندته في عمله لأنه في حاجة إلى مساندة من الفاعل المدني لكي يشتغل، لذا لابد من وجود تعاون بين الفاعل المدني والسياسي.
وأود أن أشير إلى نقطة أخرى، والتي تهم المناضلين سواء في مجال التعليم أو خارج التعليم كأساتذة أو غير أساتذة، ومن خلال ذلك أنبههم إلى نقطة مهمة وهي أن دفاعهم عن الأمازيغية ونضالهم من أجلها، يجب أن يكون نضالا راقيا مدنيا ولا ينجروا وراء بعض الاستفزازات التي بسببها تصدر عنهم ردود فعل لا علاقة لها بثقافتنا الأمازيغية، بل عليهم أن يعطوا صورة جميلة ونحبب الناس في لغتنا وفي ثقافتنا وفينا أيضا كأمازيغ، وليس أن نصبح العدو اللدود للإدارة والمسؤولين، فالعكس هو الذي يجب أن يكون، علينا كسب المسؤولين وإيصال مطالبنا إليهم، ولا يجب أن تكون ردود فعل حماسية تعطي نتائج عكسية، ففي بعض الأحيان المشاكل تحل بالحوار والتواصل وبالصبر، فمشروع كبير كالأمازيغية يلزمه صبر كبير لأنه مشروع طويل المدى.
- مؤخرا عدد من القطاعات الحكومية تبادر بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وادراجها في الادارات وفي المؤسسات، بنظركم هل يمكن اعتبار ذلك من باب مسؤوليات هذه القطاعات ام انها نوع من الاستغلال السياسي للامازيغية؟
بصراحة هذا أمر مضحك، ففي الوقت الذي نكون نناضل من أجل شيء ما، ولا نلقى أي ردة فعل فإننا نشعر بعدم الرضا، وحين يتفاعل ويستجيب نبقى غير راضيين أيضا.
بالنسبة لي، في الحقيقة الأصل في الأمور هي حسن النية، فبالنسبة للفاعل السياسي الذي يستغل الأمازيغية كورقة سياسية فأراه أنا بأنه تحقيق وإنجاز كبير في حد ذاته وقد ينفع الأمازيغية، والأهم هو، من هو الفاعل السياسي الذي سيقنعني في المستقبل؟ أكيد أنه الذي يوظف الأمازيغية توظيفا حقيقيا، فحتى لو كانت غاياته استعمالها كمطية فلن يتساوى مع الذي غاياته النهوض الفعلي بالأمازيغية، وسيكون هناك تفاوتا مع تعاطيهم مع ملف الأمازيغية.
وأظن أن اهتمام السياسيين بالأمازيغية هو مكسب حقيقي وعلينا الافتخار به، وأذكر على سبيل المثال ملف تدريس الأمازيغية الذي يهتم به العديد من السياسيين، انه مكسب مهم يجب التنويه به وتثمينه، ويجب أن نخلق نوعا من الروابط الجيدة مع السياسيين حتى يكون هناك تواصل متبادل وفعال.
- صادق المجلس الحكومي اخيرا على مرسوم لدعم التحول الرقمي واستعمال الأمازيغية في حين تحتاج هذه العمليات الى موارد مالية، هل في نظرك انجاح مثل هذه المبادرات لا يحتاج الى تمييز ايجابي على مستوى التمويل ؟
** صراحة فرحنا كثيرا بصدور مرسوم جديد، والذي صادق عليه المجلس الحكومي، ونحييهم عليه، وحتى من تسميته يعتبر مرسوم مهم تحديث الإدارة والرقمنة واستعمال الأمازيغية وهي بادرة طيبة جدا.
وانا اتفق جدا مع التمييز الإيجابي الذي يجب التعاطي به مع ملف الأمازيغية، ويجب تدارك الوقت الضائع في خدمة الأمازيغية ويرد لها الدين الذي يوجد على عاتق المسؤولين وهو دين كبير جدا عليهم رده للأمازيغية، والتنبيه لهذا الدين هو على عاتق المناضلين والفاعلين والمهتمين بالأمازيغية، وعليهم إيصال هذه الرسالة بشكل حضاري ولائق ومناسب للمسؤولين والسياسيين، فلا يمكن ان نحفز الناس على اللغة الأمازيغية دون خلق مناصب مالية، لأنه دون مناصب مالية فالأمازيغية تعتبر شيئا ثانويا وكماليا في نظر البعض، وبالتالي تغيب المسؤولية ويغيب الإبداع والتنافس فيها.
إذن المناصب المالية بالنسبة للأمازيغية يجب أن تكون وأن تتم مضاعفتها لإنصاف الأمازيغية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فأنا أرى أن التمييز الإيجابي فيما يخص الأمازيغية لا يجب النظر اليه كإنفاق ومصاريف، بل يجب النظر اليه على أنه سيكون ذا فائدة ومردودية إيجابية في صالح الأمازيغية، لأن الاستثمار مثلا في المناطق المهمشة والتي لم تأخذ حقها في التنمية، على يقين ستكون مردوديتها كبيرة، وهذا الجانب يجب أن نقنع به المسؤولين على أن الاستثمار ليس فقط من أجل الاستثمار، بل لأن الاستثمار سيعود بالنفع على المجتمع والدولة والبلاد ككل.