
وتميزت الأمسية باقبال، مهم فحضرت الجدة وأحفادها والأم وأبنائها، ومسنون أكبرهم في 85 من العمر وأطفال أصغرهم لم يتجاوز سن العامين، توزعوا على مجموعات منأجيال مختلفة، إذ المجال للتعلم ولاكتساب مهارات وفهم ضوابط اللعبة وقواعدها التي لا يفقهها هذا الجيل فهي لعبة ضاربة في القدم، كانت ملاذ كل العائلة في فصل الشتاء بالخصوص، تجتمع حولها لتقضي وقتا ممتعا، فهي لا تستوجب سوى بعض العصي من جريد النخيل تسوى ورشم مربعات، تتحرك عليها الشخصيات لتنتهي بفوز أول المتسابقين في وصوله إلى الحج وشرب ماء زمزم.
وأعدت الجمعية لهذه الأمسية 20 لعبة، وضعتها على ذمة المشاركين من الحضور فانقسموا كل مجموعة من 5 أنفار وبينهم أدوات هذه اللعبة والمتمثلة في رقعة و5 شخصيات والغولة وعلى الرقعة مربعات تنتهي ب”بئر زمزم” ثم “الحج ” والفائز من يصل إليهما خطوة خطوة شرط حصوله على السيق وهو أن ينجح في قلب الأربعة عصي من الجريد كأداة رئيسية في اللعبة، 3 خضر وواحدة بيضاء،على أن ينجح في تحقيقها 3 مرات متتالية للوصول إلى زمزم و3 مرات أخرى متتالية للوصول إلى الحج ولإخراجه الغولة التي تتركه وتصبح في ملاحقة لمنافسيه.

وتحمل هذه اللعبة، حسب رئيسة الجمعية، عدة معاني ودلالات، فهي وسيلة للمتعة والترفيه والترويح عن النفس وفرصة لتعميق للروابط والتمسك بالقيم الانسانية والإسلامية السمحة فشخصيات اللعبة هم الأبناء وكل متباري يلعب من أجل أن يصل بوالده أو أمه إلى الحج وإذا ما فاز فكأنه أدى واجبا تجاه والده حتى أن اللعبة تختتم عند بلوغ الهدف بتقبيل الفائز الشخصية التي هي بالنسبة له والده ويقول “يعطيك الصحة يا بابا مشيت للحج وجيت وجبت 7 عبارات زيت”.
وأضافت ان حضور الغولة في اللعبة كعنصر مشوش ومعرقل هي إشارة إلى قوى الشر والصراع بين الخير والشر، مشيرة إلى ثراء المخزون التراثي بألعاب شعبية هادفة وقيمة هي فرصة ليست للعب من أجل اللعب والترفيه بل بمثابة مجال واسع للتفاعلات النفسية والاجتماعية لا تحدث في فراغ بل في وسط اجتماعي تحكمه العلاقات والتواصل.
وتستعد الجمعية بعد نجاحها في استعادة لعبة السيق إلى إحياء ألعاب شعبية أخرى ستؤثث بها فعاليات شهر التراث في تصور هادف يرمي إلى توفير عناصر الفرجة وبناء أدوار في علاقة بين الأجيال وخاصة الوصول بالطفل إلى أن يكتسب من خلال التزامه بقواعد تلك اللعبة ضوابط المعايير الاجتماعية وادراك الذات في الفضاء والزمن لا أن يرتبط في ظل الألعاب الالكترونية الحديثة مع الاخر الوهمي.
وحضرت الأمسية شابة من خريجي الجامعة التونسية، فرح بنتردايت، نجحت في تطوير هذه اللعبة ضمن مشروع لإعادة إحياء الالعاب الشعبية القديمة منطلقة من لعبة السيق الأمازيغية القديمة على أن تتسع إلى ألعاب أخرى مثل البالقوف، ستكشف عنها قريبا، وجعلت من هذه اللعبة محملا لبعث مؤسسة ناشئة في طور الانجاز وشاركت بها في معارض دولية لتمثيل جربة.
وقالت فرح بنتردايت أن لعبة السيق أمازيغية تعرف في عدة بلدان بنفس التصور مع اختلافات بسيطة من جهة إلى أخرى، وقد حافظت في مشروعها على نفس قواعد اللعبة وعلى أدواتها الأساسية وهي أعواد النخيل مع التخفيف فيها ومعالجتها بمواد أخرى حتى يسهل التعاطي معها ورفعها وتحريكها وحفظها لمدة أطول وتحويل الشخصيات التي كانت قديما من حجر أو عظم إلى شخصيات بوجوه وملابس جربية وشخصية الغولة السوداء إلى جانب رقعة من الجلد أو القماش ومعهم ورقة قواعداللعبة ب3 لغات.
وانطلقت هذه الشابة في غشت الماضي في ترويج اللعبة حيث كان الاقبال هاما وخاصة من العائلات التي اقتنتها لتعليمها لأبنائها معتبرة أن أسعار بيعها بين 40 و50 دينار، حسب نوعية الرقعة( من جلد أو قماش) مدروسة بالنظر إلى تكاليف المنتوج وما يتطلبه من عمل وتزويق يدوي وتوريد مواد من الخارج واخرى من جهات الجريد.
وانتهت أمسية لعبة السيق بنجاح في التعريف بها وإحيائها وبالتعريف بمشروع ناشئ استلهم مكوناته من التراث فنجح في أن يروج بامتياز ويشجع باعثته لاتمام بحوثها حول ألعاب شعبية أخرى انطلقت فرح فيها وستعرضها قريبا.
جريدة العالم الأمازيغي صوت الإنسان الحر