زلزال الأطلس الكبير وسؤال العدالة المجالية

بقلم ذ. محمد امدجار*

هذا المقال كان في الأصل موضوع مداخلة ساهمت بها في ندوة وطنية احتضنتها القاعة الكبرى لدار المحامي بالدار البيضاء يوم 08 شتنبر 2024 من تنظيم منظمة إزرفان و تنسيقية أكال بمناسبة مرور سنة على زلزال الأطلس الكبير ، و هي مناسبة لوضع تدبير الدولة للكوارث الطبيعية تحت مجهر القراءة و التحليل و التأويل ، و مناسبة لتسليط الضوء على وضعية تقدم برنامج إعادة الإعمار بالمنطقة بعد الزلزال ، و كذا وضع اليد على واقع البنية التحتية و الخدمات الاجتماعية و الوضعية الاقتصادية للأطلس الكبير .

أولا : ملاحظات أولية :

1) بعد مرور سنة على الزلزال لازالت الكثير من الأسر المتضررة من الزلزال تعيش في الخيام تحت رحمة البرد و الحر و التقلبات المناخية .

2) الكثير من المراكز الصحية و المدارس توجد في وضعية سيئة جدا ، حتى قبل الزلزال ، و ازدادت سوءا بعده إلى يومنا هذا ، بل و تم إدخال الخيام في ما يسمى بتأهيل بعض المدارس .

3) الكثير من المتضررين لم يستفيدوا من الدعم الشهري المباشر ، و الكثير ممن استفادوا في البداية توقف دعمهم بعد شهرين أو ثلاثة بدون سابق إنذار و بدون سبب مقبول ، و الذين استفادوا من هذا الدعم على طول المدة المعنية فقد توقف هذا الدعم الآن بعد مرور سنة من بدايته لتبدأ معاناة أخرى .

4) هناك متضررين لم يستفيدوا نهائيا من دعم الترميم أو إعادة الإعمار و طرقوا الأبواب و نظموا عدة وقفات احتجاجية و مسيرات احتجاجية مشيا على الأقدام لعشرات الكيلومترات دون أن يظفروا بأي جواب و في ظل تعتيم إعلامي ممنهج .

5) طريقة تعويض المتضررين و المبالغ المرصودة لذلك لم تراعي خصوصية المساكن و نمط العيش المرتبط بها في الأطلس الكبير . فالمساكن في هذه المنطقة هي مساكن قد تحوي عدة أسر ( الأسرة الممتدة ) كما تتضمن مرافق خاصة بالماشية و مرافق خاصة بأدوات العمل و أخرى خاصة بالتخزين ، لأن نمط العيش و الأنشطة الممارسة في هذه المناطق يستلزمها ، و لا يمكن تصور وجودها في بيوت لا تتجاوز 70 أو 80 متر أو أقل في كثير من الأحيان .

6) المساكن التي لا يقطنها ساكنيها ( لا تعد سكنا رئيسيا ) ، لا يستفيد ملاكها من التعويض رغم أنهم متضررين من كارثة طبيعية تستوجب التعويض ، مما يقطع صلة عدد كبير من الأسر بأرضهم و مسقط رأسهم و ذاكرتهم و علاقاتهم الاجتماعية .

7) عدد كبير من المستفيدين من الدفعة الأولى لم يستطيعوا إنجاز الأشغال المطلوبة منهم للاستفادة من الدفعة الثانية نظرا لغلاء الأسعار و ارتفاع تكلفة المواد الأولية و اليد العاملة و النقل و غيرها .

ثانيا : الأطلس الكبير مجال فقير أم مجال تم تفقيره ؟

إثر زلزال الأطلس الكبير حل مجموعة من الصحفييين و ” المؤثرين ” و المنابر الإعلامية بقرى الأطلس الكبير و لاسيما في أقاليم الحوز و شيشاوة و تارودانت ، فنقلوا إلى العالم صورا و فيديوهات و مشاهد تجعل المتفرج يشعر و كأنه سافر عبر الزمن عشرات السنين إلى الوراء ، صور و فيديوهات جعلت العالم يكتشف منطقة شاسعة من بلادنا تسمى الأطلس الكبير تعيش في وضعية كارثية على جميع المستويات ، إذ لا بنية تحتية و لا خدمات اجتماعية و لا فرص للشغل و لا معاهد للتكوين و لا مركبات ثقافية و لا أندية رياضية و حدث و لا حرج . لكن هل يعني ذلك أن المنطقة فقيرة أم تم تفقيرها ؟ أليس للمنطقة أية رمزية في تاريخ البلاد ؟ ألم تلعب المنطقة أي دور في ماضي البلاد و حاضرها ؟

1) الثروات المعدنية : تضم هذه المنطقة من بلادنا ثروات معدنية كثيرة و ثمينة ، حيث تستخرج من جوف أرضها و من جبالها آلاف الأطنان من معادن الذهب و الفضة و النحاس و الزنك و الكوبالت سنويا من مناجم يتم استغلالها من طرف شركات مغربية نذكر منها مجمع “كماسة” و مجمع “الحجار” ، و شركات أجنبية نذكر منها شركة ” مايا كولدن ” الكندية .هذه الشركات التي تستغل ثروات المنطقة و تستنزف مواردها لا تستفيد منها المنطقة و لا ساكنتها أي شيء : لا طرقات و لا خدمات و لا أي شيء ، بل تلحق بهم أضرار كثيرة ، إذ يتسبب نشاطها في تلويث الماء و الهواء و تخريب المنظومة البيئية ، كما أن التفجيرات التي تحدثها هذه الشركات تتسبب في إزعاج الساكنة و إفزاعهم و التسبب في شقوق و تصدعات تلحق مساكنهم .

2) إمكانات سياحية هائلة : تزخر المنطقة بمناظر طبيعية خلابة و فضاءات لممارسة مجموعة من الأنشطة و الرياضات ( المشي – تسلق الجبال – السباحة – الصيد … الخ ) كما تظم الكثير من تجليات التراث المادي و اللامادي الغني لبلادنا من مآثر تاريخية و منشآت مائية و معارف و فنون و حرف و غيرها .

3) تنوع التضاريس و الوحيش و الغطاء النباتي يعطي إمكانيات واعدة لاستغلال هذا المجال كبلاطوهات لتصوير الأعمال السينيمائية و الوثائقيات و البرامج التلفزيونية .

4) قيمة تاريخية : لعبت المنطقة دورا مهما جدا في تاريخ المغرب ، لعل أبرز تجلياته تكمن في دروس المواطنة الحقة التي قدمها أبناء و بنات هذه المنطقة من خلال مقاومة المستعمر الفرنسي الذين خاضوا ضده معارك ضارية بقيت مسجلة بمداد الفخر و الاعتزاز في تاريخ المغرب المعاصر . كما أن هذه المنطقة كانت شاهدة على البدايات الأولى لأبرز دولتين في تاريخ المغرب و هما الامبراطوريتين المرابطية و الموحدية .

5) قيمة هوياتية : شكل مجال الأطلس الكبير كمجال جبلي حصنا حصينا صان و حافظ على اللغة الأمازيغية من الاندثار و على الكثير من مظاهر الثقافة الأمازيغية من الضياع من خلال محافظته على نمط العيش الحاضن لهذه اللغة و الثقافة في ضل إقصائها الرسمي و إبقائها خارج المؤسسات لعقود من الزمن .

إن الأطلس الكبير ينم عن مفارقة صارخة تفصح عن تناقض جلي ، إذ أننا من جهة نحن بصدد الحديث عن منطقة غنية بالثروات المعدنية و الموارد الطبيعية و الكثير من المؤهلات التي يمكن أن تكون أداة فعالة لخلق الثروة لو تم إيلائها الاهتمام اللازم ، و من جهة أخرى فإننا نتحدث كذلك عن منطقة تم تفقيرها لاعتبارات تحيلنا بشكل أساسي على غياب العدالة المجالية في السياسات العمومية .

ثالثا : سؤال العدالة المجالية

إن غياب العدالة المجالية في المغرب ليس راجعا ، بطبيعة الحال ، إلى كون مهندسي السياسات العمومية أو المسؤولين الذين يدبرون الشأن العام ببلادنا ينتمون إلى مناطق معينة يجعلونها تحضى بالاهتمام على حساب مناطق أخرى ، بل راجع إلى تبني الدولة للنموذج الفرنسي المتمثل في الدولة اليعقوبية المتمركزة بإفراط في العاصمة و الذي يعمل على صياغة ثقافة البلاد و قيمها و أولوياتها و ملامحها المميزة لها انطلاقا من ثقافة و قيم و أولويات و ملامح المركز( التي تتبناها النخبة المنتجة للقرار السياسي و المحددة لتوجهات الدولة ) و ينبني على التأحيد اللغوي و الثقافي و على تمركز البنيات التحتية و الخدمات الاجتماعية و البنيات الاقتصادية و التكوينية في المركز ، و العمل بالمقابل على إقصاء و تهميش ” الهامش ” .

هذا النموذج يخلق البنيات الاجتماعية و الاقتصادية التي تسيّد تفكير المركز و تهمش الإنتاجات الثقافية المتنوعة على مستوى الهامش. و مجرد فكرة أن هناك مركز و هناك هامش تشكل حيفا . و هذه الفكرة تتحقق عمليا على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي في اختيارات و أولويات الدولة و مشاريعها و برامجها، الشيء الذي يخلق تفاوتات مجالية كبيرة بين هذا المجال الذي أريد له ( بضم الألف و فتح الدال ) أن يكون مركزا ، و تلك المجالات التي أريد لها ( بضم الألف و فتح الدال ) أن تكون هوامش.

هذا الواقع يجعل الملايين من أبناء و بنات هذا ” الوطن ” يعيشون الحيف و يطبعون معه و يحسون بالغبن عندما لا يجدون أنفسهم في السياسات العمومية ، سواء كمجالات أو كذوات أو كثقافة أو كنمط عيش، الشيء الذي يخلق تمثلات سلبية عن مجالنا و أناسه ، تمثلات قوامها ربط التخلف و البدائية و الغباء و عدم التحضر بالمجالات الجبلية و الواحية و البعيدة عن المركز ، و هو ما يجعل المنتمون لهذه المجالات يخجلون من لغتهم و مجال انتمائهم ، و لا يمكن أبدا لشخص مغترب و متنكر لأصله و ثقافته و لذاته و غير متصالح معها و غير واع بها أن يساهم في الإنتاج الفكري أو الاقتصادي أو الابداعي أو غيره ، و حتى إذا حصل أن كان هناك إنتاج في ظروف معينة ، فيجب على صاحبه ان يتجه إلى المركز لكي ينجح ، لأن غياب العدالة المجالية و الاستمرار في العمل بثنائية المغرب النافع و المغرب غير النافع أنتج ما يمكن تسميته ب ” جغرافيا النجاح ” .

في الختام يتضح جليا أن الأطلس الكبير مجال واسع أخطأته كل المشاريع و الخطط التنموية للدولة . مجال غني بالثروات المعدنية و الموارد من جهة ، و فقير جدا على مستوى البنيات التحتية و الخدمات الاجتماعية من جهة أخرى . مجال راح ضحية غياب العدالة المجالية و التوزيع العادل للثروة و السلطة و تكريس ثقافة الاستلاب و الاغتراب و التنكر للذات و للمجال من خلال السياسات العمومية القائمة على التمييز و المتبناة من طرف الدولة .

رئيس منظمة تاماينوت*

اقرأ أيضا

المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ينظمان زيارة علمية لأساتذة اللغة الأمازيغية

نظم المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الرباط سلا القنيطرة بتنسيق وتعاون مع المعهد الملكي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *