ما انفك ينتابنا أمل كبير في تغيير الأوضاع ببلادنا منذ إقرار التعديلات الدستورية لسنة 2011، لكن للأسف ها هي السنوات الأربع تمر من حياتنا وكل آمالنا تتحطم شيئا فشيئا، ومرد هذا الإحساس ذلك المستوى الهجين الذي وصلت اليه الأحزاب السياسية المكونة للحكومة والمعارضة على السواء، بمناسبة الانتخابات الجماعية والجهوية لشتنبر 2015، هذه الانتخابات التي عرت وكشفت عن الوجه الحقيقي لعدد كبير ممن يسمى ظلما وعدوانا «السياسيين» هؤلاء الذين لا يرون في الأحزاب إلا واجهة لتعزيز مكانتهم وتثبيت مواقعهم من أجل شيء واحد ووحيد هو حماية مصالحهم وتنمية أموالهم.
إن هذه الانتخابات الأخيرة أثبتت بالدليل والبرهان أن الذين كان المواطن المغربي يراهن عليهم لصنع مغرب مختلف عن ما قبل سنة 2011، وتحصين البلاد ضد سيناريوهات كارثية مستقبلا، جعلوا البلد أسوأ مما كان عليه بسبب حساباتهم الضيقة التي توظف فيها أساليب بعيدة كل البعد عن الممارسة السياسية النزيهة، وقريبة كل القرب من الأساليب المافيوزية ولوبيات الفساد.
للأسف كانت هذه الانتخابات فرصة لإثبات أن عددا كبيرا من السياسيين والأحزاب التابعين لها، مستعدون ليقوموا بكل شئ ويوظفوا دعم الدولة المستخلص من الضرائب التي يؤديها المواطنون، في السيطرة على هياكل الدولة عن طريق المواطنين أنفسهم، ولعل الكثيرون اكتشفوا متأخرين أن من عين الخطأ ربط نزاهة الانتخابات بعدم تدخل الدولة وحيادها فقط، لأن الانتخابات مجرد يوم، ونزاهتها لا تقتصر على ذلك اليوم الذي يتوجه فيه المصوتون لصناديق الاقتراع، بل أسابيع قبل هذا اليوم وأيام بعده. و العملية تبتدأ باستمالة المواطنين وشراء الذمم، وتنتهي بنسج تحالفات هجينة لا رابط سياسي أو إيديولوجي يجمع بينها، فصارت الأغلبية تستقطب أحزاب المعارضة، والمعارضة تستقطب أحزاب الأغلبية، وكل طرف يشتم الآخر ويكيله اتهامات خطيرة، ما لم يفتح فيها التحقيق من قبل السلطات المغربية فإنه من المؤكد أن استخبارات أجنبية كثيرة ستقوم بذلك، ولو تبث لدى العالم أن تجار الاقتصاد الأسود لهم نفوذ داخل الدولة المغربية على ذلك النحو الخطير، فأكيد أن مصداقية البلد ستنهار، والخطر على استقرارها سيكبر، خاصة وأن الانتخابات التي أجريت في شتنبر علق عليها مصير مشروع استراتيجي للدولة وهو الجهوية، وعلى ما يبدو من النتائج التي أفرزها التصويت على رؤساء الجهات فأصوات المواطنين لم تحترم، والذين سيطروا على الجهات بتوظيف وسائل قذرة لا يمكن أن يؤتمنوا على السير بمشروع الجهوية، الناقص أصلا، نحو الأمام، وإنما سيفرغونه من محتواه الهش.
وهكذا فمباشرة بعد الانتخابات أصبح المال سيد الموقف، وتحولت الأغلبية بأصوات المواطنين إلى أقلية، والأقلية إلى أغلبية، بأموال المرشحين الكبار، وأصبح المغاربة على معادلة صادمة وهي أن حياد الدولة لا يكفي ليضمن التعبير عن إرادتهم عبر صناديق الاقتراع، وأن الأحزاب أو الأشخاص الدين اختاروهم ليسوا بالضرورة هم من يسير قراهم أو مدنهم أو جهاتهم، و بذلك تكون إرادتهم لا قيمة لها في سوق النخاسة الانتخابية.
إن الديمقراطية تحتاج لديمقراطيين، و النزاهة تحتاج أولا وأخيرا للنزهاء، ولأن أحزابنا وسياسيينا يعانون من أزمة أخلاق وقيم ومبادئ فظيعة، فعلينا أن نتحدث عن «الاستثناء الانتخابي المغربي»، الذي لا دور فيه لأصوات المواطنين وحدها، بل ثمة عوامل وأطراف ووسائل أخرى تلعب دورا كبيرا في صعود حزب أو نزول حزب، وغالبيتها مرتبطة بما يسميه السياسيون المغاربة بالفساد، هذا الأخير الذي تحول إلى شبح يتحدث عنه الجميع دون أن يجرؤ أحد على تجسيده وبالتالي محاربته عمليا، لأن الكل يستفيد منه، وبمجرد ما تبدأ عملية الاستفادة منه تبدأ التحالفات، وبين هذه وتلك، يضيع المواطن و تضيع المبادئ ولا تطفو على السطح إلا المصالح، بل إنه في إطار هذه الحروب والدسائس القذرة تضيع كل تلك الالتزامات المفروض من الأحزاب احترامها على الأقل اتجاه مناضلات أحزابهم، وهذا يظهر لنا جليا في استثناء العنصر النسوي من ترؤس الجهات والبلديات وحتى الجماعات كأن دور هاته النسوة ينحصر في تأثيت المشهد السياسي كواجهة فقط. حتى تلك الأحزاب، التي تتشدق علينا في كل مرة وحين بالحداثة والديمقراطية ضربت عرض الحائط مبادئ المساواة والمناصفة وذلك إلى حين يوم 10 أكتوبر «اليوم الوطني للمرأة» أو 8 مارس «اليوم العالمي للمرأة»، هذين اليومين اللذين ستقوم فيهما قيامة الأحزاب بالتهليل والتطبيل بدور المرأة، ولهذه المرأة ولغيرها من المواطنين النزهاء.
أقول ما قاله الحكيم الأمازيغي:
ⴰⴷ ⵓⵔ ⵜⴳⵜ ⵜⵉⵅⵙⵉ, ⴰⴷ ⴽ ⵜⵛⵏ ⵓⵛⵛⴰⵏ
ⴰⴷ ⵓⵔ ⵜⴳⵜ ⵓⵛⵛⴰⵏⵏ ⴰⴷ ⴽ ⴳⵯⵎⵔⵏ ⵓⵙⴽⴰⵢⵏ
Ad ur tgt tixsi , ad k tchn uccan
Ad ur tgt uchnn ad k gwmrn uskayn
صرخة العدد 177/شتنبر – جريدة العالم الأمازيغي