
أطلعت على مقال للصحفي سامي لقمهري تحت عنوان :”معركة وادي الذئب، أنوال أخرى”، مجلة زمان في نسختها العربية، العدد 76، فبراير 2020، ص.ص 68/71.
ما أثار انتباهي في المقال هو العنوان، بحيث غالب المصادر المغربية أو الأجنبية تتحدث عن الكارثتين للجيش الإسباني، بما فيها كارثة أنوال، في معركتي “خندق الديب el Barranco del Lobo” سنة 1909، و”خندق الموت el Barranco de la Muerte، ببني حسان (ما بين الشاون وتطوان)، سنة 1924، على إثر إخلاء الجيش الإسباني لمدينة شفشاون، وتراجعه نحو تطوان. كذلك، المرجعين المعتمدين في المقال، الأول لمؤرخة إسبانية، ومن ثم، سيكون التحليل أحادي الجانب؛ والثاني، للمؤرخ المغربي جرمان عياش، الذي، من خلال تصفح الكتاب، لا نجد شيئا حول هذه المعركة؛ ومن ثم، كان حريا على الصحفي أن يبحث عن مراجع مغربية تطرقت بالخصوص إلى الموضوع، وهي موجودة، نعطي منها نماذج.
في موازاة ذلك، نسوق مقال، هو في الأصل قراءة في كتاب اهتم بالموضوع.
إسـبـانـيـا والريـف والشـريـف مـحـمـد أمـزيـان (1902 – 1921): مساهمة في دراسة العلاقات المغربية – الإسبانية في بداية القرن العشرين
للدكـتـور رشـيـد يـشـوتـي. منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي – الرباط 2011.


1- السـلـطـنة الروكـيـة بالريـف
قام الشريف محمد أمزيان بالخروج ضد الجيلالي الزرهوني (الروكي)، بعدما تبين له تناقضات “المشروع الوطني” الذي كان ينادي به، ومن ثم، كاد المغرب أن يدخل في حرب أهلية، حين قام الشريف بمناصرة السلطان مولاي عبد العزيز ضد حركة الروكي. وكانت أسباب الصراع بين الروكي والسلطان مولاي عبد العزيز تتمثل في محاولة السيطرة على مناجم الرصاص والحديد بقبائل قلعية، بحيث إن الروكي، لم يتمكن من تدعيم سلطته في الشمال الشرقي، إلا بفضل استيفاء عائدات هذه المناجم، والتي مكنته من تجهيز محلاته بالسلاح المتطور، مستغلا تنافس الحكومتين الفرنسية والإسبانية للحصول على تراخيص حيازة واستغلال هذه المناجم، التي تنازل عنها الروكي سنة 1907، بمقتضى معاهدة فرمان Farman، بثمن زهيد وصل إلى 650.000 بسيطة لمدة 99 سنة.

II- مقاومة الشريف محمد أمزيان للتوغل العسكري الإسباني بالريف الشرقي خلال حرب مليلية 1909 – 1910
كان احتلال ريستينكا وراس الما بسيدي البشير سنة 1908، وكذا الهجوم على قبيلة أولاد الحاج سنة 1909، بالإضافة إلى تنازل الزرهوني على حق استغلال المناجم لصالح إسبانيا وفرنسا، ثم بناء سكة الحديد الرابطة بين مليلية ومناجم الريف، دافعا قويا للقبائل الريفية، خصوصا قلعية، في القيام بعمليات المقاومة المسلحة ضد التوغل الإسباني، حيث أعلنت هذه القبائل، تحت قيادة الشريف محمد أمزيان يوم 9 يوليوز 1909، انطلاق العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال 
وخلال هذه المعارك، استخدمت القوات الإسبانية لأول مرة في التاريخ سلاحا جد متطور، لم يشهد له المغاربة مثيلا، كالمناطيد التي استعملت أول مرة في الحروب ضد المغاربة، الذين اندهشوا لهذه الآلية العجيبة، والتي كانوا ينعتونها ب”الطيارة”، حيث كانت مهامها تتمثل في رصد تحركات رجال المقاومة، وإعانة المدفعية الثقيلة في قصف المواقع المغربية بدقة. أما فيما يتعلق بعملية استخدام الطائرات ضد حركة المقاومة المسلحة المغربية، فقد انطلقت منذ سنة 1913. وأنا أتفق في هذا مع الأستاذ رشيد ياشوتي، استنادا إلى وثيقة مؤرخة في يوم 21 دجنبر 1913، نشرها الأستاذ محمد ابن عزوز حكيم (محمد ابن عزوز حكيم: “الشريف الريسوني والمقاومة المسلحة في شمال المغرب”. الجزء الأول – مطبعة الساحل – الرباط 1981 – ص.117)، هي عبارة عن إعلان تهديدي أصدرته الإقامة العامة لسكان القبائل المقاومة، بأن القرى والمحاصيل الزراعية سوف تتعرض إلى قصف الطيارات بواسطة القنابل الحارقة في حالة عدم الاستسلام. ينضاف إلى هذا السلاح الفتاك، الذي لم يعهد له المغاربة مثيلا، استخدام القوات الإسبانية للألغام في معركة سوق الخميس يوم 30 شتنبر 1909، والتي تسببت في مقتل وإعاقة الكثير من المقاومين. وقد تميزت المعركة بمقتل الجنرال دياث بيكاريو Diaz Vicario.

من جانب آخر، وفيما يخص علاقة الشريف محمد أمزيان بالمخزن المغربي، فقد اتسمت بالطيبة أحيانا، وبالتذبذب أحيانا أخرى. إذ خلف وقوف قبائل الريف إلى جانب السلطان مولاي عبد الحفيظ في صراعه ضد أخيه السلطان مولاي عبد العزيز، صدى طيبا في نفسية السلطان، دفع بالشريف محمد أمزيان ببعث مرسولين عنه، ورسائل إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ طلبا للدعم، وكذا التشكي ضد اعتداءات القوات الإسبانية على منطقة الريف. وقد توافق موقف الشريف محمد أمزيان هذا، مع رد الفعل الفرنسي اتجاه التوغل الإسباني في منطقة الريف، والذي اتسم بالقلق من تحركات الإسبان لتمديد منطقة نفوذهم.
من جانبه، كان السلطان يقوم بين الفينة والأخرى بإرسال مبعوثين عنه إلى الريف، خصوصا إبان فترة الصراع بينه وبين 
من الجانب الإسباني، فقد قامت إسبانيا بإرسال سفارات إلى الرباط، كسفارة ميري ديل بال Merry del Val، إلى كل من السلطان مولاي عبد العزيز، في شهر شتنبر 1907، والسلطان مولاي عبد الحفيظ بفاس، في شهر يناير 1909. وكان الهدف من كلا السفارتين، طلب تنازلات عن امتيازات عدة، من بينها، التنازل عن استغلال مناجم الريف، لكنهما ووجهتا برفض قاطع من لدن المخزن المغربي.

في مجال آخر، اندلعت حرب كرت ما بين سنتي 1911 و1912، بين الشريف محمد أمزيان، والقوات الإسبانية، حيث بذل الشريف فيها جهودا جمة من أجل تعبئة جميع القبائل الريفية للجهاد. وقد شكلت أحداث فاس الدامية في شهر أبريل 1912، دافعا قويا لهذه القبائل في الالتحاق بصفوف المقاومة. في موازاة مع ذلك، قام الملك ألفونسو XIII Alfonso
بزيارة إلى مليلية يوم 7 يناير 1911، بهدف الوقوف مباشرة على مجريات الأحداث بالريف، خصوصا وأن فشل عملية الإنزال البحري بخليج الحسيمة، والهجوم على اللجنة الطوبوغرافية، كان دافعا قويا لإسبانيا في إطلاق سلسلة معارك كرت. كما قامت إسبانيا خلال هذه الفترة، بتغيير استراتيجيتها العسكرية، عن طريق ترحيل جنود الميتروبول، والقيام بعمليات تجينيد وسط مغاربة القبائل الصديقة Las Cabilas amigas، وهو ما أسفر عن تكوين أول كتيبة من القوات الأهلية (البوليس الأهلي) منذ سنة 1909.

تعود عملية الترخيص لاستغلال مناجم الريف إلى فترات سابقة، حين قام السلطان سيدي عبد الرحمن بن هشام بالترخيص للأجانب في استغلال هذه المناجم. في حين، سلك بعض السلاطين المغاربة سياسة احترازية اتجاه تراخيص الاستغلال والتنقيب على حد سواء، ومن بينهم السلطان مولاي الحسن الأول. في نفس الوقت، استغل بعض زعماء التمرد المحليين تراخيص التنازل عن هذه المناجم في الحصول على عائدات مالية هامة، مكنتهم من تدعيم تمردهم عن طريق تجهيز قوات محلاتهم بالسلاح المتطور، كما كان الشأن بالنسبة للجيلالي الزرهوني.
كذلك، فإن التنافس على حق استغلال مناجم الريف، قد بلغ مداه بين الشركات الإسبانية والفرنسية، حيث انتهى باتفاق 21 أبريل 1918، الذي نص على تنازل شركة الشمال الإفريقي لفائدة شركة مناجم الريف، عن جميع الحقوق المتعلقة بحيازة واستغلال المناجم الريفية، في مقابل الحصول على 15 % من ثمن بيع الحديد. وتجدر الإشارة إلى أن تطور رأسمال الشركات المنجمية الأجنبية بالريف الشرقي منذ سنة 1907، قد ساهم بشكل أساسي في تدعيم 
IV- الريف الشرقي ونتائج التوغل العسكري الإسباني وانعكاساته
1- تأثير حركات الشريف محمد أمزيان على الأوضاع بإسبانيا
إن المعارك التي خاضها الشريف محمد أمزيان ضد القوات الإسبانية في الريف الشرقي، ساهمت في التأثير على الوضع الداخلي الإسباني، حيث كانت أخطر نتيجة لذلك، هي اندلاع الانتفاضات الشعبية في جل المدن الإسبانية، تمثلت في الأسبوع الدامي ما بين 25 و31 يوليوز 1909. وقد أطلق على هذا الأسبوع أسماء متعددة، مثل: الأحمر، المأسوي، الحزين، الحداد، والمجيد. إذ إن الخسائر البشرية التي تكبدتها القوات الإسبانية، وعلى رأسها هزيمة الإسبان أمام الشريف محمد أمزيان في معركة خندق الديب يوم 27 يوليوز 1909، جعلت منطقة الريف تشتهر باسم “المذبح المغربي El matadero marroquí”. وهذا ما جعل جنود الاحتياط الإسبان يمتنعون عن ركوب البواخر في اتجاه المغرب، حيث اندلعت على إثر ذلك، انتفاضة النساء، من أمهات وزوجات الجنود، والتي ساهمت انعكاساتها في سقوط الحكومة المحافظة لأنطونيو ماورا Antonio Maura، وتعويضها بالحكومة الليبيرالية لسيخيسموندو موريط Segismundo Moret يوم 21 أكتوبر 1909. هذه الحكومة لم تصمد بدورها سوى 3 أشهر ونيف، بعد فشلها في القضاء على مقاومة الشريف محمد 
2- حرب الريف وأدب المقاومة إبان فترة الشريف محمد أمزيان
كان من الضروري أن تخلف ملاحم الشريف محمد أمزيان تأثيرا مباشرا في المخيال الجماعي لسكان الريف، ترجمت على شكل أشعار زجلية شعبية تم تدوينها أو حفظها باللهجة الأمازيغية. في حين، خلف الإسبان مثيلا لهذه الأشعار الزجلية باللغة الإسبانية كانت تعرف ب Los Romanceros، وهي أشعار الملاحم. وقد تغنت الأجيال بهذه الأشعار الزجلية على مر العصور، وكانت ذات قيمة تاريخية كبيرة، حيث شكلت رصيدا تاريخيا شفويا أو مكتوبا للوقوف على بعض الأحداث التي لم يتم التأريخ لها، كما ساهمت في سد بعض الفراغات التي خلفها غياب الوثيقة التاريخية.
3- المجتمع الريفي ووفاة الشخصيات الكارزمية: أنموذج الشريف محمد أمزيان 1909 – 1912
تطرقت بعض الدراسات الأنتروبولوجية والسوسيولوجية الأجنبية، إلى مفهوم الموت وطقوسه، وكذا آلية القتل لدى المجتمع الريفي، حيث تقدم الرجل الريفي بصورة سلبية، كشخص مهووس بالقتل وعاشق للدماء.
في هذا السياق، اختلفت الدراسات، وكذا الشهادات حول حادث مقتل الشريف محمد أمزيان.

أما طوماس كارثيا فيكيراس Tomás García Figueras، فقد قال بأنه استشهد في موقع حدو علال قدور، دون معرفة من قتله.
أما رواية المرحوم جرمان عياش، فقد ساق بأنه قتل غدرا على يد الجنود الريفيين (وهم بالتأكيد من القوات الأهلية).
في حين، يتوافق مراسل جريدة إيمبارثيال Imparcial مع رواية المرحوم جرمان عياش.
أما الرواية، التي نراها أقرب إلى الحقيقة، هي لمندوب السلطة المخزنية بالريف، والذي يذكر بأن الشريف اغتيل على يد البوليس الأهلي غدرا.
ودرءا لأي التباس، قامت السلطات الإسبانية بعملية التحقق من هوية الشريف داخل مشرحة مستشفى مليلية بمساعدة أشخاص عاشروه. كما قامت بعرض مقتنياته الخاصة التي كانت معه عند استشهاده. بعد ذلك، سوف تقوم بتسليم جثته إلى أهله من أجل إتمام مراسيم دفنه.
ولم تمر عملية مقتل الشريف محمد أمزيان دون انتقام المجاهدين من قاتله، الذي هو في الأصل الرقيب (السرجان) محمد حسني من القوات الأهلية (البوليس الأهلي)، حيث تمكنوا من إلقاء القبض عليه بعد ذلك بسنوات، وإعدامه حرقا.
4- الجبهات الريفية الجديدة بعد وفاة الشريف محمد أمزيان بين سنتي 1913 – 1921

من جانب آخر، فإن احتلال تطوان في فبراير 1913، أجج حركات المقاومة المسلحة داخل جميع منطقة الحماية الإسبانية 
خلاصة القول، إن كتاب الدكتور رشيد يشوتي “إسبانيا والريف والشريف محمد أمزيان (1902 – 1921): مساهمة في دراسة العلاقات المغربية – الإسبانية في بداية القرن العشرين”، هو في الأهمية بمكان، لأنه يسبر غور موضوع لم يحظ بما فيه الكفاية من المعالجة، وهو المتعلق بمقاومة الشريف محمد أمزيان. فغزارة المعلومات، ودقة التحليل، يجعل منه مؤلفا لا محيد عنه لمن أراد الاطلاع على التاريخ المشترك المغربي الإسباني، وكذا على إرهاصات انطلاق عملية المقاومة المسلحة بالمغرب. كما تأتي أهمية الكتاب في كون بروزه على الساحة الثقافية بالمغرب، تصادف مع مرور مائة سنة على استشهاد أب المقاومة المسلحة بالمغرب، الشريف محمد أمزيان في مايو 1912.
جريدة العالم الأمازيغي صوت الإنسان الحر



