أشكر جريدة العالم الأمازيغي على دعوتي للمشاركة في العدد المخصص للحدث التاريخي المتعلق بالإقرار الملكي للسنة الأمازيغية وجعلها عطلة وطنية مؤدى عنها، بالنسبة لي كفاعل حقوقي هذا الاعتراف يأتي في سياق وطني ودولي مفعم بكثير من التحولات الثقافية والاجتماعية، وأعتبر هذا الاعتراف بمثابة إقرار صريح بتعدد روافد الهوية الوطنية المشكلة من عدة أبعاد، البعد الأمازيغي والمتوسطي والصحراوي والعربي والإسلامي واليهودي والإفريقي، وهو اعتراف يأخذ بعين الاعتبار الكرامة الإنسانية بالمعنى الأفلاطوني الفلسفي، والقرار الملكي الذي يمكن نعته بالقرار التاريخي حقا وفعلا فيه تجسيد للتصالح المغربي مع هويته المتعددة الأبعاد والعناصر المكونة للشخصية المغربية، وفي نفس الوقت يعبر عن انسجام تام مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ما يجعل القرار الملكي يأتي متناغما مع البعد الحقوقي المتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي القرار الملكي حماية للحقوق الثقافية الأمازيغية وفيه أيضا ترسيم لخط دقيق متعلق بالسياسة اللغوية الثقافية بالمغرب، والحماية القانونية والحقوقية للغة الأمازيغية وثقافتها بدأت سنة 2011، والقرار أيضا فيه أيضا تفاعل كبير مع الخطاب الملكي بأجدير 2001 المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والذي كان من بين أهدافه العناية باللغة والثقافة الأمازيغية والعمل على ترسيمها وإدماجها في مجالات الحياة العامة، وهذه المأسسة أيضا تغني خطاب أجدير، وهذا القرار مناسبة جميلة من أجل الدفع بسياسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المتعلقة بالحقوق الثقافية واللغوية، فالمعهد الملكي عبارة عن مؤسسة حقوقية تعنى بالحقوق اللغوية والثقافية بالأساس، وهي حقوق مهمة جدا تتعلق بالعهد الدولي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يعني بينهما نوع من التلاؤم والتطابق، لأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يرتبط بتفعيل السياسة الثقافية اللغوية في المغرب، وفيه أيضا تفاعل مع ميثاق أكادير 5 غشت 1991 الذي كان بمثابة الأرضية المؤسسة للمحطات اللاحقة، أهمها البيان الأمازيغي الصادر سنة 2000 المشكل للحركة الثقافية الأمازيغية المكونة من نخبة المعهد، وميثاق 1991 كذلك هو الذي أفضى إلى المساهمة والتفاعل الوطني لإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، دون أن ننسى أيضا التوصيات الهامة المنبثقة عن الجامعة الصيفية بأكادير بداية الثمانينات من القرن الماضي.
القرار الملكي التاريخي جاء في سياق وطني ودولي تضافرت فيه مجموعة من العوامل والمستجدات، تراكم فيها الاهتمام بالحقوق الثقافية واللغوية، على مستوى جنيف الأمم المتحدة وتقديم تقارير الحقوق الثقافية، بالنسبة لي كفاعل حقوقي القرار الملكي السامي يتفاعل مع كل هذه المحطات، وفيه إشارات ودلالات وأبعاد وأهداف كبيرة جدا تتعلق بقرار تاريخي يجسد الحقوقية واللغوية والثقافية للمغاربة، وبالنسبة للأمازيغية فهي شأن وطني مشترك، لأن الهوية الأمازيغية هوية وطنية مغربية في أبعادها التاريخية المتعاقبة التي مثلت تاريخ المغرب من المرابطين الموحدين المرينيين السعديين والعلويين…، هي مكونات تاريخية تدعم الهوية الأمازيغية المغربية، القرار الملكي أتى أيضا في إطار دفع السياسة الثقافية اللغوية بالمغرب نحو مزيد من التعمق وتكريس المبادئ الدستورية المنصوص عنها سواء في ديباجة الدستور أو في الفصل الخامس منه، سواء على مستوى الحق في الإعلام أو على مستوى الحق في التعليم أو الحق في استعمال اللغة الأمازيغية في القضاء أي في التقاضي أو الحق في تسمية الأسماء الأمازيغية، فهذه الأخيرة لم تعد مطروحة بحدة كما كان الحال خلال سنوات التسعينات وبداية الألفية، بالنسبة لي كحقوقي هذا القرار الملكي في الظرفية التي عرض فيه القانون التنظيمي 16.26 الخاص بتنزيل طابع الرسمية للغة الأمازيغية، الذي عرض على المحكمة الدستورية سنة 2019، وأكدت أن القانون منسجم انسجاما تاما مع مبادئ الدستور المغربي ولا يتناقض معه، رغم أن الفصل الخامس من الدستور المغربية المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لم يؤكد ولم يشر إلى اللغة المعيارية الموحدة في اللغة الأمازيغية، وكان بإمكان المحكمة الدستورية أن القانون التنظيمي غير منسجم مع الدستور، وكان هذا مكتسب كبير، وهي أكبر مؤسسة قضائية تقر بانسجام القانون مع الدستور، والدستور المغربي لا يخرج عن القانون الدولي لحقوق الانسان، بل ينسجم معها، حيث انسجم أيضا مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صدر 1966 وصادقت عليه بلادنا سنة 1979، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في المادة 19 الذي يؤكد خلالها على الحقوق الثقافية واللغوية وينسجم معها الدستور المغربي وهذه مكتسبات مهمة جدا، والقرار الملكي الأخير هو تفاعل وانسجام ودفع إلى الأمام لكل هذه المقتضيات والمنعطفات الخاصة بالسياسة اللغوية والثقافية بالمغرب.
وهناك قانون التنظيم القضائي الجديد الذي نعتبره نحن كحقوقيين بأنه يسمح باستعمال اللغة الأمازيغية في القضاء، يعني في المحاكم في المؤسسات القضائية، بمختلف أشكالها ودرجاتها لأنه هناك قانون تعريب وتوحيد ومغربة القضاء، الذي كان 1965، لكن القانون الجديد يمنح حق التقاضي بالأمازيغية، ويحتاج الأمر لسنوات لتفعيل مقتضيات هذا القانون، لأن قانون التعريب والتوحيد والمغربة وبتفعيل المادة 14 منه جعل صيغة الأحكام بالعربية وإصدار الأحكام بالعربية والإجراءات والتبليغ كلها بالعربية، بالمقابل ليس هناك صياغة محاضر بالأمازيغية ولا إصدار الأحكام…، ولكن هذا القرار الجديد فيه دعم لتفعيل مقتضيات هذا القانون الجديد، لأن القرارات الملكية لها مكانة دستورية كبيرة تؤخذ بعين الاعتبار حالها حال المقتضيات الدستورية، وهذا أمر معروف لدى رجال القانون المغاربة، وهذه فرصة تفعيل هذا القانون الذي بموجبه ستتوفر الأحكام والتبليغ وحتى التحقيق في القضاء بالأمازيغية، وتوفير الترجمة من وإلى اللغة الأمازيغية في المحاكم، رغم أن الترجمة تعتبر الأمازيغي المغربي أجنبي في وطنه.
غير أننا نؤكد كما سبق وأن ذكرت في البداية، أن القرار هو قرار تاريخي من شأنه أن يحقق يدفع بالسياسة الثقافية واللغوية بالمغرب، وترسيخ للمبدأ الدستوري من أجل الدفع بكل هذه المحتويات المغربية الأمازيغية، وهنا لا ننسى ضرورة استحضار الأمازيغية في الإعلام والتعليم، كما نستحضر الاتفاقية التي جمعت بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة العدل لإدراج الأمازيغية في منظومة العدالة، وكانت اتفاقية أخرى سنة 2021، ولا ننسى الاتفاقية التي جمعت بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة التربية الوطنية سنة 2003 قبل ترسيمها في الدستور، لإدراج اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية وفي مختلف الأسلاك من الابتدائي إلى الثانوي، وللأسف الشديد نحن نعرف أن تعليم الأمازيغية ظل حبيس السنوات الأولى من السلك الابتدائي، وبالنسبة للإعلام الأمازيغي نذكر المناظرة الوطنية 1993 المهمة، أكدت على الحق في الإعلام الأمازيغي الجهوي، بخصوصيته المحلية، نؤكد أنه هناك مكتسبات في هذا المجال خاصة إحداث قناة أمازيغية القناة الثامنة، رغم أن الموضوع عرف تعثر في البداية، وعرفت الأمازيغية تطور على مستوى الإعلام المكتوب والإلكتروني، وهذا القرار جاء في ظرفية تحتاج فيها هذه المكتسبات نفس جديد ودفعة أخرى، وتشجيع هذه السياسات وطنيا ودوليا.
* فاعل حقوقي بمدينة الحسيمة