الإرهاب، التطور التكنولوجي والبيئة السياسية الدولية.. أية علاقة؟

بقلم: حميد بوهدا - باحث في سلك الدكتوراه - تخصص العلاقات الدولية
بقلم: حميد بوهدا – باحث في سلك الدكتوراه – تخصص العلاقات الدولية

إن الأحداث الإرهابية التي عرفتها عدة مناطق في العالم في وقت متزامن، والتي تعد تطورا نوعيا حقييا في العنف المنتشر في زمن السيولة العالمية الراهنة. فاليوم، تبين الجهة المتبناة لهذه التفجيرات قوتها التعبوية، وقدرتها في استمالة الأتباع في كل انحاء العالم، فجادبية تنظيم”داعش” أبانت عن قدرتها الايديولوجية في تغير معطيات السياسية العالمية، وبالتالي عولمة الارهاب والعنف.

فهذا التوحيد الزمني للإنفجارات وتشتتها المكاني  يوضح قدرت الانترنت  الكبيرة في تسهيل أنشطة الإرهاب العالمي، ما يقتضي معالجة الحدث من خلال منظور علاقة التقدم التكنولوجي بالأمن العالمي. فهذه التكنولوجيا بقدر مساهمتها في تحسين وتسهيل الحياة والتغلب على الصعوبات، بالقدر نفسه تهدد هذه الحياة بتسهيلها التنسيق بين التنظيمات الإرهابية والمنخرطين العالمين في هذه الموجة على المستوى العالمي، ما يصبغ على هذا التنظيم هلامية أكبر، وانخراطه الكامل في عولمة حقيقة بقفزه على الحدود الجغرافية والجنسية واللغوية والعرقية واللون.

فالانترنت بحكم طبيعته غير خاضعة للرقابة الصارمة، نظرا لصعوبتها من الناحية التقنية هذا من جهة، ومن جهة أخرى نظرا للفلسفة التي تحكم هذا الفضاء، والتي تنطوي على الحرية وتكسير القيود سواء كانت قانونية أو جغرافية أو سياسية. فالأمر إذا يتعلق بفلسفة بناء هذا الفضاء وأيضا بالعوائق وضعف القدرة التقنية على ضبط جميع التفاعلات فيه. كما ساهمت اعتبارات اخرى في قدرة هذا الفضاء-الانترنت- التأثير منها؛ الهبوط السريع في أثمنة الحواسب والإرتباط بالشبكة، فهذه التكلفة المتدنية يجعلها في متناول الجميع بغض النظر عن قدرتهم الشرائية.

إن الانترنت، الذي اطلق عليه الخبراء العسكريون “الفضاء الخامس للعمليات الحربية”، أتبث اليوم قدرته التذميرية، حيث أن الأعمال العسكرية التي كانت تطلب عتادا عسكريا وإمكانيات مالية ضخمة وخطط وتكوينا عاليا أضحت اليوم سهلة وزهيدة التكلفة، بل يمكن أن نقول أن بدون تكلفة تذكر إذا قارنها بنتائجها، والتي تتجسد أساسا في عولمة الذعر والخوف وانتشار عدم الثقة في الشوارع والأسواق، مما ستكون له تكلفة اقتصادية ونفسية باهظة على المدى القريب والمتوسط.

إذا كانت مساهمة الجانب التكنولوجي يعد العنصر المستجد الأكثر قوة في ما نشهده اليوم، فإن هناك عوامل أخرى كان لها دورا كبير في انتشار العنف العالمي بهذه الدرجة، وتحديه لقوة الدولة، بل واستطاعته الإلتفاف على اجهزتها الرقابة، ومن هذه العومل:

العولمة أو السوق:

 منذ التمينات من القرن الماضي بداء العالم يشهد زحف العولمة، التي تعني في الأساس هيمنة السوق في صياغة القواعد، ما يقتضي وجوب تراجع الدولة في مجموعة من القطاعات التي كانت حكرا عليها، منها بالدرجة الاولى المجال الاقتصادي، لكن هذا التراجع أو انسحاب الدولة في الميدان الاقتصادي كان له تأثير مزدوج؛ بالنسبة للدولة المتقدمة انتقلت بفعل هذه الدينامية إلى ما يصطلح عليه ب”ما بعد الدولة” والذي يقصد به ظهور التكثلاث الاقتصادية الإقليمية مثل الإتحاد الاوربي، في حين كان تأثير هذا الاتجاه كارثيا على الدول المتخلفة، حيث أن انسحاب الدول في المجال الاقتصادي افقدها قوتها، ودفعها إلى ترك مناطق الفراغ  وهوامش غير خاضعة لسلطتها، هذه الفراغات أفضى إلى بروز الفاعلون الاخرون لملئه، وغالبا ما كانوا هؤلاء من تنظيمات المعارضة في وقت سابق، حيث بدؤوا تدرجيا بفرض قوانينهم في هذه المناطق.

فالبيئة الدولية الجديدة هي التي ساهمت في تقوية مكانة الافراد والجماعات، بالإضافة إلى الطغيان والاستبداد؛ وهنا لا اقصد فقط الاستبداد الذي يمارسه الطغاة في البلدان المتخلفة، بل ايضا الاستبداد الذي تمارسه الدول المتقدمة والممثلة في مجموعةG8ورديفتها من المؤسسات المالية الدولية التي تخطط للإقتصاد الدولي وتهندس خريطة الفقر والغنى على المستوى الاعلى من الاقتصاد الكوني. لذلك، فالاستبداد ثنائي واحد محلي والثاني عالمي.

غياب القائد:

يعيش العالم أزمة القيادة، فالولايات المتحدة الامريكية وحدها غير قادرة على ضبط التفاعلات العالمية؛ أولا نظرا لتعقدها وثانيا لانشغالها بأزماتها الداخلية، خاصة التدهور الاقتصادي و أزمة نظام مؤسساتها السياسية، بالإضافة إلى سعيها إدخال لعبين اخرين لتحمل المسؤولية في استتباب الأمن العالمي، شريطة أن يكون ذلك تحت قيادتها وتوجيهاتها. فهي تحس بنوع من الغبن من الفاعلين الدوليين الآخرين، الذين يستفيدون من تحملها اعباء الحفاظ على الامن العالمي دون أن تحصل على مقابل هذه المسؤولية بالقدر الكافي؛ بمعنى أن الآمن الدولي يجب أن يدفع المستفيدون منه مقابله، فهو لا يعني فقط الولايات المتحدة الامريكية، فهناك عمالقة اقتصاديين يستفيدون دون دفع التكاليف، من هنا جاء ما يسمى ب ” استراتجية الآمن القومي الأمريكي لسنة 2010″ الذي سطر  ما يطلق عليه” القيادة من الخلف”؛ وهي استراتجية توزيع النفوذ على قوى جهوية مثل فرنسا واليابان والهند وغيرها من الدول على المستوى الجهوي وتحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية.

خلاصة، من خلال ما سبق يمكن القول أن المعطى التكنولوجي لعب دورا تنسيقيا كبيرا في الهجمات الإرهابية التي عمت اليوم العديد من المناطق في العالم، كما نشرت الذعر، بالنظر لسرعة انتشار الخبر على القنوات الفضائية والشبكات الإجتماعية ومواقع الانترنت، وهنا يمكن القول أن الخسائر لا تتمثل في تعداد الارواح والجرحى فقط، بل يجب الإنتظار لتقييم تكلفة هذا الحدث على المستوى الاقتصادي والنفسي، والذي نجح في تحقيق اهدافه في الزاوية.

ايضا، سيكون لهذا الحدث أهمية كبيرة في تغير قواعد اللعبة الدولية، وفي تقليم اظافر السوق ورجال اعمال، وسيتم عودة الدولة بقوة، لإعادة ضبط التفاعلات على المستوى المحلي والعالمي، وذلك عبر فرض الرقابة على الانترنت بشكل كبير وسن قوانين جديد لمراقبة الحدود.

في حين سيتقوى خطاب اليمين المتطرف في اوربا والمحافظين في الولايات المتحدة الامريكية، وسنشهد قوانين هجرة جديدة، واستراتجيات أمنية غير مسبوق، لأن الأمر خرج عن السيطرة والحدود المرسومة له، وهي سوريا والعراق بالدرجة الاولى.  كما سينتج عن هذا الحدث تراجع في خطاب حقوق الانسان أمام الاولويات الامنية، نظرية للحساسية التي ستنتشر بين الدول، وهو ما سيستفيد منه الدكتاتورين بالدرجة الاولى.

شاهد أيضاً

امحمد القاضي

الأنشطة الشبابية والنسوية المدرة للدخل: قاطرة التنمية لحفظ الكرامة ببوادي سوس – أيت عبد الله نموذجا

ساكنة جبال سوس مرابطة بالبوادي وسط طبيعة جافة قاسية نظرا لتعاقب سنوات الجفاف لعقود من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *