قد يستغرب القارئ من مصطلح “الأعيان” في العنوان، وعلاقته بالوسائط الاجتماعية والرقمنة، إلا أن السياق العام الحالي يتطلب مقاربة سوسيولوجية بين “الأعيان” بالمفهوم التقليدي المعروف، والذي يُعرّف الأعيان بأنهم فئة مجتمعية تمتلك الثروة والمال، وتستغلها في خلق الأتباع ممن يستفيدون من خدماتهم عبر التمويل والدعم، وبالتالي إعادة الخدمة والمقابل عند الحاجة والتي عادة ما تتم في الانتخابات الجماعية والبرلمانية، وعليه فالأعيان يمثلون فئة الانقاد وضبط التوازنات المجتمعية سواء في المدينة او القرية بأشكال متفاوتة في الحضور.
وفي ظل الغزو الرقمي للبيوت، وانتشار الوسائط الاجتماعية، وانخراط الجميع ــ دون استثناء ــ في عالم الرقمنة بشكل شبه إجباري، أصبح ما يُعرف بـ”المؤثّرين والمؤثّرات” هم أعيان الوسائط الاجتماعية والرقمنة. هؤلاء يملكون اليوم الثروة المالية من عائدات المتابعات، بالإضافة إلى أتباع ومريدين من مختلف الفئات والطبقات والأجناس.
إنهم، اليوم، من يمتلكون القرار السياسي والاجتماعي في عدد من المجتمعات، وقد أصبحوا أبرز منافس للأعيان التقليديين من أصحاب المشاريع الاقتصادية والثروة والجاه القبلي أو العشائري، بل ويحتكرون التأثير والقرار مكان المثقف والنخبة السياسية.
ولا غرابة في أن تشهد الانتخابات المقبلة ترشّح أعيان الوسائط الاجتماعية والرقمنة، وقد تجد فيهم الأحزاب أدوات فعالة لصياغة عرض سياسي مؤثر في الرأي العام، خاصة ذلك الذي بات يؤمن بالوسائط الاجتماعية ويحتكم إليها في مختلف قراراته.
وأمام عجز المثقف وصاحب المشروع الثقافي والفكري الملتزم عن اقتحام الفضاء الرقمي، وهيمنة “التفاهة” بمستوياتها المتعددة، يبدو أن أعيان الوسائط الاجتماعية والرقمنة سيكونون الفئة الأكثر حضورًا في هذا الفضاء، والذي تنتمي أغلبيته إلى دائرة التفاهة.
وقد تصبح المؤسسات المنتخبة، أمام هذا الوضع في الاستحقاقات المقبلة، فضاءً جديدًا لأعيان الرقمنة والوسائط الاجتماعية.