إشكالية الترجمة في المحاكمات القضائية.. معتقلي الحراك الاجتماعي بالريف أنموذجا

بقلم: محمد فارسي

أخذ مسلسل محاكمات نشطاء الحراك الاجتماعي بالريف، بروز عدة أحداث و ممارسات تعرض لها هؤلاء الشباب المعتقل من طرف الفرقة الوطنية أثناء التحقيق معهم، ثم الاصطدام مع القضاء في عدة زوايا أهمها عنصر الترجمة من الريفية la variété rifaine إلى اللغة العربية أو الدارجة (العامية المغربية)، إذ يتم ترجمة المكالمات وكل ما يعتبر إثباتا لتهمهم. هذا ما أدى إلى تحريف المعنى الحقيقي للأدلة الصوتية، وتمت الانتفاضة على هذا الأسلوب من طرف المعتقلين، إذ لا يمت بصلة مع أهداف الترجمة التي ترتكز على ضمان سلامة المعنى le sens، هذا ما يعتبر خرقا سافرا في حق علم الترجمة الذي سيترتب عليه من الطبيعي محاكمة غير عادلة.

من خلال هذا الحدث الذي عرى أيضا على إشكالية الترجمة التي يعيشها القضاء المغربي، وخاصة الترجمة من الأمازيغية إلى العربية، فقد كان متنبئا به منذ سنين، وبعد التعديل الدستوري سنة 2011، و اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية، ثم في سنة 2016 تم صياغة مشروع القانون التنظيمي رقم 16.26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية، ثم إدماج الأمازيغية في مجال التقاضي.

– القانون التنظيمي رقم 16.26
أخذ هذا المشروع بإدماج الأمازيغية في عدة مجالات، وخاصة في مجال التقاضي. هذا المشروع الذي وقف حبيسا لعدة اعتبارات متعلقة بالدولة المغربية و أيضا متعلقة بالعقلية الإنتظارية الكسولة العقيمة للذات الأمازيغية على حد تعبير الكاتب (مبارك بلقاسم).
بالرغم من أن هذا المشروع أصبح فقط حبر على ورق ولم نرى حتى خروجه الأولي على أرض الواقع لنعرف المعيقات و التحديات التي سيعيشها في الواقع، فإنه يعتبر كبح لتطور الأمازيغية و ما يتنافى مع دستور 2011 و ما أتى به من أجل الأمازيغية.
عودة إلى مشروع القانون التنظيمي رقم 16.26، و تركيزنا على الباب الثامن منها الذي يركز على إدماج الأمازيغية في مجال التقاضي الذي ينص على: الحق في استعمال اللغة الأمازيغية خلال إجراءات التحقيق أو للترافع أو لتقديم شهادة أمام المحكمة و توفير خدمة الترجمة دون دفع مصاريف اتجاهها و الحق في سماع نطق الأحكام باللغة الأمازيغية، نجد فيما يخص الترجمة ولو بدعوة المحكمة لذوات أكاديمية أمازيغية من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلا أننا نجد عدم وجود ترجمة حقيقية تضمت سلامة المعنى، وخاصة عندما نأخد الإعتبار اللساني المتعلق بمنطقة الريف وخاصة الحسيمة فأنه العديد من الكلمات التي تولد بشكل دوري Néologisme، و لن يفهم دلالتها إلا أبن تلك البيئة، إذ لا يستطيع المعهد و موظفيه أن يستوعبوا مثل هذه العبارات و الكلمات، وهذا ما يستدعي استدعاء مترجمين من الريف متخصصين وخاصة أن الجامعات الموجودة في منطقة الريف قد اجتهدت بوضع مسالك الماجستير تخصص الترجمة. كل هذا يندرج في إطار ضمان سلامة الترجمة والمحاكمة العادلة التي تشترط في القضاء العادل و النزيه.

– نص المادة 30 من الباب الثامن من المشروع 16.26
“الباب الثامن
إدماج اللغة الأمازيغية في مجال التقاضي
المادة 30
– تكفل الدولة للمتقاضين الناطقين بالأمازيغية، بناءا على طلبهم الحق في استعمال اللغة الأمازيغية خلال إجراءات التحقيق أو للترافع، أو لتقديم شهادة أمام المحكمة، وكذا بالنسبة لمختلف إجراءات التبليغ.
– تؤمن الدولة لهذه الغاية خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة للمتقاضين.
– يحق للمتقاضين بطلب منهم، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية.
– ومن أجل ذلك، تحرص الدولة على تأهيل القضاة وموظفي المحاكم لاستعمال اللغة الأمازيغية”.

بالتركيز على هذه المادة، فإننا نجد أن المشروع قد غطى بشكل أو بأخر عنصر الترجمة، وما يستدعي هو الخروج بهذا المشروع إلى أرض الواقع ، ومناقشته و الخروج بخلاصات، إذ عبره يمكن تحقيق عدة مطالب أمازيغية، وخاصة أن عدد كبير من خريجي الدراسات الأمازيغية لا يتعدى أمله في الشغل إلا في التعليم (صيغة التعاقد). إذن الخروج بهذه القوانين إلى الواقع يمكن أن تطعم العديد من مؤسسات الدولة، وخاصة أن الدولة المغربية تناشد بالديمقراطية و التنوع اللغوي و الثقافي…، إذ لا يمكن أن نجد مشكلا كهذا يعرقل محاكمة امتدت لشهور ولم تحسم بعد، و القضاء يشكل العمود الفقري للدول الديمقراطية.

*أستاذ اللغة الأمازيغية، طالب باحث في سلك الماستر أدب وترجمة

شاهد أيضاً

لمحات من تاريخنا المعاصر.. التعريب الإيديولوجي في المغرب

بدأت بوادر التعريب الإيديولوجي في المغرب منذ الثلاثينات من القرن الماضي اي بعد أن قضى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *