أخبار عاجلة

صرخة العدد 298 نونبر 2025/2975

كان الزمن صباح أحد أيام شهر ماي من سنة 2002، وكان المكان مدينة تينيريفي بجزر الكناري ومدينة الرباط بالمغرب، وكان الموضوع اتصالا هاتفيا من زوجي رشيد الراخا، يطلب مني بإلحاح غريب أن أشتري له جريدة ” العصر”، العدد 210 ليوم الجمعة 17 ماي 2002، التي كان مديرها المسؤول الدكتور عبد الكريم الخطيب، ومدير النشر محمد خيلدي، رحمهما الله، دون إعطاء المزيد من التفاصيل، استغربت للطلب، ومع ذلك أرسلت الكاتبة لاقتناء نسخة واحدة، ولم أكن أعلم أن تلك الجريدة تحمل شرارة فكرة ستغير مسار النقاش الوطني.

وقعت عيني على الصفحة الأولى، فإذا بصورة رشيد الراخا تتصدرها بعنوان عريض: “رشيد الراخا: نطالب بحكم ذاتي للأمازيغ بالمغرب“.

كان الحوار مطولا، أنجزه الزميل عبد الحق بلشكر بتوجيه من المرحوم محمد خليدي. كان الحدث مفاجأة كبيرة لي، فاتصلت برشيد الراخا مستفسرة إياه عن المزيد من المعلومات، فأجابني ضاحكا: “من فضلك، اشتري نسخا أكثر واحتفظي لي بها وحين أعود نتكلم في الموضوع”. وهكذا كان فخرجت للبحث عن المزيد من نسخ ذلك العدد، إلا أنني لم أجد أي نسخة متبقية. لقد اختفت الجريدة بسرعة قصوى، وبدأت الاتصالات تنهال علي من الأصدقاء والعائلة، يسألون عن مضمون الحوار الذي أثار ضجة غير مسبوقة.

تضاعف الجدل حين خصص المرحوم مصطفى العلوي ملفا مطولا في جريدته الأسبوعية “الأسبوع الصحفي”، تحت عنوان “هذا المواطن الاسباني الجنسية والذي يتزعم الحركة الانفصالية في المغرب”، واصفا فيه رشيد الراخا بـ“الانفصالي”، بل أكثر من ذلك فقد تفتحت قريحته واجتهد أكثر ونشر صورته (رشيد الراخا) مركبة على صورة عبد العزيز المراكشي زعيم جبهة البوليساريو آنذاك، حاملا علم البوليساريو، وفي اخر الصفحة في حقيقته الضائعة مقال طويل بعنوان غريب وهو “تأشيرة دخول الى تافيلالت، هل يرضى الامازيغ أن يتكلم إسباني الجنسية نيابة عنهم؟ “يضم اتهامات قاسية بالعمالة والانفصال. وبمجرد إنزال العدد في الاكشاك يوم الجمعة 14 يونيو 2002، اتصل بي عدد من الصحفيين، من بينهم الأستاذ الحاج محمد الكاديلي والأستاذ أنس التاديلي مدير جريدة الأسبوع السياسي، رحمهما الله، وهذا الأخير هو الصحفي الوحيد الذي كان يملك الجرأة والشجاعة على نشر ردنا على الاتهامات المجانية للمرحوم مصطفى العلوي، ومن الحركة الامازيغية الأستاذ علي أمصوبري الذي كتب مقالا جميلا ينتقد فيه ما جاء في الحقيقة الضائعة لمصطفى العلوي رحمه الله وسامحه.

وفي العدد 20 من جريدة العالم الامازيغي الصادر في 23 يونيو من سنة 2002، أعددنا ملفا خاصا حول الموضوع، واستشهدنا في تناولنا لهذا الموضوع بإعجاب المغفور له الملك الحسن الثاني بالنظام الفيدرالي على غرار النموذج الألماني.

منذ ذلك التاريخ، ونحن نحمل، على الأقل، رشيد الراخا وأنا ومجموعة من المؤمنين بالفكرة من أمثال الدكتور ميمون الشرقي، مشروع الحكم الذاتي كصيغة مغربية خالصة، يحقق ديمقراطية حقيقية في تدبير الشأن الترابي، ويكرس العدالة المجالية والثقافية واللغوية داخل وحدة الوطن وسيادته.

