صرخة العدد 286 نونبر 2024/2974

لا يختلف اثنان حول واقع أن شمال أفريقيا أو ما يسمى في أدبيات الحركة الأمازيغية بتامازغا، كانت منذ أقدم العصور، موطناً لشعب واحد مترابط جمعته الأرض، اللغة، والثقافة. فمنذ آلاف السنين، عرفت المنطقة حضارات عظيمة مثل النوميديين والموريين وغيرهم الذين لا يزال ارثهم الثقافي والحضاري حاضر كجزء مهم في الهوية والثقافة التي تربط شعوب المغرب الكبير بتاريخ مشترك يمتد إلى آلاف السنين. نعم الشعوب الأمازيغية التي أسست ممالك امتدت على كامل تراب شمال إفريقيا، وأثبتت للعالم قدرتها على بناء كيانات سياسية متماسكة وقوية. هذه الحضارات التي سبقت الإسلام بأزمنة طويلة، كانت شاهدة على وحدة المصير التي جمعت شعوب المنطقة، حيث ازدهرت التجارة، وتطورت الفنون، وتلاحمت المجتمعات في مواجهة التحديات، سواء عبر الصراعات مع الإمبراطوريات الكبرى كالرومان، أو في نضالها للحفاظ على استقلالها وهويتها.

لقد كانت هذه الأرض مهداً لتاريخ مشترك ضارب في القدم، تشكل فيه شعور عميق بالانتماء الجماعي، وبرزت فيه شخصيات مثل يوغرطة وتاكفاريناس وماسينيسا وتيهيا وزيري وغيرهم كرموز للنضال من أجل الحرية والاستقلال. هؤلاء الأبطال، الذين ألهموا شعوبهم في مواجهة الاحتلال، هم الآن جزء من ذاكرة جماعية تؤكد أن شعوب شمال إفريقيا كانت دوماً متحدة في الدفاع عن كرامتها وعن حقها في التحرر من الاستعمار.

من هذا المنطلق وجب التأكيد على أن هذا الإرث المشترك تعززمن خلال القيم الإنسانية التي عمقت روابط الأخوة والتكامل بين شعوب هذه الأرض الطيبة، حيث انصهر هذا الموروث الثقافي المشترك في نسيج واحد، مضيفا بعداً روحياً جديداً لوحدة المصير، وقد ظلت هذه الروابط قائمة عبر التاريخ، تتجدد مع كل تحدٍّ تواجهه المنطقة.

ومن بين هذه اللحظات التاريخية المشرقة، تبرز فترة النضال المشترك ضد الاستعمار الفرنسي، حيث وقفت شعوب شمال إفريقيا جنباً إلى جنب مع بعضها البعض لاستعادة حريتها، وفي هذا السياق، كان المغرب نموذجاً في دعم الثورة الجزائرية، وهو دعم لم يكن جديداً على شعب عاش عبر تاريخه قيم التضامن مع أشقائه، فقد تجلى هذا الدعم في مبادرات شعبية وإنسانية عظيمة، انطلقت من استضافة العائلات الجزائرية من طرف عائلات مغربية، إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي للمقاومين عبر جمع التبرعات من كل أنحاء الوطن، إضافة إلى المواقف السياسية الشجاعة التي قادها الملك الراحل محمد الخامس في مجلس الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وفي كل المحافل الدولية المتاحة، متحدياً بذلك الضغوط الفرنسية والدولية.

اليوم، ونحن نستحضر هذه الصفحات المشرقة من تاريخنا المشترك، تبرز الدعوة المتكررة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لإعادة بناء العلاقات المغربية الجزائرية، كفرصة تاريخية لإحياء تلك الروح التي جمعتنا عبر العصور، فاليد الممدودة ليست مجرد مبادرة سياسية، بل هي استلهام لروح التضامن التي صاغت تاريخنا المشترك، من حقبة يوغرطا إلى نضال الثورة الجزائرية.

إن التحديات الراهنة التي تواجه شعوب هذه المنطقة في اللحظة الآنية لا تختلف كثيراً عن تلك التي واجهها أجدادنا، ولعل التاريخ يقدم لنا درساً واضحاً، وهو أن شعوب شمال إفريقيا دائماً أقوى عندما تعمل معاً، وأضعف عندما تفرقها الصراعات.

فلنعمل اليوم على استعادة هذا الزخم التاريخي، لنبني مستقبلاً قائماً على قيم التفاهم والتعاون، فشعوب المغرب الكبير، التي جمعتها الحضارة منذ القدم، قادرة على كتابة فصل جديد من التلاحم والوحدة، بما يعكس طموحاتها في السلام والتنمية، ويعيد الاعتبار لتاريخها المشرق، من أجل مستقبل يليق بمجدها المشترك.

وقديما قال الحكيم الأمازيغي:

ⵢⴰⵜ ⵜⵣⵡⵉⵜ ⵓⵔⴰ ⵜⵙⴽⴰⵔ ⵜⴰⵎⵎⵏⵜ
Yat tzwit ura tskar tammnt

النحلة الواحدة لا تصنع عسلا

صرخة العدد 286 نونبر 2024/2974– جريدة العالم الأمازيغي

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 288 يناير 2025/2975

مع بداية العام الأمازيغي الجديد 2975، يعيش المغرب ودول تامزغا لحظة غير مسبوقة من الاعتزاز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *