عبد الإله بنكيران وانتقاداته للحكومة: غياب للموضوعية وانفصام في الخطاب السياسي

أمينة ابن الشيخ اكدورت

في كل مناسبة أو دونها، يطلّ علينا عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبر موجة جديدة من الانتقادات الموجهة لرئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش. يتهم بنكيران هذا الأخير بتنفيذ التوجيهات الملكية وكأن في ذلك انتقاصًا من مسؤولية الحكومة أو مسًّا باستقلاليتها. غير أن هذا الطرح لا يعكس سوى فهم سطحي لطبيعة النظام السياسي المغربي، الذي أرسى دستور 2011 أسسه، حيث يتكامل دور الملك كرئيس للدولة مع دور الحكومة كمؤسسة تنفيذية.

إن دستور المملكة، الذي يكرّس الملكية الدستورية ويمنح الملك صلاحيات استراتيجية كرئيس للدولة ورئيس المجلس الوزاري، يجعل التوجيهات الملكية جزءًا لا يتجزأ من منظومة صنع القرار الوطني. وهذه التوجيهات ليست مجرد توصيات تُترك للحكومة لتقرر بشأنها، بل هي بوصلة تُحدد الأولويات الكبرى للدولة، ما يفرض على الحكومة، أيًّا كان رئيسها، العمل على تنزيلها بكل جدية وفعالية.

ما يتغافل عنه أو يتجاهله بنكيران، هو أن الالتزام بالتوجيهات الملكية ليس تعبيرًا عن ضعف الحكومة، بل دليل على الانسجام المؤسسي، باعتبارها خريطة طريق وطنية تعكس طموحات الشعب المغربي وتستجيب لتحديات المرحلة. وبالتالي، فإن تحمل عزيز أخنوش لمسؤوليته كرئيس للحكومة في تنفيذ هذه التوجيهات هو تكريس للدور المنوط بالحكومة في إطار النظام السياسي المغربي، وليس تنازلًا عن استقلاليتها.

لقد وضع الملك محمد السادس في صدارة الأولويات الوطنية قضايا استراتيجية كبرى، من بينها تقليص الفوارق الاجتماعية، تعميم الحماية الاجتماعية، تحفيز التنمية الاقتصادية، والتفعيل الجيد للطابع الرسمي للأمازيغية، وهي ملفات شهدت تعثرات خلال فترة رئاسة بنكيران للحكومة. فكيف لمن فشل في إنجاز هذه الأولويات أن يوجّه سهام النقد لمن يعمل على تحقيقها؟

الأكثر إثارة للدهشة هو التناقض الواضح في خطاب بنكيران، الذي كان، خلال رئاسته للحكومة، يستشهد مرارًا بالتوجيهات الملكية لتبرير قراراته أو تمرير إصلاحاته. كيف له اليوم أن ينتقد الالتزام بهذه التوجيهات؟ هذا الانفصام في الخطاب يُضعف من مصداقيته ويكشف عن أزمة داخلية عميقة داخل حزب العدالة والتنمية، الذي يعيش على وقع تداعيات نكسته الانتخابية المدوية في 2021. بذلك، يبدو أن انتقادات بنكيران ليست سوى محاولة للتنفيس عن أزمة حزبه، أكثر منها تحليلًا موضوعيًا لأداء الحكومة.

التفاعل الإيجابي مع التوجيهات الملكية ليس تهميشًا لدور الحكومة، بل هو ركيزة لتحقيق التنمية وخدمة المواطن. النقد البناء، في السياق السياسي الوطني، لا يمكن أن يكون مجرّد استهداف شخصي أو تكرارًا لمواقف متناقضة. بل يجب أن يقوم على تقديم بدائل واقعية وحلول ملموسة تسهم في تعزيز العمل الحكومي وتطوير الأداء المؤسساتي، بما يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجه المغرب.

في نهاية المطاف، يتطلب المشهد السياسي خطابًا مسؤولًا يُدرك مكانة الملكية الدستورية ودورها المحوري في النظام السياسي المغربي، بدلًا من اللجوء إلى ازدواجية المواقف التي لا تزيد سوى من تعميق الأزمة داخل الأحزاب السياسية، على حساب قضايا الوطن والمواطن.

اقرأ أيضا

بركان: أنشطة ثقافية وفنية احتفالا بالسنة الأمازيغية الجديدة

تم، الأحد ببركان، تنظيم أنشطة ثقافية وفنية، احتفالا بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975. وأعدت المديرية الجهوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *