الحكم الاحتياطي في القانون المغربي .. حماية للمصلحة العامة وضمان للعدالة

يشهد النظام القضائي المغربي تطورًا مستمرًا في إطار تحقيق العدالة وحماية الحقوق. من بين الآليات القانونية التي تطورت مؤخرًا في هذا الصدد هو مبدأ “الحكم الاحتياطي”، الذي يتيح للجهات القضائية اتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية في انتظار صدور الحكم النهائي. هذا المبدأ يعد أداة توازن بين حماية حقوق الأفراد وضمان استمرارية المصلحة العامة، لاسيما في القضايا التي تتعلق بالعزل أو الإيقاف المؤقت للموظفين العموميين.

مبدأ الحكم الاحتياطي في القانون المغربي

يقوم مبدأ الحكم الاحتياطي على فكرة اتخاذ إجراءات مؤقتة في حالات معينة لحين الفصل النهائي في القضايا، ومن أبرز هذه الحالات هي عندما يتم اتخاذ قرارات تتعلق بالعزل أو الإيقاف عن العمل لموظف عمومي.

ويتجسد هذا المبدأ بوضوح في القانون المغربي من خلال المادة 16 من قانون الوظيفة العمومية، والتي تنص على أنه “لا يجوز عزل الموظف إلا بعد تحقق المخالفة بشكل دقيق وواضح، وفي حال لم تكن المخالفة جسيمة، يجوز الإبقاء عليه في منصبه إلى حين صدور الحكم النهائي.”

معيار الجسامة والضرر المحتمل

ينص المادة 62 من قانون المسطرة المدنية على أنه في حال وجود نزاع حول مشروعية قرار العزل، يمكن للمحكمة اتخاذ تدابير احترازية لضمان الحقوق المتبادلة بين الأطراف، وذلك في انتظار البت النهائي في الدعوى. وفي هذا الإطار، يلتزم القضاء المغربي بتطبيق مبدأ “عدم الإضرار بالمصلحة العامة”، إذ يحق للمدعى عليه الاستمرار في وظيفته إذا كانت المخالفة المرتكبة غير جسيمة، ولم تكن تشكل خطرًا أو ضررًا على سير المرفق العام.

على سبيل المثال، في حال قررت جهة إدارية عزل موظف بسبب تجاوزات إدارية بسيطة أو أخطاء غير مؤثرة بشكل مباشر على سير المرفق العام، فقد يتم الاستمرار في منصب الموظف مؤقتًا حتى يصدر الحكم النهائي. هذه الحماية المؤقتة تعكس التوازن الذي يسعى القانون لتحقيقه بين عدم الإضرار بالحقوق الفردية وعدم المساس بالمصلحة العامة.

دور القضاء في تطبيق الحكم الاحتياطي

تجدر الإشارة إلى أن القضاء الإداري في المغرب هو المسؤول عن تقييم ما إذا كانت المخالفة التي ارتكبها الموظف تمثل خطرًا حقيقيًا على المصلحة العامة أم لا، وما إذا كان بالإمكان الإبقاء عليه في منصبه ريثما يصدر الحكم النهائي. يمكن استنادًا إلى المادة 36 من قانون التنظيم القضائي للمحاكم المغربية، أن يطلب القاضي الاحتياطي وقف تنفيذ قرار العزل أو الإيقاف المؤقت إذا تبين أن هناك ضررًا متوقعًا على المصلحة العامة من جراء ذلك.

مثال عملي على تطبيق الحكم الاحتياطي

نفترض أن موظفًا عموميًا متهم بتجاوزات في التسيير الإداري، حيث قُدم ضده طلب عزل بسبب تلك المخالفات. في هذه الحالة، إذا كانت المخالفات تتعلق بأمور إدارية غير جوهرية ولا تمس مباشرة سير العمل في المرفق العمومي، قد يقرر القاضي الإبقاء على الموظف في منصبه ريثما تصدر المحكمة حكمها النهائي. هذا القرار لا يعني بالضرورة براءته، بل هو مجرد تدبير احتياطي للحفاظ على استقرار العمل الإداري في ظل انتظار الفصل في الدعوى.

ختامًا، إن مبدأ الحكم الاحتياطي في القانون المغربي يعكس حرصًا على تحقيق العدالة وحماية المصلحة العامة، من خلال منح الأطراف فرصة لتوضيح موقفهم قبل اتخاذ قرارات نهائية قد تكون لها تبعات بعيدة المدى. كما أن تحديد معايير المخالفات الجسيمة وغير الجسيمة هو ما يضمن تطبيق هذا المبدأ بشكل عادل ومرن، بما يحفظ الحقوق ويحقق الاستقرار الإداري في الوقت ذاته.

بقلم المستشار الدكتور/ حسن بن ثابت

اقرأ أيضا

بقلم: الحسين بوالزيت - صحفي وباحث في التاريخ

السكر في دبلوماسية المنصور الذهبي: الذهب الأبيض الذي عزّز نفوذ المغرب

سبق وان كتبت في موضوع السكر والدبلوماسية، عندما كنت في مهمة مهنية في مدينة تيوت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *