استوقفني خبر نشرته بعض الصحف المغربية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي مفاده انه ثم اعتقال فتاتين في مدينة انزكان بولاية اكادير، بتهمة «الإخلال العلني بالحياء العام» بمعنى أن الجريمة التي اقترفتها هاتين الفتاتين هي أنهما كانتا ترتديان لباسا اعتبره بعض المارة خدشا للمشاعر الدينية للمواطنين مما أدى إلى اعتقالهما والزج بهما في السجن في انتظار محاكمتهما. وفي البحث عن هذه الجريمة في القوانين المغربية لم نجد لها اثر في أي قانون، مدني أو جنائي أو عسكري لان المشرع المغربي عكس نظيره الإيراني لم يضع في أي من هذه القوانين معايير للباس، الذي يخدش مشاعر المارة سواء بالنسبة للرجال آو النساء مما يتعارض والقاعدة القانونية التي تقول «لا عقوبة بدون نص»، في حين توجد في القوانين المغربية كثير من المواد والنصوص والفصول تنص على عقوبة جريمة الاعتداء على الأشخاص، التي ترتكب ضد الحرية الشخصية للفرد وّهي نفس الجريمة التي تعرضت لها الفتاتين من قبل المارة الذين تم خدش عواطفهم لكن دون أن تحرك النيابة العامة أية متابعة في حقهم، مما يشكل خرقا سافرا للقانون سواء من طرف أولائك المارة المعتادين أو من طرف السلطات الأمنية التي لم تقم بعملها بالشكل المنصوص عليه في القانون.
تناقضات كثيرة تزخر بها القوانين المغربية والتي تصل في أحيان كثيرة إلى درجة شرعنة الشيء ونقيضه في آن واحد، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمنع بيع الخمور للمسلمين، ويسمح باستهلاكها من طرف غير المسلمين. ومعيار غير المسلم عند أصحاب اغلب هذه المطاعم والحانات والمراكز التجارية وكذالك السلطات الأمنية هو كل إنسان ابيض اللون جميل الملامح، أشقر وألمس الشعر، ازرق أو اخضر أو اصفر العينين ويتكلم اللغات الأجنبية من فرنسية وانجليزية واسبانية وغيرها من اللغات فلا حرج عليه، لأنه لا يستفز شعور المسلمين كأخيه الإنسان الآخر المسلم أسمر اللون ! حسب ظنهم.
مواقف بسيطة فقط أثرتها على سبيل المثال لا الحصر لأنها كثيرة هي تلك النماذج التي تبين بالواضح انفصام شخصية الدولة والاختلالات والتناقضات التي تعتري القوانين المغربية في كل المجالات، كذالك تشتت العقوبات والجرائم في قوانين ومدونات كثيرة وبلغات لا يفهمها المواطن المغربي العادي نظرا لتحريرها باللغة العربية الفصحى والفرنسية وهما على التوالي لغتين جافتين أحيانا وغامضتين أحيانا أخرى، عوض استعمال اللغتين الوطنيتين اللتين يستعملهما المغاربة في حياتهم اليومية، الامازيغية والدارجة المغربية، مما يصعب على المواطنين معرفة هذه القوانين وبالتالي حسن تطبيقها.
مما يدفعنا إلى طرح سؤال مفاده هل القوانين المغربية بالشكل الذي بيناه أعلاه تضمن الأمن القانوني للمغاربة؟ خصوصا أمام مواجهتهم بالقاعدة القانونية الشهيرة «لا يعذر احد بجهله للقانون».
إذن هدفنا أن لا يختزل الجدل حول تعديل القوانين، في قضية الصراع بين من يوصفون بالحداثيين ومن يوصفون بالمحافظين، الذين في كثير من الأحيان يركزون على القشور ويهملون القضايا الأساسية، وضمنها ما هو مرتبط بالخيار الحقيقي للدولة فيما يتعلق بالمرجعيات، وحقيقة توجه الحاكمين نحو دولة الحق والقانون والحريات، ومدى إمكانية التوفيق بين التشريعات العرفية والمرجعية الدينية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها الدولة المغربية دون ان ننسى الدستور المغربي أسمى قانون في البلاد والذي يتم للأسف خرقه بشكل سافر لا لشيء إلا لأنه لا يوافق بعض النزوات والايديولوجيات التي أكل عليها الدهر وشرب مما يدفعنا إلى طرح سؤال آخر مفاده هل القوانين في بلادنا توضع فقط لكي تخرق؟.
وقديما قال الحكيم الامازيغي:
ⵢⵓⴼ ⵍⴰⵥ ⴳⴰⵔ ⵉⵎⵏⵙⵉ
Yuf laZ gar imnsi
صرخة العدد 175/يونيو 2015/2955