ناشط سوري يكتب:”التعددية في المغرب تجربة رائدة في شمال افريقيا والشرق الأوسط”

حكمت إبراهيم ناشط سوري

تعد مملكة المغرب مثالًا بارزًا للتعددية الناجحة في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، حيث استطاعت أن تدمج بين الأصالة والحداثة، وبين الوحدة الوطنية والثراء الثقافي والديني والمجتمعي. لقد نجح المغرب في تحويل تنوعه إلى عنصر قوة واستقرار، بدل أن يكون عامل انقسام أو صراع، وهو ما جعله نموذجًا يُسترشد به في المنطقة، خاصة في ظل ما تعرفه دول كثيرة من توترات ناتجة عن سوء إدارة التنوع.رحلات سياحية إلى المغرب

أولًا: التعددية الثقافية واللغوية – فسيفساء الهوية المغربية

يتميّز المغرب بثراء ثقافي متعدّد الأبعاد، تعكسه تنوعاته الجغرافية واللغوية والعرقية. فالهُوية المغربية بُنيت تاريخيًا على روافد متكاملة: العربية الإسلامية، والأمازيغية الأصيلة، والحسانية الصحراوية، فضلًا عن التأثيرات العبرية والأندلسية والإفريقية والأوروبية. وقد أقرّ دستور 2011 هذا التعدد بشكل رسمي، عندما اعتبر الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، مع التأكيد على احترام جميع الروافد الثقافية التي تشكل الشخصية الوطنية المغربية.رحلات سياحية إلى المغرب

ولم يبق هذا التنوع في حدود الاعتراف النظري، بل تُرجم إلى سياسات عملية في مجالات التعليم، والإعلام، والثقافة، والإدارة، حيث باتت اللغة الأمازيغية تُدرّس في المدارس، وتُستخدم في الإعلام العمومي، كما دُعمت المبادرات الثقافية المحلية التي تعزز الهويات الجهوية في إطار الوحدة الوطنية.

ثانيًا: التعددية الدينية والمذهبية – تسامح متجذّر

رغم أن الإسلام هو الدين الرسمي للمملكة، فإن تدبير الشأن الديني في المغرب يتّسم بالاعتدال والانفتاح، ويستند إلى ثلاثية مذهبية فريدة: المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني. هذا النموذج المغربي في التدين يُعرف بـ”الإسلام الوسطي”، وقد ساهم في تعزيز التعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة.رحلات سياحية إلى المغرب

ويحتضن المغرب جالية يهودية تُعدّ من الأقدم في العالم الإسلامي، إضافة إلى جالية مسيحية وافدة، تمارس شعائرها بحرية وتجد في المغرب فضاء آمنًا للعيش. ويُعتبر هذا التعايش ثمرة قرون من الاحترام المتبادل والانفتاح الحضاري الذي شكّل وجدان المغاربة، ورسّخ ثقافة قبول الآخر.

ثالثًا: التعددية السياسية والمؤسساتية – تجربة ديمقراطية متدرجة

في مشهد إقليمي مضطرب، يُعدّ المغرب استثناءً في ترسيخ تعددية سياسية فاعلة داخل مؤسسات دستورية راسخة. فالمملكة تعرف نظامًا برلمانيًا ملكيًا، تتوزع فيه السلطة بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتُجرى الانتخابات بشكل دوري، بمشاركة أكثر من خمسين حزبا سياسي، و التي تُعبّر عن طيف واسع من التوجهات الأيديولوجية، من اليمين المحافظ إلى اليسار التقدمي.

كما تحظى منظمات المجتمع المدني بدور حيوي في مراقبة السياسات العامة، والمساهمة في الدفاع عن الحريات، وتكريس مبدأ المشاركة المواطِنية. هذه الدينامية السياسية ساهمت في تعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات، وأسهمت في توجيه الاختلاف السياسي داخل أطر سلمية ودستورية.

رابعًا: أثر التعددية على الاستقرار والتنمية

لم يكن هذا الاعتراف بالتعددية مجرّد ترف فكري أو خطاب تجميلي، بل مثّل ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. فقد أتاح للمغرب بيئة مستقرة جذبت الاستثمارات، وعزّزت فرص التنمية المستدامة، ومكّنت المملكة من القيام بإصلاحات عميقة في مجالات حقوق الإنسان، والتعليم، والبنية التحتية، والتحول الرقمي.

كما عزز هذا النهج صورة المغرب على المستوى الدولي كبلد معتدل ومنفتح، قادر على لعب دور الوساطة في القضايا الإقليمية، بفضل سياسته الخارجية الحكيمة و المتزنة، وعلاقاته المتوازنة مع مختلف الأطراف.

خامسًا: تجربة تستحق التأمل… وملهمة لسوريا

تجربة المغرب في إدارة التعددية تفتح أفقًا للتأمل العميق، خاصة بالنسبة لسوريا، التي عانت خلال العقود الأخيرة من فشل في إدارة تنوعها العرقي والديني والسياسي. فالمجتمع السوري يتميّز بغنى كبير في مكوناته، من عرب وأكراد وسريان وتركمان، ومن مسلمين ومسيحيين وإيزيديين، عاشت أغلبها قرونًا في حالة من التعايش، قبل أن تدمرها الصراعات الطائفية والتدخلات الخارجية والسلطوية السياسية.رحلات سياحية إلى المغرب

إن ما يقدمه النموذج المغربي هو درس في كيف يمكن للدولة أن تكون حاضنة لكل أبنائها، وأن تصوغ دستورًا جامعًا، وسياسات عامة منصفة، ومؤسسات شاملة لكل الأطياف. فالوحدة لا تعني الإلغاء، والاختلاف لا يعني الخصومة، بل يمكن للتنوع – إذا ما حُسن تدبيره – أن يكون مصدر إبداع، وتكامل، وازدهار.

خاتمة: التعددية كرافعة للوحدة لا نقيضًا لها

لقد نجح المغرب في إثبات أن التعددية ليست تهديدًا لوحدة الدولة، بل عامل إثراء لها. وهي تجربة تستحق أن تُدرَس وتُستلهم، لا فقط من جانبها السياسي، بل أيضًا من بُعدها الحضاري والإنساني. إنها دعوة إلى دولٍ أخرى – مثل سوريا – للانتقال من منطق الهيمنة والإقصاء إلى منطق الشراكة والتنوع.

فبناء دولة مدنية عادلة، تحترم خصوصيات مكوناتها، وتكرّس ذلك في مؤسساتها، هو السبيل إلى تحقيق السلام الدائم والتنمية الحقيقية.

اقرأ أيضا

قريبًا: صدور كتاب جديد بعنوان “معالم طوبونيميا من قبيلة أيت ورياغر؛ دراسة مورفولوجية ودلالية”

ينتظر أن يرى النور قريبًا كتاب جديد يحمل عنوان “معالم طوبونيميا من قبيلة أيت ورياغر؛ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *