إبعاد إدخال عهد السيبة البائد إلى حرمة الدســتــور

essafi-moumen-ali

الصافي مومن علي

إذا  ما حصل – لا قدر الله – أن قامت الحكومة في هذه الأيام الستة عشرة الأخيرة الباقية من عمر الولاية التشريعية ، بإهمالها القيام بجمع البرلمان في دورة استثنائية للمصادقة على القانونين التنظيميين للأمازيغية، خرقا منها للفصل 66 من الدستور، فان هذا الأمر سيجعل مشروعي هذين القانونين الصادرين منها أخيرا، بدون جدوى، وكأنهما لم يكونا، فتكون والحالة هذه كمن يعطي شيئا بيد، ثم يأخذه باليد الأخرى.

وإذا ما صمت البرلمان عن هذا الإهمال، كما صمت في السابق عن إخلال الحكومة بوعدها وتعهدها أمامه بالتعجيل بإصدار القانونين المذكورين،  وبالتالي لم يقم بدوره بعقد هذه الدورة الاستثنائية، خرقا منه كذلك للفصل 66 ، فان هذا الأمر سيجعله مخلا بالالتزام الذي يفرضه عليه الفصل 86 من الدستور، القاضي بضرورة مصادقته على جميع مشاريع القوانين التنظيمية في أجل لا يتعدى الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر  بتنفيد الدستور.

اذن ، أكيد أنه إذا ما حصل كل هذا فسنكون أمام سابقة خطيرة تضرب في العمق هيبة الدستور ومرجعيته ، مكرسة ممارسة سلوكيات عهد السيبة في مجاله، الشيء الذي يؤدي  بعبارة: (( إن المملكة المغربية ، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات حديثة…)) الواردة في تصدير الدستور،  أن تكون عبارة فارغة من شحنتها الإيجابية ، أي فاقدة لروحها وفاعليتها.

وبعد.

أعتقد أن هذا الاهمال يملي اختيارين اثنين ، أولهما سلبي يتمثل في الشعور بالعجز التام عن إيقافه ، وبالتالي الإكتفاء بمشاهدة منظره الدرامي الحزين، كما كان الناس في مسرحية ((ؤسان صمدينين)) ينظرون في ذهول الى الشمس وهي تغرب عنهم في وسط النهار، رويدا رويدا إلى أن اختفت تماما عن الأنظار، تاركة إياهم يعيشون في ظلام ، وكل ما جلبه هذا الظلام من صراعات وانقسامات هزت استقرار أمنهم الاجتماعي.

أما الاختيار الثاني فهو إيجابي يتجلى طبعا في البحث عن إمكانية منع حدوث ذلك الفعل، بطريقة قانونية ما، تعمل على جمع البرلمان في دورة استثنائية قبل انقضاء أجل الولاية التشريعية الحالية، للمصادقة على القوانين التنظيمية التي وقع إهمالها.

 فما هي يا ترى هذه الطريقة القانونية التي تتيح معالجة هذا الإهمال؟

قد يعتقد البعض أنها  بيد المحكمة الدستورية، غير أن هذا الاعتقاد بعيد عن الصواب، لأننا لسنا أمام مسألة البث في مطابقة مشاريع قوانين تنظيمية للدستور، التي يعود الاختصاص  فيها حقا  الى المحكمة الدستورية طبقا للفصل 132 من الدستور، لكننا هنا أمام مسألة أخرى مختلفة خارجة كليا عن نطاق اختصاص هذه المحكمة، تتعلق بمهمة جمع البرلمان في دورة استثنائية، هده المهمة التي نص عليها الدستور في الفصل 66 بما يلــي:

(( يمكن جمع البرلمان في دورة استثنائية، إما برسوم ، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو بأغلبية أعضاء مجلس المستشارين.

تعقد دورة البرلمان الاستثنائية على أساس جدول أعمال محدد، وعندما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال، تختم الدورة بمرسوم))

إذن ، يتبين من هذا الفصل أن المشرع حصر مهمة جمع البرلمان في دورة استثنائية في أشخاص محدودين هم فقط: رئيس الحكومة، ومجموعة من أعضاء كل من مجلسي النواب، والمستشارين ، ويبدو والحالة هذه أن واضعي الدستور لم يكونوا يتصورون أثناء وضعهم للدستور، حدوث في المستقبل إشكالية إهمال الأطراف المعنية لمهمتها ، كما يحدث ذلك  في هذه الأيام ، فيبادرون إلى إيجاد حل دستوري لهذه الإشكالية في حينها  آنذاك، درءا للوقوع في فراغ قانوني.

والحق أن المشرع لو كان قد تصور إمكانية وقوع مثل هذه الإشكالية، لكان في الغالب قد أضاف شخص جلالة الملك  باعتباره الممثل الأسمى للدولة، إلى الأشخاص الواردين في الفصل 66 ، ليقوم جلالته بمهمة جمع البرلمان في دورة استثنائية عندما تدعو الحاجة إلى ذلك.

والآن ، والحال أنه ثبت حصول هذا الفراغ القانوني في الفصل 66  الأنف الذكر، فهل سيقيد ذلك الدولة ، ويجعلها  مكتوفة الأيدي أمام استمرار الحكومة والبرلمان في إهمال تبرئة ذمتهما من القانونين التنظيميين للأمازيغية ؟  وهل يؤدي هذا الفراغ القانوني الى ان يظل الفصل 86 من الدستور بدون تطبيق؟                                                        

أظن أن الفصل 42 من الدستور يعالج هدا الفراغ، من منطلق تنصيصه على أن الملك هو رئيس الدولة، وضامن دوامها واستمرارها، والساهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات.

إذن، يحق لجلالة الملك استنادا إلى مقتضيات هدا الفصل إصدار ظهير ملكي يجمع بمقتضاه البرلمان في دورة استثنائية، إذا ما ثبت لجلالته إهمال المؤسسات الدستورية المعنية قيامها بهده المهمة.

اقرأ أيضا

نص سردي من زمن الطفولة (2)

ما إن تحطّ السفن أثقالها حتى يتلاشى عناء الطريق، ويحلّ محلّه ارتياح غامر، كأنّ المكان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *