تنصرم سنة 2023 مخلفة إشعاعا ثقافية وفنيا أثرى مخلف مدن جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، كما أرضى رغبات مختلف المولعين بالفنون وبالنقاشات الفكرية والأدبية.
ومكنت مختلف التظاهرات المقامة على طول العام من إغناء المشهد الفني بالجهة، وبالتالي إتاحة الفرصة أمام الجمهور للاطلاع على إبداعات في شتى الفنون، من الرسم والتشكيل وفنون الشارع والمسرح والموسيقى والسينما، بتناغم كامل مع المظاهر الطبيعية الخلابة للجهة.
وساهم مختلف الفاعلون والمهتمون بالشأن الثقافي في وضع برنامج كثيف ومتنوع طيلة فترات العام على مستوى مختلف جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، شمل على الخصوص سلسلة من المهرجانات السينمائية والموسيقية والمسرحية واللقاءات الأدبية والمعارض التشكيلية، إلى جانب المواسم الثقافية ومشاريع تأهيل البنيات الثقافية وتأهيل المدن العتيقة بالشمال.
ورأت هذه التظاهرات النور بفضل مبادرات تقف وراءها مؤسسات عمومية وطنية، وأخرى جهوية لاسيما المديرية الجهوية للثقافة والمحافظة الجهوية للتراث، إلى جانب الفاعلين المحليين من قبيل الفضاء الثقافي والفني “رياض السلطان” و “سينما ألكازار” والمركز الثقافي ليكسوس ومختلف الأروقة الفنية.
وتواصلت على مدار العام مجموعة من مشاريع التأهيل العمراني لأشهر المعالم العتيقة بمدن الجهة، ولعل أهمها معلمة “فندق الشجرة” بطنجة، إلى جانب ترميم لوحة جدارية تاريخية بتطوان، والتي رسمها الفنان الإسباني دييغو غوميز سنة 1951 بأحد مباني حي “الانساتشي” بتطوان.
بالحمامة البيضاء أيضا، انطلق هذه السنة مشروع ترميم وتحويل المقر القديم للقسم المدني بالمحكمة الابتدائية بتطوان لتحويله إلى متحف “الذاكرة التطوانية”، بينما بوزان أطلقت الوكالة الحضرية العرائش-وزان دراسة مرجعية لتثمين النسيج العمراني للمدينة، وإبراز تراثها الحضاري والاجتماعي والديني الفريد.
بخصوص الفنون البصرية، كانت الجهة مسرحا لمجموعة من المعارض التشكيلية لفنانين مخضرمين وواعدين، محترفين وهواة، ولعل من بينها معرض “استعادة” للبشير الدمناتي برواق “دو لاكروا” بطنجة، ومعرض “مشرق مغرب” ببيت الفن بجماعة بريش بأصيلة، ومعرض “حداثات عربية، مجموعة متحف معهد العالم العربي” بمتحف القصبة بطنجة، والمعرض الجماعي “آفاق” بالمركز الثقافي بتطوان.
كما حظيت المهرجانات والمنتديات والمواسم الثقافية بمكانة بارزة في الأجندة الثقافية لسنة 2023، لاسيما الدورة الثالثة والعشرون للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، والدورة الرابعة والأربعون لموسم اصيلة الثقافي الدولي، والدورة الرابعة لمهرجان المنارة المتوسطية للشباب بالحسيمة، والدورة الرابعة والعشرون لمهرجان العود بتطوان، والدورة الثالثة والعشرون للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان.
وتم تسليط الضوء على تجارب سينمائية واعدة انطلقت من جهة الشمال، ويتعلق الأمر على سبيل المثال بتكريم السينمائية فريدة بليزيد، بينما واصلت شفشاون الحفاظ على إرثها الأندلسي بتنظيم الدورة السابعة والثلاثين لملتقى الموسيقى الأندلسية، وتكريم الكاتب والخبير في الدراسات الأندلسية عبد القادر الخراز.
وقد واكبت جمعيات المجتمع المدني هذه الدينامية الثقافية على أكثر من مستوى، حيث نظمت جمعية “أمازيغ صنهاجة الريف” الدورة التاسعة لمهرجان “باشيخ”، إلى جانب إقامة عدد من المهرجات والأمسيات الثقافية والموسيقية بمدن الجهة بمبادرات جمعوية.
وتكريسا لمبدأ الثقافة للجميع، استفاد نزلاء المؤسسات السجنية من أنشطة فنية متعددة، من بينها سهرة للموسيقى الأندلسية بالسجن المحلي طنجة 1 من طرف مؤسسة نسائم الأندلس للحفاظ على التراث.
كما كان للكتاب نصيب من الاحتفاء، إذ إلى جانب حفلات توقيع وتقديم عدد من الروايات والمؤلفات الصادرة حديثا، وهو الحدث الذي صار اعتياديا بفضل الإنتاج الأدبي والفكري الغزير، تميزت سنة 2023 بتجدد انعقاد الملتقى الأدبي الخاص بالكاتب محمد شكري بطنجة، وبصدور أول ديوان شعري باللغة الأمازيغية بالحسيمة للشاعرين أحمد الخديري وشكيب أحتيت، فيما حط المهرجان الجهوي للكتاب في دورته الحادية عشرة بمدينة القصر الكبير.
ولعل إشعاع جهة طنجة تطوان الحسيمة كوجهة سياحية لا يرتكز فقط على سحرها الطبيعي ومناظرها الخلابة ولكن أيضا إلى ديناميتها الثقافية التي مكنتها من تعزيز مكانتها في كجسر للمبادلات الثقافية وطنيا، وأيضا دوليا عبر انعقاد تظاهرات اجنبية او مشاركة أجانب فيها، ومن بينها مهرجان التلاقح الثقافي بالعرائش ومهرجان طريفة-طنجة السينمائي.
الدينامية الثقافية لعام 2023 ساهمت في بروز جيل شاب من المبدعين الشغوفين بالفنون والآداب، ويعول على هذا الجيل مواصلة حمل مشعل الثقافة بطريقتهم الخاصة التي تجمع بين الاقبال على العولمة وحس الابتكار مع التمسك بالهوية المغربية الأصيلة.
*بقلم صوفيا العوني