1. لتكوين فكرة أكثـر ما يمكن ملائمةً حول أي خطة تدبير عقلاني لشأن الدياسبورا اليهودية المغربية في الخارج، لا بد من التوفر على تشخيص حول كيفيّة التشكّل التاريخي لهذه الدياسبورا وحول مختلف العوامل الداخلية والخارجية التي شاركت في ذلك التشكّل وفي تطوّراته التي ما تزال جارية إلى اليوم. هذا ما ستحاول الفقرات الآتية القيام به في اختصار.
2. لا باعتبار صُلب الموضوع، ولا باعتبار المنبر والحيز، ليس هذا مكان تفصيل القول حول تاريخ الجماعات اليهودية المغربية، الذي هو تاريخ ضارب في القدم، تتداخل في الحديث عنه معطياتُ موثقة علميا مع كثير من الأساطير الفلكلورية. إنما ُيشار إلى أن هناك وثائقَ ومؤشراتٍ جدّية تشهد على تواجد جماعات يهودية بالفضاء المعروف اليوم بالمغرب منذ ما يزيد عن 2000 سنة، أي منذ عهد الامبراطورية الرومانية على الأقل.
وكانت هذه الجماعات من إثنيات مختلفة لا تُعرف تواريخها بالضبط؛ وكان آخر تمييز في هذا الباب هو ذلك التمييز الإثني الذي ترتب عن هجرة/عودة يهود شبه الجزيرة الإيبيرية إلى شمال إفريقيا والمغرب خاصة، حيث أصبح التمييز واضحا – من خلال أماكن العبادة وبعض المسائل العبادية وكثير من الرموز السوسيوثقافية والإثنوثقافية – تمييزا واضحا بين فئتين إثنيّــتين يهوديتين في المغرب: جماعات الطوشافيم/תושבים (أو «البلديين» المتأصلين في البلد)، وجماعات المكًوراشيم/מגרשים )أو «العجميين/العجاما») الذين نزحوا من بلاد العجم، أبيريا، مع الموريسكيين بعد إجلاء 1492 الذي شمل اليهود والمسلمين.
3. كما بيّنت ذلك دراسة سوسيو-اقتصادية تاريخية جدّية موثّقة (كتاب «كمشة من المصطفين» / The Chosen Few-2012)، حصلت في المجتمعات اليهودية ثورة سوسيو-ثقافية وسوسيو-اقتصادية بعد تخريب الهيكل الثاني (سنة 70م)؛ ثورة تمثلت، على المستوى االفكري، في فك الارتباط بمقامات الممارسات الطقوسية (المعابد ومذابح القرابين) والتركيز على النص التوراتي قراءةً ونسخا وشرحا تلموذيا؛ وهو ما ساعد على انتشار أكبر للثقافة الكتابية في أوساط من أصبحوا معروفين بـ»أهل الكتاب» بالقياس إلى ما هو غالب على أقوام الأمم/الأميين من حولهم. وتمثلت تلك الثورة على المستوى السوسيو-اقتصادي في فك للارتباط مع اقتصاديات الأرض (רועי צון ועובדי אדמה «رعاة غنم وفلّاحو أرض») التي كانت تطبع حياة من أصبح يُطلق عليهم بشكل تجريحي حتى في أوساط اليهود أنفهسم بــ עם הארץ («الناس الملتصقون بالأرض») للدلالة، في نفس الوقت، على صفات الجهل والأمية، وفي الانتقال – بفضل مهارات الكتابة والحساب المكتسبة – من ثقافة ثروة القيم العقارية إلى ثقافة ثروة القيم النقدية المنقولة، وذلك من خلال مزاولة أنشطة المهن التبادلية الحرّة، كالتجارة الكبيرة والصغيرة، وكالصيرفة والقرض ومختلف الخدمات من ترجمة وتوثيق ووكالات، وكذا بعض المهارات الصناعية اليدوية (الحُلي والمجوهرات، الخياطة الرفيعة…). ترسّخ كل ذلك، حسب الدراسة المشار إليها، خصوصا مع بداية قيام امبراطوريات شرق وجنوب المتوسط، التي توسّعت بفضلها الأسواق المؤمّنة للمبادلات وكثر طلب الخدمات التي تستلزم المهارات المشار إليها (ترجمة، إصدار سندات وتحويل حوالات…).
4. هذا الطابع السوسيو-ثقافي والسوسيو-اقتصادي الجديد للجماعات اليهودية في مجملها، المشار إلى أهمّ سماته في الفقرة-3 هو ما كيّـف سائر أشكال وأوجه ظاهرة الدياسبورا التي أصبحت دورية في صفوف تلك الجماعات في ما بعد، بما فيها الجماعات اليهودية المغربية في العصر الحديث.
فمن جهة، جعل ذلك الواقع السوسيو-ثقافي والسوسيو-اقتصادي الفردَ اليهودي وحتّى الجماعة اليهودية، كبيرة كانت أم صغيرة، على أهبة استعداد دائم لارتياد الآفاق الجغرافية بسهولة صُحبة رأسمال منقول «خفيف» وتجربة مهارة، وذلك حسب ما تمليه تقلبات انحسار اقتصادي هنا، و/او رواج اقتصادي هناك. وكان ذلك الارتياد يتمّ عبر شبكة من العلائق العائلية والجماعاتية تذكّــر في وجهها الاجتماعي – مع وجود الفارق طبعا – بشبكات/علائق الهجرة التجارية نحو المدن ونحو الخارج لبعض القبائل الأمازيغية السوسية في الأطلس الصغير على الأخص منذ القرن-19م. ومن جهة ثانية، يؤدّي ذلك التميّـز الجماعي، المتمثل في شبه احتكار لقطاعات التجارة والمال وما يرتبط بها من أوجه الخدمات مما ينعكس في نهاية الأمر (مع عوامل أخرى مناخية أو جيو-إقليمية)، إن إيجاباً أو سلباً، على الوضعية السوسيو-اقتصادية العامّة، أقول يؤدي ذلك إلى قيام اختزالات و»أمالغامات» وإسقاطات دورية لأسباب أيّ انحسار اقتصادي أو ضغط جبائي/ضريبي مالي يحصل على المستوى الاجتماعي العام، إسقاطا من باب إيجاد كبش فداء في طرف بعينه على سبيل الحصر؛ وغالبا ما يكون ذلك الطرف هو الجماعات اليهودية باعتبار مكانتها وأدوارها في القطاعات المعنية المرتبطة بالحياة اليومية العامة. وفي مثل هذه الحالات، يتداخل في خطاب الظرفية والساعة كلٌّ من البُعدين، الملّي والسياسي، فيغذّي كلّ منهما الآخر، مما يكون له انعكاس على الوضعية المدنية الملموسة على أرض الواقع للفرد اليهودي وللجماعة اليهودية، كما سياتي بيانه. ولا يتسع المقام هنا مرة أخرى للتفصيل بأمثلة لذلك التداخل في الخطاب في مغرب الستينات والسبعينات من القرن-20 حينما احتدّت الهجرة الكبرى للمغاربة اليهود ليس فقط نحو إسرائيل، كما تمّ اختزال ذلك في الأذهان، ولكن أيضا نحو فرنسا وأمريكا الشمالية هذه المرة، بعد طفرة الإقلاع الاقتصادي الغربي لما بعد الحرب الثانية في أمريكا وأوروبّا ما بعد «مشروع مارشال». إنها الهجرة التي وازتها الهجرة القروية والهجرة نحو أوروبا (فرنسا، سويسرا، بلجيكا) للمغاربة المسلمين بدورهم الذين أصبحوا يشكلون، من جهتهم، وجها آخر للدياسبورا المغربية العامة، يضرب لها حسابها بشكل دوري على المدى القريب (خطة «مرحبا» السنوية) والتي تحتاج بدورها إلى خطة بعيدة المدى لتدبير شأنها، مثلها في ذلك مثل دياسبورا اليهود المغاربة، مع اعتبار خصوصيات كلّ واحدة على حدة.
5. وبناء على كل ما سبق، تتعين الإشارة إلى أن هجرة العصر الحديث للأفراد ثم العائلات اليهودية المغربية، وبداية تشكّل دياسبورا اليهود المغاربة المعاصرة، لم تبدأ في النصف الثاني من القرن العشرين (ما بين الخمسينات والسبعينات) في ارتباط بقيام دولة إسرائيل وبالحروب العربية-الإسرائيلية كما يغلب ذلك على التصوّر في الأذهان. إن تلك الهجرة بدأت في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر في شمال المغرب على الأخص (تطوان، طنجة، العرائش)، ليس نحو الشرق في فلسطين كما قد يتبادر إلى الذهن نظرا لمتوسّط الثقافة العامة الاختزالية، بل نحو الجنوب الغربي من وراء الأطلسي في أمريكا الجنوبية. حصل ذلك في ظرفية انحسارٍ لعلاقات التبادل التجاري بين مدن شمال المغرب مع كل من بلاد الجزائر (Algérie Française) من جهة وصخرة جبل طارق الإنجليزية من جهة ثانية، في تزامن مع الطفرة الاقتصادية أو ما عرف حينئذ بـ»حُمّى المطّاط» (Fièvre du Caoutchouc) في بلدان الأمازون الأميريكو-جنوبية ابتداء من نهاية سبعينات القرن-19 من جهة ثالثة (انظر دراسة في الموضوع: Ricard Robert-1928 «L’émigration des Juifs marocains en Amérique du Sud»).
أما على المستوى الثقافي، فقد اقترنت تلك الهجرة، من جانب آخر، بظهور الأفواج الأولى لخرّيجي مدارس الرابطة اليهودية (َEcoles de l’Alliance Israélite) التي دُشن تأسيسها في تطوان في بداية ستينات القرن-19، ثم مكناس، ثم إلى بقية المدن وحتّى بعض القرى مثل إيليغ وأولاد برحيل… تلك المدارس الفرانكوفيلية والفرانكوفونية، قد شرعت في تكوين أجيال جديدة تكوينا عصريا في ميادين المحاسبة والإدارة والتواصل والاتصال والتدبير، بطرق بيداغوجة وتربوية عصرية بشكل جعل إدارة الحماية الفرنسية، بعد إبرام اتفاقية الحماية سنة 1912 تجد النصيب الأكبر من الأطر الصغرى لإدارتها وأوراشها القطاعية (كتّاب، محاسبون، تراجمة، موثقون، مدرّسون…) إضافة أطر المهن الحرة اللازمة، من أطباء وممرضين وصيادلة وموثقين ومترجمين محلفين، في صفوف أجيال خرّيجي مدارس الرابطة اليهودية، وهو ما ستترتب عنه التباسات في الأذهان في ما بعد. ذلك التكوين المذكور كان يتمّ على خلفية التشبّع بفكر الأنوار الفرنسي، في قطع مبكّر في صفوف بعض شرائح الجماعات اليهودية مع أساليب ومضامين التعليم التقليدي اليهودي في الحيدير/חדר ثم اليشيفا/ישיבה، الذي كان قوامه مضامين لا تخرج عن التوراتيات والتلموذيات والهالاخيات، والذي يتم ببيداغوجيا على أساس الحفظ والاستظهار و»الفالاقا» في ظروف صحية مزرية، حيث ظل ذلك التعليم التقليدي منغلقا على نفسه ومحصّنا في وجه حركة التنوير اليهودية الأوروبية المعروفة بــالهاسكالا/השכלה بسبب مقاومة أغلب الربيين والحاخاميم رغم أن الفكر الهاسكالي قد انتشر في أوساط نخبة ضيقة من الماسكيليم/משכלים المتنوّرين كما يدل على ذلك مؤلف «يوتوبيا من الدار البيضاء» (אוטופיה מקזבלנקא) المدهش بتصوّراته المدنيّة والسوسيو-اقتصادية والتربوية وبـتنبّؤاته في باب السياسة الأممية، لمؤلفه الربّي البيضاوي المتنور، Rabbi Makhlouf Abettanالذي ألّف عمله ذاك في بداية الحرب العالمية الثانية، وقد حققه ونشره الباحث David Gedj سنة 2016.
6. تلك إذن بعض ملامح ومحركات تشكّل الدياسبوراه اليهودية المغربية، التي عرفت أوج هجرتها الفردية ثم الجماعية مع بداية النصف الثاني من القرن-20 (إثر الكساد العامّ الذي مسّ التجارة الصغرى والصنائع التقليدية بالمغرب بسبب تقاطر السلع المصنّعة بعد طفرة الإقلاع الاقتصادي في أوروبا وأمريكا ما بعد الحرب الكونية الثانية) وخصوصا في العقود التي تلت حصول المغرب على الاستقلال، أي في نفس الفترة التي برزت فيها هجرة المغاربة المسلمين بدورهم إلى المدن وإلى أوروبا بعد بوار الاقتصاد التقليدي (زراعة/رعي وصناعات تقليدية).
وقد تميزت الهجرة الجماعية اليهودية الأخيرة (التي عمقت الأزمة الاقتصادية باختفاء الوظيفة الترويجية للجماعات اليهودية في البادية خاصة) بدخول أبعاد أخرى بقوة على الخط، وتداخلها الملتبس مع المحرّكات السوسيو-اقتصادية المذكورة والمرتبطة بثقافة التحرر من الالتصاق العضوي بالأرض وبثقافة البحث عن فرص الأعمال والرواج حيثما كانت. كانت هذه الأبعاد الأخرى متكاملة من حيث مفعولها رغم تناقض دوافعها. فهناك نشاط الحركة الصهيونية من جهة، وهناك من جهة ثانية الخطاب السياسي للساسة وللمفكرين والإعلاميين في مغرب ما بعد الاستقلال على الأخص. كانت الحركة الصهيونية، من خلال أنشطتها في الميدان (كشفية، خلايا دعائية/تنظيمية) ومن خلال نشراتها الداخلية، تعمل من جهة على حشد عواطف الرؤى المهدوية (rêves messianiques) المترسخة بشكل صوفي في الفكر اليهودي عامة وفي الفكر اليهودي المغربي خاصة من أجل إقناع الشرائح التقليدية من اليهود المغاربة بأن لحظة خلاص الأزمنة المهدوية (le salut des temps messianiques) قد حلّت بقيام دولة إسرائيل، وأن المقامات المقدسة لم تعد بعد هذا القيام مجرد مقامات سماوية (ירושלים שבשמים «أورشليم التي هي في السماء»). وتعمل من جهة ثانية على إقناع شرائح أخرى بأن الهجرة إلى إسرائيل (بدل فرنسا أو كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية) هي السبيل إلى الخروج من أزمة تضايق رقعة فرص النجاح في مغرب ما بعد الاستقلال بسبب الشروع في تعريب الإدارة وفي ظل غياب المنافسة المتكافئة في حقل الأعمال والمهن الحرة (الطب، الصيدلة، المحاماة، التوثيق)، ثم العمل أخيرا على إقناع الجميع بأن مستقبل الوضعية المدنية لليهود في المغرب مستقبل مظلم بسبب نوعية الخطاب الأيديولوجي العامّ المشار إليه والذي كان يغرف من قاموس وأدبيات الناصرية والبعثية خصوصا بعد حرب 1967 بين الدول العربية وإسرائيل والحروب التي تلتها.
7. وبالرغم من ذلك الجوّ الذي اختلطت فيه الأبعاد الباعثة على الهجرة الكبرى لليهود المغاربة مما تمت الإشارة إلى أهم صفاته في الفقرة-6، فإن مجرد النظر إلى الكيفية التي تتم بها تلك الهجرة تبيّن بوضوح أن البعد السوسيو-اقتصادي ظل هو البعد الحاسم كما كان الشأن في هجرات القرن-19 إلى أمريكا الجنوبية. فبالرغم من أدبيات التبشير بلحظة تحقيق الأحلام المهدوية والتلويح بفرصة خروج جميع اليهود المغاربة من وضعية مدنية مظلمة الآفاق، كانت سياسة الوكالة اليهودية للهجرة تفرض مقاييس صارمة في اختيار المرشحين للهجرة، وذلك باختيار أطر الشباب أولا. فكان شباب العائلة أول من يقوم بالهجرة كما في الهجرات السابقة، ولا يلتحق به المسنّون من ذويه، في إطار التجمّع العائلي، إلا في وقت لاحق حينما يفلح في الاندماج في وسط كان يغلب عليه نفوذ أوروبا الشرقية (الأشكيناز) الذين بلغ الأمر بكثير منهم إلى مناهضة شديدة لسياسة فتح الهجرة أمام يهود شمال إفريقيا عامّة باعتبار هؤلاء، في نظرهم، أقواما متخلفين وغير مؤهلين للمجتمع العصري. وقد كان من نتائج ذلك أن يهود البوادي، وعلى الخصوص يهود الجبال آخر من تمّ تهجيرهم من أجل القيام بالعمل اليدوي الزراعي في الموشافات.
8. وزيادة في بيان قوة البعد السوسيو-اقتصادي والمدني باعتباره بعدا أساسيا أولا في تحريك عجلة الهجرة، هجرة الفئات الشابة الباحثة عن فرص النجاح، يكفي إيراد نموذج من نماذج إغراء إعلامي بما توفره دولة إسرائيل الفتية من فرص النجاح في الأعمال. فقد استغل إعلام الصهيونية السياسية بُعدَ الثقافة السوسيو-اقتصادية الجديدة المذكورة لشباب الجماعات اليهودية خاصة، فعمل على توظيف تلك الثقافة، بما هي محرك للهجرة، قصد تصريف الهجرة نحو دولة إسرائيل بدل أوروبا وأريكا. وفي ما يلي نموذج ملموس لطبيعة الخطاب الذي كان يوجَّه في هذا الباب للناشطين من الجماعات اليهودية المغربية في باب البحث عن فرص النجاح السوسيو-اقتصادي الحديث وفي ظل شروط وضعية مدنية حديثة تسودها قيم المبادرة والمنافسة الحرّة في باب الرواج والترويج. يتعلق الأمر بجذاذة صحفية من الصحافة العبرية بالمغرب، مؤرخة بــ 23 ديسمبر 1950. جذاذة محررة بالدارجة المغربية المهوّدة (judéo-arabe) المكتوبة بالحرف العبري، جذاذة تغري بالهجرة إلى إسرائيل، من خلال عرضها لشروط نجاح الأعمال والمبادرة، المتمثلة فيما تتوفر عليه إسرائيل من بنيات تحتية وإدارية ومواصلات برية وسلكية ولاسلكية ومراكز بريد وكل ما تحتاجه الأعمال. ورد في الجدادة ما يلي:
– النص الأصلي بالدارجة المغربية بالحرف العبري:
כבאראת עלא כואננא בארץ ובגולה – 23، 12، 1950
פארץ ישראל כאיין ליום 140 פוצטא, ופתל אביב בוחדהא כאיין 13 לאלף דיטיליפונאת. ופהאד לעאם די דאז אתציפדו מן ישראל מיליון ושבע מיא דתיליגראם, וליום 38 דלגנוס כא יקדרו יהדרו פטיליפון מעא ישראל, ופחאל די ישראל כא תעמל זהדהא באס תכתתר לגנוס די יביעו ויסריו מעאהא, ותהדר מעאהום פטיליפון. האידאק ננית לגנוס מזמועין כא יעמלו זהדהום באס יקארבו גנסנא.
– قلبنا لكتابة النصّ إلى الحرف العربي:
[[خبارات على اخوانـنا بـأريتص وبـكًـولا – 23، 12، 1950
(أي «أخبار إخواننا في إسرائيل وفي الشتات»)
في إريتص إسرائيل، كاين اليوم 140 بوصطة؛ وفي تل بيب بوحدها، كاين 13 ألف د-التيليغرام؛ وفهاد العام دي داز، اتصيفطو من إسرائيل مليون وسبع مية د-التيليغرام؛ واليوم، 38 د-الكًنوس كا يقدرو يهضرو فالتيليفون معا إسرائيل. وفـحال-دي، إسرائيل كا تعمل جهدها باش تكـتّـر الكًنوش اللي يبيــعو ويسريو معاها، وتهضر معاهوم فالتيـليـفون. وهايداك نيت الكًـنوش مزموعين كا يعملو زهدهوم باس يـقاربو كًـنسنا]].
أما بخصوص الفئات التقليدية المتشبثة بأطر الشريعة اليهودية، وفي إطار الآفاق الجديدة غير المريحة للوضعية المدنية لليهود المغاربة غداة الاستقلال، فلم
يفت خطاب الحركة الصهيونية السياسية أن تتحدث لتلك الجماعات عن الآفاق «غير الباعثة على الثقة» التي تلوح في الأفق في نظرها من خلال خطاب وسياسة المغرب المستقل المشار إليها في الفقرة-6. فإذ كان ضمان الاحتكام إلى الشريعة اليهودية في أحكام الأحوال الشخصية والمواريث، وحتّى في بعض المعاملات إذا ما ارتضى المتقاضون اليهود ذلك، من بين ما يشد تلك الفئات التقليدية إلى المغرب، الذي هيكل المحاكم اليهودية بظهير سنة 1918، فهذا نموذج لتحذيرات إعلام دعاية الصهيونية السياسية في هذا الباب، ويتمثل في مقال في الصفحة الأولى لنشرة /حيروت حيروت سنة 1965 بعنوان «هل تبطل الحكومة المغربية المحاكم اليهودية؟»
9. تلك إذن بطاقة بريدية للتعريف بملامح تشكّل وتطوّر الدياسبورا المغربية اليهودية. وعلى أساس تشخيصها يمكن رسم معالم أي خطة للتعامل مع تلك الشريحة الكبرى المهمة للدياسبورا المغربية العامة المعاصرة. وفي هذا الاتجاه، وفي ظل مستجدات المغرب الجديد على مستويات النصوص المؤسِّسة الجديدة، والإدارة، والبنيات التحتية، والأوراش، وقوانين الاستثمارات (بل حتّى على المستوى المعرفي بالموضوع والاهتمام به بما أن أول ندوة دولية حول هجرة اليهود المغاربيين قد نظمت في المغرب بتعاون بين مركز جاك بيرك ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وصدرت أعمالها في ثلاثة مجلدات)، وكذا في ظل المستجدات الجيو-استراتيجة إقليميا وجهويا ودوليا، بما في ذلك استمرار البلاغة الناصرية-البعثية المشار إليها، والتي اتخذت لبوس خطاب مدارس ما عُرف بـ»الصحوة الإسلامية» لكن في مغربٍ أصبح هذه المرة متعــــدد الأصوات ولم يعد وحيد الصوت، على أساس كل ذلك في أفق أي خطة من ذلك القبيل، يتعين استحضار أمرين اثنين (أ، ب):
أ- كون المغرب يشكل أغنى بلد يحتفظ بأكبر عدد من أضرحة ومزارات الأولياء والصلحاء والصديقين اليهود (وحتّى بعض الأنبياء في الاعتقاد الشعبي: «سيدنا دانيال»، و»سيدنا حيزقال» مثلا) ومن المقابر والبيَع اليهودية التي تمّ الحفاظ عليها وترميمُها برعاية من الدولة المغربية، مما يجعل من كل ذلك رصيدا رمزيا يكاد يضاهي المقامات المقدّسة في أذهان اليهود المغاربة الذين لهم عاطفة خاصة تجاه בעלי המקום («رجال البلاد») وזכות אבות («بركة الأسلاف»). كل ذلك يشكّل أبعادا تجعل المغرب يصبح من جديد من أكبر المحجات اليهودية في العالم تشدّ إليه الرحال فرديا وعائليا وبتنظيم من عشرات فيدراليات اليهود المغاربة في العالم (فرنسا، كندا، الولايات المتحدة، إسرائيل).
ب- في إطار نفس ما تم بيانه في الفقرتين:3-4 من ثقافة عدم الالتصاق بالأرض أينما كانت تلك الأرض، ومن الاتماس الدائم لأسباب الحياة حيثما يُـتوسّم الرواج والسعي إلى فضاءات ذلك الرواج حيثما كانت، تجدر الإشارة إلى أن المغرب الجديد، بمواصفاته الجديدة التي أشير أليها على التوّ، قد أصبح في العشرية الأخيرة قبلة لزيارات جماعية منظمة للشباب اليهودي المقاول أو المقبل على المقاولة (سطارتـــاب/startup)، زيارات لكثير من الأوراش الكبرى القيادية، كروّاد/pioniers-éclaireurs لاستكشاف ما أصبح يَـروج مما يعِـد به المغرب الجديد في مختلف حقول الاستثمار. وذلك مؤشر من المؤشرات، يضاف إلى ما أشير إليه في الفقرة-ب من أجل وضع خطة عقلانية متوسطة وبعيدة المدى للتعامل مع الدياسبورا المغربية، اليهودية خاصة، على الأخص إذا ما استُحضرَت كثافةُ وقوة حضور هذه الدياسبورا في دواليب المؤسسات المالية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وفي مجموعات الضغط على صعيد الأقطار وعلى الأصعدة الأممية.