نظمنا بعدها ندوات وملتقيات وطنية ودولية، كلقاء الناضور سنة 2007 ولقاء الحسيمة سنة 2008 مؤمنين بأن الحكم الذاتي ليس تهديدا للوطن، بل هو تثبيت لقوته وتحصين لاستقراره. ومنذ تلك اللحظة بدأنا رحلة طويلة للدفاع عن الفكرة ولا زالت الرحلة مستمرة تتبلور بقوة، وفتحنا النقاش بشأنها في مؤتمر التجمع العالمي الامازيغي ببروكسيل سنة 2011 وتبنيناها في المؤتمر السابع لنفس المنظمة بتزنيت سنة 2013 تحت مسمى: “ميثاق تامازغا من أجل كونفدرالية ديمقراطية، واجتماعية عابرة للحدود، مبنية على الحق في الحكم الذاتي للجهات”.

وفي سنة 2007 قدم جلالة الملك محمد السادس رؤيته المتبصّرة باقتراح مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، باعتباره حلا سياسيا واقعيا وذا مصداقية لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وهو المقترح الذي تبنته الأمم المتحدة كأرضية جدية وذات مصداقية. وقد شكل هذا التحول التاريخي لحظة إنصاف حقيقية لنا، لأن ما كنا ندافع عنه ونناقشه منذ سنوات التقى أخيرا مع الإرادة الملكية ومع الاختيار الاستراتيجي للدولة.

ففي زنقة دكار بحي المحيط بالرباط، حيث كان مقر العمل والسكنى، انطلقت النقاشات الأولى حول الرد على مقالات مصطفى العلوي، ثم جرى التفكير في تنظيم سلسلة من الندوات الوطنية والدولية للتعريف بمفهوم الحكم الذاتي والدفاع عنه، بالتزامن مع النقاش الوطني حول الجهوية المتقدمة، وهو نقاش انتهى للأسف إلى نموذج جهوية تتركز فيه معظم الصلاحيات بيد وزارة الداخلية.

نعم، هناك ولدت الفكرة التي كانت تعتبر يوما “مستفزة”، وأصبحت اليوم عنوان الحكمة المغربية ونموذجا في تدبير النزاعات الإقليمية والدولية، وهي فرصة تاريخية لنا في المغرب لفتح النقاش من جديد وتوسيع روح هذا المقترح ليشمل جميع جهات المملكة، تحت أي مسمى، جهوية متقدمة حقيقية أو حكم ذاتي، لا يهم فهي مصطلحات تتعدد ولكن معناها واحد، وهو نظام ديمقراطي يضمن العدالة المجالية والمساواة في الحقوق الاقتصادية والثقافية واللغوية، ويكرس الخصوصية التاريخية لكل منطقة، تحت راية الوطن الواحد وقيادة جلالة الملك محمد السادس.

وقديما قال الحكيم الأمازيغي:

ⵓⴷⵎ ⵉⴳⴰⵏ ⴰⵊⵎⵓ ⵓⵔ ⴷⴰ ⵢⵜⵜⴰⵔⵓⴷ
Udm igan ajmu ur da yttarud

ما معناه: الوجه الذي هو شركة لا يغسل

وفي مقال اخر:

ⵙⴱⵓ ⵓⵔ ⴷⴰ ⵢⵜⵜⴰⵙⵉ ⵡⵔⵖⴰ, ⵡⵔⵖⴰ ⵓⵔ ⴷⴰ ⵢⵜⵜⴰⵙⵉ ⵙⴱⵓ
Sbu ur da yttasi wrgha, wrgha ur da yttasi sbu

نهر سبو لا يحتمل نهر ورغا، ونهر ورغا لا يحتمل نهر سبو

صرخة العدد 298 نونبر 2025/2975– جريدة العالم الأمازيغي

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 297 أكتوبر 2025/2975

أنا ابنة الجبل والهامش، ابنة تلك المسافات الطويلة التي كانت تفصل بين المدرسة والطفلة التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *