البنك الدولي يوصي المغرب بـ”الابتعاد عن نمط الحفظ والتلقين في المدارس” وتشجيع التفكير النقدي

وجه البنك الدولي دعوة إلى عدد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، من بينها المغرب، تطالبهم بـ”الابتعاد عن نمط الحفظ والتلقين في المدارس، مقابل تشجيعهم على نهج نظام التفكير النقدي والإبداع ودغدغة طاقات الخلق والإنتاج لدى التلاميذ لضمان نمو وتقدم قطاع التعليم بالمنطقة وكذا تحسين مردودية هؤلاء الأخيرين”.

وشدّدت دراسة أصدرها البنك الدولي، الثلاثاء الماضي، والمعنونة بـ”توقعات وتطلعات: إطار جديد للتعليم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، على “ضرورة تخطي الطرق التقليدية للتدريس والبحث عن سبل مواكبة التطورات التي يشهدها العصر، بما في ذلك ضرورة اكتساب هؤلاء التلاميذ مهارات الرقمنة حتى يتأهبوا لتلبية ما تحتاجه وظائف المستقبل ومتطلبات الغد”.

ودعت الدراسة المغرب بتغيير مناهجه التعليمية بشكل جذري، والتي تعتمد أساساً على الحفظ والتلقين الأعمى، ومحاولة تبني مناهج بديلة تُساير منطق العصر وسيرورة التاريخ والحضارة الإنسانيين، كون التركيز على التعليم أضحى ضرورة في دول المنطقة لتجاوز معيقات التطور، ليس فقط باعتباره أولوية وطنية لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، ولكن لأنه حالة طارئة لتحقيق الاستقرار والسلام والازدهار”.

وأكدت المصدر ذاته أن أبرز مساوئ التعليم في المغرب، الذي تموقع في مرتبة متدنية على لوائح إحصائياتها رُفقة أفقر دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، هي أنه لا يولي أهمية لخيال التلاميذ، ولا لقيمة ملكة الإبداع لديهم، بقدر ما يُركز اهتمامه على تلقينهم أكبر قدرٍ من المعارف المتنافرة، أغلبها لا يُلائم العصر، ولا يتم تطويره ليُساير الطفرة المعرفية والثقافية الحديثة، حيثُ يُفسَّر التفوق في مؤسساته التعليمية، بمدى تمكن التلميذ من شحذ موهبة الحفظ لديه، دون دراية منه بفحوى ما حفظه، فضلاً عن صرف 30 في المائة من وقت التعليم في تلقّي معارف نظرية مجردة، خاصة في المواد العلمية، والتي لا يُمكن استيعابها في شتى الأحوال دون إخضاعها للتجربة التطبيقية”.

وأفادت معطيات دراسة البنك الدولي، أن 48% من التلاميذ المغاربة بالسنة الثانية من التعليم الإعدادي يُلزمون بحفظ مبادئ علمية. وطالب بـ”إقرار ميثاق جديد للتعليم على المستوى الوطني يتضمن رؤية موحدة ومشاركة المسؤولية والمساءلة، ويشدد على أن التعليم من شأن الجميع وليس فقط مسؤولية نظام التعليم، بهدف استعادة تراث المنطقة كمنطقة مثقفة وتلبية توقعات وتطلعات شعبها”.

ومن جانبه، قال خايمي سافيدرا المدير الأول بقطاع الممارسات العالمية للتعليم بالبنك الدولي: “سنوات الدراسة المتراكمة لا تكفي، إنما المهم هو مقدار ما يتعلَّمه الأطفال فعلا، وسوف تتضاءل قيمة الحصول على مؤهل أو شهادة إذا لم تصاحبه المهارات التي يحتاج اليها الشباب حتى يكونوا أكثر إنتاجية، وينبغي للمنطقة أن تعمل لتحقيق تحسُّن جذري في جودة التعليم، وسيتطلب هذا جهودا متضافرة لتزويد المعلمين والمدارس بالأدوات اللازمة لتزويد الطلاب بالمهارات الأساسية، وفي الوقت نفسه تشجيع العقول المحبة للبحث وهو ما يعد أمرا أساسيا في عالم يزخر دائما بالتحديات.”

وتشكل الأعداد الكبيرة من الخريجين العاطلين في المنطقة، حسب التقرير، إهدارا لموارد رأس المال البشري القيمة، ومؤشرا واضحا على الانفصال بين الأنظمة التعليمية وأرباب العمل المحتملين، ويصدق هذا بدرجة أكبر على الشابات اللاتي يفقن الرجال عددا في الجامعات، في حين تبلغ معدلات البطالة في صفوفهن الضعف مقارنة بأقرانهن من الذكور، ويلزم الجذب بصورة أقوى للمهارات من القطاع الخاص من أجل تحويل تركيز الطلاب والمدارس بعيدا عن القطاع العام مع تحسين الأنظمة للمواءمة بين مهارات الخريجين ومتطلبات الوظائف وتسهيل الانتقال من المدرسة إلى سوق العمل، وبهذه الطريقة، يمكن أن تصبح الأنظمة التعليمية مصدرا للمهارات المطلوبة لتنويع الأنشطة الاقتصادية وبناء قطاعات خاصة تتمتع بالحيوية والنشاط وقادرة على توليد النمو والوظائف”.

وقالت صفاء الطيب الكوجلي المديرة بقطاع الممارسات العالمية للتعليم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي ومؤلفة التقرير الجديد: “على الرغم من عقود من الإصلاحات لا تزال إمكانات التعليم غير مستغلة في كل بلدان المنطقة بصرف النظر عن الموقع الجغرافي أو العوامل السكانية أو الظروف الاقتصادية، ويتطلب إطلاق هذه الإمكانات تغيير العقلية، ومعالجة الأعراف الاجتماعية الراسخة، وإصلاحات تتجاوز النظام التعليمي، واتساق المصالح فيما بين كل أصحاب الشأن على أساس رؤية مشتركة لأهداف التعليم.”

ويُحدِّد التقرير أربعة تحديات رئيسية تعوق عملية التعليم في المنطقة ككل، وهي: التحديات بين الشهادات والمهارات، والانضباط والاستعلام، والسيطرة والاستقلالية، والتقليد والحداثة، ويعرض التقرير استراتيجية لمعالجة هذه التحديات وإطلاق العنان لقدرات التعليم من خلال بذل جهود متضافرة للدفع للتعلُّم، والجذب بصورة أقوى للمهارات، ووضع ميثاق جديد للتعليم بين كل أصحاب المصلحة المباشرة على الصعيد الوطني دعما لإصلاحات التعليم.

ويتطلَّب الدفع للتعلم التركيز على السنوات الأولى والصفوف الدراسية الأولى للطفل لبناء أسس التعلُّم. وهو يستلزم أيضا وجود معلمين ومديري مدارس أكفاء، ومناهج تربوية جديدة، وتحسين أساليب تقييم التعلُّم، والوصول إلى كل الأطفال بصرف النظر عن نوع الجنس أو العرق أو الخلفية الاجتماعية أو القدرة، وقد بدت بعض المؤشرات الإيجابية في المنطقة مثل التزام الإمارات العربية المتحدة بالعمل لتعميم الالتحاق برياض الأطفال بحلول عام 2021، والمحور الثاني لتطوير التعليم في مصر من خلال الشروع في إجراء تغييرات واسعة للنظام التعليمي باستخدام التكنولوجيا من أجل تقديم ودعم وقياس وإدارة عملية التعلُّم والتطوير المهني للمعلمين.

لكن الدفع للتعلم لن يكون كافيا، يقول التقرير، إذا لم يصاحبه الجذب بصورة أقوى للمهارات من سوق العمل، ومن مطالبة الآباء للنظام التعليمي بتقديم المهارات لا مجرد الشهادات، وعلاوة على ذلك، يجب أن يصاحب إصلاح النظام التعليمي، إصلاحات قطاعية أخرى، على سبيل المثال، تعد إصلاحات جهاز الخدمة المدنية ضرورية في ضوء تولي الحكومة وظيفة اختيار وتعيين المعلمين. كما تكتسي إصلاحات سوق العمل أهمية كبيرة أيضا لأن سياسات سوق العمل تخلق حوافز لأرباب العمل لاستخدام القنوات المفتوحة لتحديد المهارات.

ويتطلَّب الجذب للمهارات أيضا تحديث المناهج لتبتعد عن نظام الحفظ والتلقين، والعمل بدلا من ذلك على التشجيع على التفكير النقدي والإبداع، ومن الضروري أيضا أن يتعلَّم الطلاب المهارات الرقمية حتى يكونوا مستعدين لتلبية متطلبات وظائف المستقبل، وأن يعتمد المعلمون على ما تتيحه التكنولوجيا من مزايا في تحسين بيئة التعلُّم. ومع الدفع للتعلم والجذب للمهارات، سيتعين على الحكومات والمجتمعات أن تحشد جهودها حول رؤية متجددة للتعليم، وأن تضع ميثاقا جديدا يكون كل فرد فيه مسؤولا، وكل فرد خاضعا للمساءلة.

اقرأ أيضا

“الصحافة والإعلام في ظل الثورة الرقمية: قضايا وإشكالات” شعار المؤتمر الدولي الأول بوجدة

تنظم شعبة علوم الإعلام والتواصل الاستراتيجي التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *