أكد رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي أن هناك علاقة مباشرة ووطيدة ما بين معضلات تدريس اللغة الامازيغية ومشكل التنمية البشرية بالمغرب، مستهلا محاضرته خلال أشغال النسخة الثانية للمنتدى الوطني لأمازيغ المغرب، بالحديث عن ندوة سبق أن أطرها في ألمانيا بشأن أهمية اللغات الأم.
وقال الراخا كان من المفروض أن ترسل الأمم المتحدة ممثلا لها خصيصا لإعداد التقرير حول الفقر بالمغرب، إلا الزيارة لم تتم، وهذا ما جعل التجمع العالمي الأمازيغي يعد تقريرا حول علاقة الأمازيغ بالفقر.
وفي هذا الصدد استحضر الراخا مبادرة الأستاذ أحمد بوكوس الذي قام بإعداد خريطة لسنية تتماشى مع الحقيقة اللسنية بالمغرب، على خلاف الأرقام والإحصائيات الغير واقعية التي تتحفنا بها المندوبية السامية للتخطيط، منذ إحصاء 2004 و2014، والتي جاءات بأرقام غير صحيحة فيما يخص نسبة الأمازيغ بالمغرب، وهذا ما لا يمكن قبوله بالمطلق إن تمت نفس العملية في الاحصاء المقبل لسنة 2024».
وأضاف في معرض محاضرته «من هنا نحث الدولة المغربية على احترام معايير الأمم المتحدة بشأن عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى، حتى تقدم لنا خريطة لسنية واقعية تتماشى وحقيقة المغرب والمغاربة».
وأشار إلى أن خريطة المندوبية السامية للتخطيط تبرز دائما بأن «المناطق الأكثر فقرا في المغرب هي المناطق الأمازيغوفونية»، والغريب حسب الراخا أن «الأمازيغ يشكلون نسبة مهمة فيما يخص الجالية المتواجدة بأوروبا، كما أنها تضخ الملايير من العملة الصعبة في ميزانية الدولة، وبالأخص في فترة تداعيات «الكوفيد»، وأغلبية هاته الجالية تنتمي للمناطق المناطق الأكثر فقرا وهشاشة وعلى رأسها منطقة سوس والأطلس والريف، وفي ظل هذه الأرقام فمن «المفروض أن تكون هذه المناطق هي الأكثر استفادة من ثرواتها وتتمتع ببنيات تحتية وتنمية لكن في الواقع نجد العكس».
وأوضح رئيس التجمع العالمي للأمازيغي، أن الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية تؤكد أن «نسبة كبيرة من الأمية متواجدة بهذه المناطق وهذا ما يعني أن المعادلة تؤكد أن تدريس الأمازيغية في التعليم الأولي وفي المدرسة الابتدائية والتكوين المهني سيخلق ثروة وستستفيد منها هذه المناطق».
وفي هذا الإطار تساءل المتحدث عن مكمن المشكل، قبل أن يضيف «الدولة المغربية تعترف عبر وزيرها في التربية الوطنية بأن 78 بالمائة من الأطفال الذين يتمون دراستهم الابتدائية لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، ولا لغة عربية ولا فرنسية، رغم توفير الوزارة لمجموعة من الأدوات البيداغوجية والأساليب والتقنيات التي تنعدم بالمطلق لتدريس اللغة الامازيغية».
واسترسل « في المغرب، نجد مثلا مدارس نموذجية في تدريس اللغة الأمازيغية، الفرنسية والعربية، كمؤسسة «مدرسة .كوم» فحينما ينتهي المسار الابتدائي للتلاميذ نجدهم يتقنون هذه اللغات الثلاث قراءة وكتابة، مما يعني أن الدولة المغربية إذا أرادت أن يتمكن التلاميذ من تحقيق هذا المبتغى فيجب أن تدرسهم بلغاتهم الأم أولا، ومن خلال ذلك يستطيعون أن يتعلموا باقي اللغات بإتقان مع تنمية ذكائهم».
وأردف رشيد الراخا «الإشكال هنا إيديولوجي، لأنه بالرجوع إلى التقرير الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول التعليم والذي خص فيه الأمازيغية بفقرة يتيمة، والتي أقر فيها بأن تدريس اللغة الأمازيغية يعرف تعثرا كبيرا، في حين أن موضوع تعليم الأمازيغية يخص أكثر من 12 مليون مغربي وهذا ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر».
وأضاف أن «هذه العقلية الأيدولوجية لا تهمها مصلحة الأطفال المغاربة، بل بالعكس فهي تحاول «تخديرهم بأفكار لا علاقة لها بالتربية والتكوين» حيث نجد أن هذه «السياسة الفاشية والاشتراكية فشلت فشلا ذريعا، لأنها لم تربي الأطفال على التنوع الثقافي واللغوي واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية والقيم المتواجدة في ثقافتنا، المتوارثة عن أجدادنا».
وأضاف في نفس السياق أن المؤسسة الوطنية للنهوض بالتعليم الأولي تلقت دعما كبيرا من مؤسسات مختلفة ومن سفارات وشركاء كالاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، كما أصدرت تقريرا حول الإشكالات التي تعيق التعليم بالمغرب، لكي يتجاوز مطبات الفشل المدرسي والموت السريري الذي يهدد المدرسة العمومية. وتأسف الراخا لكون التقرير لم يشر، ولو بشكل صغير، الى اللغات الأم للمغاربة.
ونبه الراخا إلى أن التلميذ المغربي يعاني مشاكل كثيرة خاصة على مستوى اللغة لأنه حين «يخرج من بيت ومحيط يتحدث بلغة امازيغية، مع والديه واقربائه، يجد نفسه في صدام مباشرة مع لغة مختلفة تماما عنه، سواء في الشارع أو في المدرسة، وهذا ما تكرسه المؤسسة الوطنية للنهوض بالتعليم الأولي، من خلال إصرارها على تدريس اللغة العربية للأطفال دون السادسة».
كما أكد أن خارطة الطريق 2022-2026 التي بلورتها الوزارة والتي تهدف إلى إرساء نموذج جديد لتدبير إصلاح التعليم، لم تخصص إلا فقرة صغيرة للأمازيغية».
وانتقد رئيس التجمع العالمي الأمازيغي من جهة أخرى، ما وصفها بمحاولة «البعض جعل الأمازيغ يدورون في حلقة مفرغة، فكلما حققت الحركة الامازيغية مكسبا، إلا ويحاولون العودة بنا إلى نقطة الصفر والبدء من جديد». كما انتقد «بعض الاشخاص الذين يحاولون العودة بالأمازيغية إلى نقطة الصفر فيما يخص الحرف الأمازيغي «تيفيناغ» بعد «معركة الحرف» التي وحدت الأمازيغ في مواجهة «الإسلاميين» والخصوم السياسيين للقضية الأمازيغية». وقال «إن لحرف تيفيناغ تاريخ طويل وجمالية رمزية عند الأطفال ويتماشى والهندسة المعمارية الأمازيغية للمغرب وشمال إفريقيا».
وذكر أن حرف تيفيناغ يهدد مصالح «العروبيين والإسلاميين» الذين خصصوا ميزانيات ضخمة لإستقطاب أساتذة من مصر والعراق وفلسطين مند بداية الاستقلال إلى 2003 تاريخ تدريس الأمازيغية، وأطلقوا برامج التعريب للتعليم، ورغم ذلك لم يستطع التلاميذ المغاربة تعلم اللغة العربية عكس الأمازيغية التي يجيدونها بسرعة ويبدعون فيها رغم الاكراهات، كما أن التفاعل الحاصل بين مدرسي الامازيغية والتلاميذ المغاربة خلق نوع من الارتباك لدى المعادين للأمازيغية».
كما أشار رئيس التنظيم الدولي الأمازيغي إلى الخطاب التاريخي للعاهل المغربي والذي أعلن من خلاله عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وقال «إن هذا المكسب التاريخي عرف نوعا من التشويش في بدايته من طرف بعض الأطراف التي حاولت أن تشعل ما يشبه حربا أهلية بين الأمازيغ، وخلقت نقاشا هامشيا وفارغا خاصة خلال استقالة الاعضاء السبعة من المجلس الاداري للمعهد، وحاولوا حينها بكل الطرق تمييع هذا المكسب التاريخي الذي لولاه لما وصلت القضية الامازيغية الى ما وصلت اليه اليوم، بترسيمها في الدستور، وتدريسها في المدرسة رغم علتها، لأنه بفضل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية تم توفير كتب ومناهج وأبحاث ودراسات حول الأمازيغية».
كما انتقد تواجد منتمون «لليسار الرديكالي» في الحركة الأمازيغية و «الذين يحاولون تبخيس كل المكاسب الامازيغية وهذا حدث مع دسترة الامازيغية في دستور 2011 بعد الانخراط الفعال للحركة الأمازيغية في دينامية حركة 20 فبراير»، وزاد «كان من المفروض ان تكون ثورة ثقافية وهوياتية هامة في المغرب وخارجه، وكان يجب أن يكون هناك تمييز إيجابي تجاه الأمازيغية وأن يتم التعميم الأفقي والعمودي للأمازيغية في كل المسالك التعليمية، إلا أن البعض حاول أن يساهم في تبخيس هذا المكتسب الهام جدا وفرملته، واتضح أن مهمة هؤلاء مع الأسف هو منع الأمازيغية من التقدم إلى الأمام».
وقال «بعد صراع طويل مع الحكومتين السابقتين من أجل اخراج القوانين التنظيمية للأمازيغية، والتي لم تفرج عنها إلا في آواخر ولايتها سنة 2019، لتحسم الأمازيغية في الانتخابات الأخيرة لسنة 2021 ويبرهن الصوت الأمازيغي على قوته من خلال تغيير الخريطة السياسية بالمغرب وإبعاد «الإسلاميين» من الحكم، بدون عنف خلافا لما حدت في العديد من البلدان التي سيطر عليها الاسلاميون».
وزاد رئيس التجمع العالمي الأمازيغي في معرض محاضرته «اليوم لدينا حكومة تحمل هم الملف الأمازيغي، ووزارة التربية الوطنية مرتبطة مباشرة بملف تدريس الأمازيغية، إلا أنه مع الأسف الوزير الحالي لا يزال يعتقد بأنه وزيرا للداخلية وليس وزيرا للتربية الوطنية».
وأشار الراخا إلى الرسائل التي بعثها إلى البنك الدولي بشأن تمويل التعليم في المغرب والتي أبرز فيها بأن «هذا التمويل، سيكون مجرد استمرار لعملية «سكب الماء في الرمل»، وقال «بعد ثلاث رسائل، أخيرا ردّ جيسكوهنتشل، المدير الإقليمي لدائرة المنطقة المغاربية ومالطا بالبنك الدولي على الرسالة الأخيرة وأكد بأن «البنك الدولي سيقوم بإرسال رسالة التجمع العالمي الأمازيغي إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، باعتبارها الوزارة المعنية بتنفيذ هذه الإصلاحات»، ليعلن بعدها مباشرة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي شكيب بنموسى عبر مذكرة وزارية عن تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم الابتدائي ابتداء من الموسم الدراسي المقبل وبشكل تدريجي». يورد المتحدث
ويضيف، «الوزير الوصي على القطاع تجاهل أهمية اللغة الأم في التعلمات الأولى للطفل والذي يعتبر العمود الفقري للتعليم «وهذا ما قد يجعل الطفل المغربي يدخل في انفصام لغوي وثقافي وهوياتي، ما سيجعله ينفر من لغته الأم وبالتالي المساهمة في خلق صراع الأجيال عند الأطفال من أربع سنوات في الوقت الذي يحتاج فيه الطفل لدعم والديه إلى أن يبلغ 16 سنة على الأقل».
وشدد رئيس التجمع العالمي على أن هذا الأمر خطير جدا على الأطفال ويؤثر عليهم نفسيا»، وقال إن هم القائمين على القطاع هو «تدريس العربية والإسلام فقط وليس تعليم الأطفال القيم الكونية والتسامح الديني والتعدد اللغوي الذي يزخر به المغرب».
وختم رشيد الراخا بالإشارة إلى البلاغ الملكي الذي أعلن من خلاله الملك عن ترسيم السنة الأمازيغية، ووالذي أكد فيه الملك محمد السادس على أن الأمازيغية تعتبر مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء» وقال الراخا « الملك يعود الى التاريخ الأمازيغي».
وفي النهاية حذر رئيس التجمع العالمي الأمازيغي من «محاولات بعض اليساريين، المحسوبين على الحركة الامازيغية، الركوب على هذا القرار الملكي التاريخي لتمييعه هو الآخر والعودة بنا إلى الوراء وهذا ما لن نقبله أبدا وعلينا أن نعي جيدا هذه الاالاعيب المكشوفة» وفق تعبيره.
للاطلاع على مداخلة رشيد الراخا حول الموضوع: