مصطفى التلموتي
إن التاريخ حافل بالإنجازات التي وخزت تاريخ شمال إفريقيا بوشم من المحطات النضالية التي عبرت فيها شعوب المتوسط عن مطالبها بتضحيات جسام في إطار محاربة المستعمرعلى المستوى الخارجي أو في سياق تأثيث البيت الداخلي للمشهد السياسي لهذه الدول، فتاريخ المقاومة الذي عاشته هذه الشعوب جعلني أو قادني إلى محاولة تكبير الصورة أكثر حول نضالات الحركة التلاميذية خاصة في المغرب والجزائر، فالكثير منكم سيطرح تساؤلات عدة من بينها لما هذا الموضوع بالذات؟ ولما هذه المقارنة؟ يحق للجميع أن يتسائل وتسائلاته سيجد لها إجابة في هذه المقالة، غير أن الأساسي من كل هذا هو التعبير عن رأينا في مثل هذه القضايا التي تضرب المجتمع في صميمه، وعمقه، وتحكم على سياساته المستقبلية، كيف ذلك؟
لطالما كان التلميذ والطالب الفئة الإنتلجنسيا في المجتمع والتي كانت في معظم المحطات النضالية مرآة عكست وتعكس هموم ومتطلبات المجتمع بل كانت السباقة في إحداث التغيير، وصدى لكل معركة جماهيرية، إذا نظرا للدور التاريخي الذي لعبته هذه الحركة في الأحداث التاريخية المتعلقة بالتاريخ المعاصر سأغوص في أعماقها من أجل فهم ما يحوم في فلكها.
أولا: إطلالة على تاريخ الحركة التلاميذية
في البداية لابد من الإقرار بأن تاريخ الحركة التلاميذية يرجح تقسيمه على مرحلتين تاريخيتين، مرحلة ما قبل الإستقلال الشكلي للمستعمرات الأوروبية بشمال إفريقيا والتي اتسمت في مجملها بالمقاومة وبنضالات ضد المستعمر، وبعد ذلك تأتي مرحلة تثبيت المشهد السياسي الداخلي لهذه البلدان عبر خلق مساحات تنظيمية تستوعب نضالات التلاميذ والطلاب على حد سواء كالنقابات وغيرها من الإطارات الثقافية والإجتماعية والسياسية… إلخ
لقد ساهمت الحركة التلاميذية والطلابية في نشأة وتبلور نخب سياسية دفعت بدول شمال إفريقيا إلى مأسسة العمل السياسي والإجتماعي وقد حملت مطالب ثورية في أحيان ومطالب إصلاحية تنادي بالتغيير في أحيان أخرى حسب المحيط والزمن السياسي الذي كانت تعيشه هذه البلدان وقد تأسست جمعية طلاب شمال إفريقيا المسلمين سنة1912 كتعبير أولي عن مدى أهمية هذه الفئة وتأثيرها في القرارات السياسية، وبعد ذلك سيتم تأسيس الحركة الطلابية لكل بلد على حدا.
وهكذا فقد عرفت فترة الخمسينيات من القرن الماضي ظهور الحركة الطلابية بكل من الجزائر والمغرب وتونس، تختلف على المستوى الإيديولوجي لكنها تعبير عن الأهمية التي كانت تكتسيها في توجيه المسار السياسي للبلدان المغاربية، وقد تبنت هذه الحركات مطالب كل الفئاة الشعبية في جميع المجالات وكما عبر عن ذلك ألان توران في وصفه للصراع الذي كان يخوضه الطلاب الفرنسيين بكون أن هناك تماثل واضح بين الطلاب والعمال من حيث مواجهة الرأسمالية.
إذا كانت الحركة التلاميذية والطلابية لعبت دورا مهما في حسم القرارات السياسية لدول شمال إفريقيا وأوروبا على حد سواء فإننا اليوم أمام تسفيه هذا الدور ومحاولة تشويه صورة هذا الفعل عبر خلق شعبوية وعشوائية في النضال الطلابي والتلاميذي بالمغرب عكس جارتها الجزائر، فهل لغياب التأطير دور في ظهور هذه الشعبوية ؟
ثانيا: راهنية الحركة التلاميذية بين المغرب والجزائر
إن الرأي العام المغربي والجزائري في الآونة الأخيرة وجه الأنظار نحو الحركة التلاميذية من أجل خلق دينامية في المشهد السياسي من جهة، ثم العودة إلى الدور الذي كانت ولا تزال تلعبه هذه الحركة في المشهد السياسي من جهة أخرى، وهذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال هذه الأسطر الأتية.
• الجزائر:
عرف الدخول المدرسي لهذا الموسم 2018/2019 تعثرا ذو بعد سياسي إذ وجه الإعلام الجزائري الأنظار نحو عدم تقبل الأباء والأمهات تدريس وتلقين مادة اللغة الأمازيغية لأبناءهم ما خلق رد فعل في صفوف الحركة التلاميذية الأمازيغية إن صح التعبير وذلك عبر الخروج إلى الشارع للمقاطعة والإمتناع عن الدخول إلى أقسام وحجرات اللغة العربية ما جعل مديرية التربية لولاية تيزي وزو تصدر بلاغ توضيحي بخصوص تعميم اللغة الأمازيغية لتلاميذ الثانويات وكذلك وزارة التربية تفاعلت مع الحدث عبر إصدار بيان يوم 31 أكتوبر 2018 تحث فيه المتعلمين إلى الدخول لأقسامهم وكذلك على كونها تعمل جاهدة على جعل اللغة الأمازيغية لغة بكل معنى للكلمة في المنظومة التربوية وأنها ستواصل مجهوداتها في تعميمها.
• المغرب:
إن الدخول المدرسي لهذه الموسم 2018/2019 عرف تعثرا ذو بعد أخر بعيدا عن القضايا السياسية والتربوية التي تهم المتعلمين، فهذه المرة سيخرج إلى الوجود أسرع مرسوم في تاريخ التشريع المغربي المتعلق بالساعة القانونية، هذا المرسوم رقم 2.18.855 المنشور بالجريدة الرسمية يوم 27 أكتوبر 2018 الذي ينص على العمل بالساعة القانونية +1 التي ستعمل على إرباك التلاميذ وتخرجهم إلى الشارع خاصة بعد صدور المذكرة رقم 157/18 بتاريخ 02/11/2018 المتعلقة باستعمال الزمن.
فالمغرب اليوم يشهد حراكا تلاميذيا حول التغيير الذي شهدته الساعة القانونية ما جعل المتعلمين يقاطعون حجرات التدريس في مجموعة من المدن على الصعيد الوطني.
من الوهلة الأولى سيتضح للقارىء الفرق بين الحركة التلاميذية التي تعمل بتأطير وتشتغل عن وعي بالقضايا الأساسية والسياسية والتربوية التي تهم المجتمع، حتى وإن قدمت تضحيات كالإعتقال والإستشهاد سيجد لها التاريخ مكانا لتدوين تضحياتها، أما الحركة التلاميذية التي تعمل بشكل عشوائي ويؤطرها الحماس لتناضل من أجل تغيير الساعة، ستذهب بنا إلى مرحلة سنصير نتحدث فيها عن شهيد الساعة ومعتقل الساعة عوض الحديث عن شهيد لقمة العيش، شهيد قوارب الموت، معتقلي الرأي ووو…..
إن الحركة التلاميذية بالمغرب ساهمت بشكل كبير في حسم قرارات سياسية مهمة وخير دليل على ذلك مساهمتها في انتفاضة 65 وانتفاضة 84 وغيرها من المحطات السياسية التي خلدها التاريخ، أي أنها ناضلت من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية وقدمت شهداء في سبيلها فلا يمكن تسفيه هذا المسار وهذا التاريخ بالساعة القانونية من أجل خلق الحدث، فما هكذا تحلب النوق إنه العبث بعينه.
من هذه المنطلقات أصبح لزاما على الإطارات السياسية والإجتماعية العمل على تأطير هذا الفعل وجعله يليق بتاريخ ومسارالحركة التلاميذية بالمغرب.
*أستاذ اللغة الأمازيغية بطنجة