بقلم: عبد اللطيف العبوبي
لكي نفهم، كما ينبغي، “الصحوة الأمازيغية” الحالية، لا بُد من استحضار التجاذب الإيديولوجي المُحيق “بالشعوب المتحولة”. يرجع الفضل، في الجزء الأكبر من هذه الحيوية الجديدة ، لإدراك “الأمازيغ” لإشكاليات الصراع المحددة للتاريخ الكوني، وربطها بنوع من التطور الطبيعي، من جهة… ومن جهة أخرى، لتأثير النضالات الإجتماعية الوطنية التي خَضْخَضَتْ (ولا تزال) بعض اليقينيات الخاطئة، مما أعاد الروح لقوة “الأمازيغي” والثقة بنفسه…
وطيلة تاريخه المديد، لم يفقد “الأمازيغي” أبدا الوعي بجذوره، ولا انسجامه الدائم مع ماهيته، ولا فك ارتباطاته العضوية بثقافته… فهو يعرف تماما أنه ينتمي إلى الأساطير الأولى التي طبعت بحدة ذاكرة الأرض ومخيال البشر، وأنه يتحدر من أعرق التقاليد، وأن هويته (ركيزته الأساسية) تنغرس في الإنسية الأكثر قدما… وكلما غصنا في الماضي الغابر كلما عثرنا على بصماته الشاخصة اللاتُمْحى. وقد تجاوز تأثيره آسيا الصغرى وامتد (إفريقيا) إلى ما وراء الصحراء الكبرى… وتؤكد أسطورة “الأطلنتيس” انتسابه لعرق يعود أصله مباشرة إلى عهد “نوح”… وحسب الأدبيات المتوارثة، يعتبر الأمازيغي أخا “للإرْلَنْدي” و”الباسْكي” و”البْرُوتوني”… كما أن “الأمازيغية” تشبه بغرابة اللغتين “الغاليسية” و”الباسْكية”… إنها من أعرق لغات العالم. إذ تضم ألفاظها ودلالاتها الأشكال الأكثر اكتمالا في المعرفة الرياضية.. لغة ذات أصل “كوسمولوجي”، وليست خليطا من اللهجات العابرة، كما يُسَوقُ لذلك بعض المغفلين…
شيئ طبيعي، إذن، أن يقوم، اليوم، “الأمازيغي” بإعادة اكتشاف شخصيته كما هي، لأن ثمة إسهام حقيقي يلوح في الأفق، خطاب أصيل يتهيأ في الساحة الوطنية… لهذا يلزمه، بكل نبل، بعث رسالته ثانية إلى العالم، مع اقتراح نموذج جديد للإنسان. على هذا الصعيد، فقط، تَتَحَد ما يمكن أن نسميه “نهضته الراهنة”. ولكونه ساهم في كافة الإيديولوجيات (التي وجدت على وجه البسيطة) وسبق له تطبيق إحدى أفضلهن، أي “الإشتراكية الديموقراطية”، فهو يرفض بعناد كل الإيديولوجيات المستجلبة من الخارج، أو أن تُفرض عليه سلوكات وجودية اختلقتها مجتمعات أخرى ليست بالضرورة “مُساواتية”… باختصار، يرفض “الأمازيغي” الإيديولويجات لإعادة بناء ذاته… ولأنه واع بتَفَرده فهو يمنح نفسه دور المحافظة على الأخلاق الإنسانية التي تندثر تدريجيا، وذلك بتلقيمها بعصب يعطيها القدرة على إعادة التشغيل الفعال.
هذا “الإنبعاث الأمازيغي” يؤثر ببراعة في ثقافتنا، إذ يساعدنا إيجابيا في تبديد الخصومات وتذليل العقبات التي نواجهها يوميا في طريقنا نحو تحرير روحنا الضاربة في عمق الزمن. وبالتالي، سيكون من الحيف اعتباره مجرد ردة فعل يبعث عليها الحنين إلى الماضي، بل بحث مستمر عن الذات، تنقيب عن الثروات المكتنزة فينا والتي بدونها لا وجود لعبقرية خاصة.